ترك برس
قدّم البروفسور أوفوق قوجاباش، عضو الهيئة التدريسية بكلية الآداب لدى جامعة إسطنبول، ورئيس مشروع الحطام في منطقة "يني قابي"، معلومات حول الإرث الثقافي لإسطنبول، والحفريات الأثرية في "يني قابي"، والممتدة على مساحة 60 ألف متر مربع.
يقول قوجاباش، في مقابلة معه نشرت عبر الوقع الإلكتروني الرسمي لولاية إسطنبول، إن الحفريات الأثرية التي بدأت عام 2004، في منطقة "يني قابي" بإسطنبول، تكشف لنا معلومات أثرية وتاريخية ثمينة حول التاريخ القديم للمدينة.
ووفقًا للأكاديمي التركي، فإن هذا المشروع الذي أطلقته مديرية المتاحف الأثرية بإسطنبول، ضمن إطار حفريات مترو مرمراي وقطارات مترو الأنفاق الأخرى، ربما يعتبر من أكبر الحفريات الأثرية في القرن، حيث يعمل فيه قرابة 600 عامل، ويرتفع هذا العدد في بعض الأحيان إلى 1000، إلى جانب 50 خبير، وبمشاركة 20 مؤسسة ما بين جامعة ومعهد.
ومما جاء في المقابلة:
تم التوصل خلال هذه الحفريات إلى معطيات أثرية في غاية الأهمية، من حيث تسليط الضوء على التاريخ القديم لإسطنبول. لقد تم كشف ماضي المدينة الممتد لـ 8500 عام. في الواقع كنا قد حفرنا ميناء بيزنطياً، وعند وصولنا إلى أسفل طبقة في الحفريات، اكتشفنا أطلالاً تعود لفترة العصر الحجري الحديث، أي قبل حوالي 8000 – 8200 عام من الآن.
هذه المنطقة المكتشفة ضمن شبه الجزيرة التاريخية بإسطنبول، تعدّ أقدم منطقة مأهولة في المدينة. كما توصلنا بفضل هذه الحفريات إلى بقايا ميناء ثيودوسيوس، أحد أهم موانئ القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية. عُثر داخل الميناء على حطام 37 سفينة، وعشرات الآلاف من الآثار البحرية. ما سبق، يؤكد مرة أخرى على أهمية حفريات "يني قابي."
من خلال هذه الحفريات التي مرّ عليها قرابة 10 سنوات، ما الذي توصلنا إليه من معلومات حول تاريخ إسطنبول؟
قبل كل شيء، فإن حفريات "يني قابي" الأثرية، أظهرت لنا أن تاريخ بناء المدينة قديم جداً. إضافة إلى ذلك، توصلنا بالطبع إلى معطيات في غاية الأهمية حول البحرية. حطام السفن الـ 37 التي عثرنا عليها خلال أعمال التنقيب، تعدّ أكبر حطام حول العالم مكتشف في مكان واحد. في الوقت الذي نواصل فيه أنشطتنا حول تاريخ البحرية، فإننا نقوم أيضاً بأعمال صيانة حطام هذه السفن.
ويتضح لنا من خلال ما توصلنا إليه، أن ميناء ثيودوسيوس، هو مقر تجارة الحبوب المستوردة من مصر خلال العهد البيزنطي بشكل خاص. أي أن السفن التي كانت تخرج من الإسكندرية، كانت تأتي إلى ميناء ثيودوسيوس، وتفرغ حمولتها من الحبوب فيه.
كما أن العثور على السفن المستخدمة في التجارة، والسفن المستخدمة من قبل الأساطيل البيزنطية، خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ علم الآثار. لذا فإن الحطام المكتشفة، تعتبر في غاية الأهمية بالنسبة لنا.
ما هي المكتشفات والأجسام التي تم العثور عليها خلال حفريات "يني قابي"؟
يمكننا القول إن حفريات "يني قابي" بمثابة أعمال تنقيب تحت سطح المياه. الآثار التاريخية الموجودة تحت سطح المياه، تكون محفوظة أكثر من تلك التي على البر. لذا فقد عثرنا هنا على أجسام ومكتشفات عضوية، لم نكن نعثر عليها خلال الحفريات التي على البر. وأبرز مؤشر على ذلك هو حطام السفن الـ 37.
أكثر المكتشفات التي أثرت فيني، هي آثار أقدام تعود لسكان العصر الحجري الحديث. حيث عثرنا خلال الحفريات على أكثر من 3 آلاف من آثار الأقدام، وتم استخراجها من مكانها بكل دقة، والاحتفاظ بها. إحدى الآثار الأخرى التي تم العثور عليها في الطبقة البيزنطية، دفاتر خشبية مصنوعة قسمها الداخلي من الشمع. على الأغلب، قبطان السفينة كان يستخدم هذا الدفتر، ويسجّل ملاحظاته عليه.
كما أن للدفتر فتحة خاصة، عند فتحها نجد ميزان صائغ. هذه آثار نادرة في تاريخ علم الآثار. السفينة التي أسميناها "يني قابي 12" والتي تعود إلى القرن الـ 9 بعد الميلاد، يعكس لنا جزءاً مجمّداً من الزمن.
في قسم خاص لدى الجزء الخلفي لهذه السفينة، توجد المقتنيات والأشياء الخاصة التي كان يستخدمها قبطان وطاقم السفينة في حياتهم اليومية، منها سلة من الحصير، وبداخلها بذور كرز وحبات الزيتون. يبدو أنها وصلت كانت سفينة وصلت إلى القسطنطينية محملة بالبضائع، ولم تفرغها بعد.
