ترك برس
أشار تقرير تحليلي نشرته وكالة الأناضول التركية إلى أن سيطرة الحكومة الليبية على قاعدة الوطية الجوية الاستراتيجية (140 كلم جنوب غرب العاصمة طرابلس)، تشكل نقطة انعطاف جديدة في مسار الحرب بليبيا.
وذكرت التقرير أن إعلان قوات الحكومة الليبية، الأربعاء، سيطرتها على قاعدة الوطية، يمثل أول تطور نوعي لسير المعارك منذ إعلان وقف إطلاق النار، في 12 يناير/كانون الثاني الماضي، والذي لم يلتزم به اللواء المتقاعد خليفة حفتر مطلقا.
وبحسب التقرير، تكمن أهمية قاعدة الوطية الجوية في كونها تحتضن مقر غرفة عمليات المنطقة الغربية، التي تمتد من طرابلس إلى غاية الحدود التونسية، ويقودها إدريس مادي (من قبيلة الزنتان)، وسيطرت عليها قواته في 2014، مع بداية عملية الكرامة، التي أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مايو/أيار من ذات العام.
كما اتخذت مليشيات حفتر قاعدة الوطية، نقطة انطلاق رئيسية لطائراتها النفاثة لقصف طرابلس ومختلف جبهات القتال، بما فيها الأهداف المدنية مثل مطار زوارة (100 كلم غرب طرابلس)، منذ بداية الهجوم على طرابلس في أبريل/نيسان 2019.
وتعتبر الوطية، نقطة تحشيد لقوات حفتر القادمة من قاعدة بنينة الجوية، في مدينة بنغازي (ألف كلم شرق طرابلس)، وقاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس)، وبإمكانها إيواء 7 آلاف عسكري في وقت واحد.
وهذة المرة الأولى التي تتمكن فيها قوة معادية لحفتر من اقتحام قاعدة الوطية، المحصنة طبيعيا، والتي شيدها الأمريكيون في 1942، خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، والتي لا تضم مطار أو أي منشأة مدنية.
وبسبب التضاريس الصعبة ووجود حاضنة شعبية لحفتر حولها، أخفقت عملية "فجر ليبيا" (تحالف لكتائب بالغرب الليبي) في اقتحامها طيلة عامين (2014-2016).
ومع بداية هجوم حفتر على طرابلس في 4 أبريل 2019، ازداد الانقسام بين كتائب الزنتان المسيطرة على قاعدة الوطية، بين الموالين لحفتر والداعمين لحكومة الوفاق، وكانت هناك مساعي لتحييدها من القتال، لتفادي أي شرخ بين أبناء مدينة الزنتان (170 كلم جنوب غرب طرابلس).
لكن جناح حفتر كان المسيطر داخل القاعدة، وقرر فتحها أمام القوات والطائرات القادمة من الشرق، بل والمشاركة بشكل رئيسي في عمليات السيطرة على طرابلس.
غير أن طيران الوفاق قصف قاعدة الوطية أكثر من مرة خلال 2019، وأعلن أنها خارج الخدمة.
وقال أسامة الجويلي، قائد المنطقة العسكرية الغربية التابعة لحكومة الوفاق، وأحد القيادات العسكرية البارزة لكتائب الزنتان، في يوليو/ تموز 2019، إن "قاعدة الوطية يخرج منها الطيران العمودي وطائرات ميغ وسوخوي، وتم تدمير (طائرة) سوخوي وإسقاط (طائرة) ميغ، وإصابة إحدى الطائرات العمودية، في قصف للقاعدة، والتي تعرضت بعدها لحادث عرضي (لم يحدده)، فأصبحت خارج الخدمة".
لكن يبدو أن قوات حفتر أعادت قاعدة الوطية إلى الخدمة بمساعدة دول أجنبية، خاصة وأن مساحتها كبيرة، وحتى قوات التحالف الدولي التي قصفتها في 2011، لم تتمكن من إخراجها من الخدمة رغم تدميرها للطائرات الرابضة بها ومنظومتها للدفاع الجوي.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حذر الجويلي، في تصريح تلفزيوني، من أنهم قد يضطرون "لشن هجوم واسع على قاعدة الوطية على الرغم من تكلفته الباهظة اجتماعيا (الانقسام بين أبناء القبيلة الواحدة)، إذا زاد الخطر".
لذلك يشكل هجوم اليوم على قاعدة الوطية الجوية، نقطة انعطاف جديدة في مسار الحرب بليبيا، حيث انتقلت قوات الوفاق من وضعية الدفاع إلى الهجوم، وهو الأمر الذي تحدث عنه وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، في 3 مارس/آذار الجاري.
فطيلة عام تقريبا، اتخذت قوات الوفاق وضعية الدفاع في غالب الأحيان، لاستنزاف قوات حفتر، ويبدو أن قواتها استكملت عمليات الحشد وإعادة الانتشار، بعد النفير العام الذي دعت إليه عدة مدن في غرب ليبيا موالية للوفاق، والذي مكنها من تجنيد أعداد أكبر من المقاتلين، مما يتيح لها الإمكانية للمبادرة بالهجوم هذه المرة.
كما يعني الهجوم، فتح جبهة جديدة للقتال لم تكن موجودة سابقا، وبعيدة نسبيا عن منطقة العمليات جنوبي طرابلس، مما قد يدفع بحفتر إلى سحب جزءا ليس بسيطا من قواته من محاور العاصمة نحو قاعدة الوطية الاستراتيجية.
وهذا سيضعف بدون شك مليشيات حفتر المحتشدة جنوبي طرابلس، ويسهل من مهمة قوات الوفاق في دفعها بعيدا عن الأحياء الشعبية، وإخراج صواريخ غراد من مدى مطار معيتيقة الاستراتيجي، الذي يتعرض بشكل دوري للقصف.
واستخدمت قوات الوفاق، خطة مشابهة لعملية تحرير مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس)، حيث اعتمدت على عنصري المفاجأة والتضليل، فقاعدة الوطية كانت خارج منطقة الاشتباكات طيلة أشهر طويلة، وعند بداية الهجوم صباح الأربعاء، شمل مختلف المحاور جنوبي طرابلس من أجل التضليل، بينما تركز الهجوم الرئيسي على قاعدة الوطية، ما منع قوات حفتر من إرسال دعم عاجل إلى عناصرها في الوطية، مما أدى إلى سقوطها بشكل سريع ومفاجئ.
ومن تداعيات الهجوم، أن المعارك قد تشهد تصعيدا للقتال في المرحلة المقبلة، ما يهدد بانهيار الهدنة الهشة، التي تم التوافق بشأنها بدعم من الأمم المتحدة والقوى الكبرى والإقليمية في المنطقة، خصوصا وأن الملف الليبي لم يعد من الأولويات الدولية في ظل أزمة فيروس كورونا الذي يجتاح العالم.
وسواء ثبّتت قوات الوفاق سيطرتها على قاعدة الوطية أو انسحبت منها إلا أن الهجوم في حد ذاته أثبت امتلاك قوات الحكومة الشرعية القدرة على المبادرة بالهجوم حتى خارج ميادين الاشتباك الرئيسية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!