هذه المكتشفات التي عثر عليها في "يني قابي"، ما أهميتها وإسهاماتها بالنسبة لعلم الآثار؟
نحن كجامعة إسطنبول، نتواجد ضمن هذا المشروع اعتباراً من عام 2005، بدعوة وبإسهام من مديرية المتاحف الإثرية في إسطنبول. وبهدف إكساب المشروع هوية مؤسساتية، افتتحنا عام 2010، قسم "حماية البقايا الثقافية تحت المياه" لدى كلية الآداب بجامعة إسطنبول.
لاحقاً، بدأ أكاديميو كليتنا والطلاب من مراحل البكالوريوس، والدراسات العليا، بالحصول على مهام ضمن المشروع. هذه خطوة نوليها أهمية كبيرة. وساهمت جامعة إسطنبول، بإسهامات كبيرة بالفعل في هذا المشروع. لقد حصل جميع أساتذتنا وطلابنا في الكلية، على مهام ضمن هذا المشروع، جيل كامل نشأ هنا.
بعض الطلاب الجامعيين الذين تولوا مهاماً في المشروع، أوشكوا الآن ليصبحوا أستاذ مساعد في الجامعة. هذه خطوة هامة من حيث تأمين الاستمرارية والديمومة في العلم والمعرفة.
يوجد لدينا مختبران في "يني قابي"، يتم فيها تخزين الحطام. كما لدينا مختبر داخل الكلية في الجامعة، نواصل فيه أبحاثنا العلمية، ويتمتع بأهمية هو الآخر أيضاً. نحن خبراء السفن وصيانتها في جامعة إسطنبول، نواصل الأبحاث العلمية التي نجريها على حطام 31 سفينة.
قمنا حتى الآن بإسدال الستار عن 100 منشور علمي، وشاركنا في 7 معارض دولية. بصفتنا كخبراء سفن العصور القديمة لدى جامعة إسطنبول، نبحث عن إجابات لأسئلة حول كيفية صنع هذه السفن، وفهم التقنية المعتمدة خلال المرحلة البيزنطية، وتقنيات بناء السفن في تلك الحقب. هذا الأمر في الحقيقة، هي هندسة من الاتجاه المعاكس.
أحد أبرز مخرجات "يني قابي" هي تسليطنا الضوء على التقنية المعتمدة آنذاك. نتيجة لرسالة الدكتوراه للأستاذة إيشيل أوزسايت، قمنا بإعادة إعمار سفينة "يني قابي 12". وتم عرض هذه السفينة لقرابة عامل كامل، في متحف علم الآثار بإسطنبول، وتعرض الآن في متحف "رحمي قوتش".
تضم كل زاوية من زوايا إسطنبول، مناطق تاريخية. بدءاً من خزانات المياه المكتشفة حديثاً، وليس انتهاء بغيرها من المكتشفات الأثرية. عند وضع جميعها بعين الاعتبار، ما الذي يمكننا قوله حول أهمية إسطنبول من حيث علم الآثار؟
قبل كل شيء، فإن شبه الجزيرة التاريخية في إسطنبول، لها من الأهمية بحيث يمكن أن تكون بمثابة متحف مفتوح. في نهاية المطاف، إننا نعيش في مدينة كانت عاصمة لـ 3 حضارات وإمبراطوريات كبرى. فإنها تحتضن إرثاً ثقافياً متراكماً. لذا فإننا كلما حفرنا منطقة ما في شبه الجزيرة التاريخية، نعثر على آثار تاريخية. يجب اغتنام هذا الأمر جيداً. لا توجد منطقة أخرى في إسطنبول، مثل شبه الجزيرة التاريخية. لذا علينا إبداء الحرص قدر الإمكان في جميع الأعمال التي نقوم بها هنا.
كما أن شبه الجزيرة التاريخية، مصنفة ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة "يونسكو" لدى الأمم المتحدة. أي أنها ليست ملكاً لنا وحدنا، بل إنها تراث عالمي في الوقت نفسه. وعلينا التعامل معها بهذا المفهوم. المشاريع التي ستنفّذ هنا، يجب أن تراعي الاستمرارية التاريخية، والثقافية والأثرية لهذه المنطقة. حرصنا على تحقيق هذه الاستمرارية التي نؤكد عليها دوماً، يساهم في نقل هذه القيم إلى الأجيال المقبلة، كما ينبغي.
بصفتكم أكاديمي خبير في علم الآثار، ما هي رسالتكم لسكان إسطنبول من أجل الحفاظ على الإرث التاريخي للمدينة ونقلها إلى أجيال المستقبل؟
علينا ترسيخ إدراك ومفهوم ماذا يعني أن يكون الشخص من سكان مدينة إسطنبول. لم أرَ إلى الآن مثلاً، جمعية تحمل اسم "جمعية تجميل إسطنبول". مع أنه هناك العديد من الجمعيات التضامنية. نتفانى في بذل الجهود لخدمة مدننا، وعلينا فعل الأمر نفسه تجاه إسطنبول أيضاً، بحسب اعتقادي. هذه المدينة ليست بتلك التي نكتسب فيها فقط قوتنا، بل إننا نعيش فيها أيضاً.
وعلينا جميعاً الحفاظ على هذه المدينة وكأنها لنا. عندما نحقق هذا، نكون قد حافظنا أيضاً على تاريخ وطبيعة هذه المدينة. أي علينا ترسيخ وتعزيز مفهوم ووعي "ماذا يعني أن تكون إسطنبولياً"، وأنا متأكد من أننا سنحافظ وسنحرص على هذه المدينة.
لا شك أن الأطفال يكتسبون أهمية كبيرة في هذا الموضع. إسطنبول بمثابة متحف مفتوح. وعلينا أولاً أن نغرس حب هذه المدينة، وتاريخها وآثارها، في الأطفال، ويمكننا حينها حل المشاكل المتعلقة بهذا الخصوص.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!