د. أحمد ذكر الله - خاص ترك برس
يقبع أكثر من ثلث المصريين تحت خط الفقر طبقا للبيانات الرسمية المصرية، وطبقا لبيانات البنك الدولي فإن ثلثهم الثاني حول خط الفقر، ومن المؤكد أن مزيدا من المصريين سقطوا تحت خط الفقر بعد تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي، والذي أدى إلي موجة تضخمية غير مسبوقة، بعد رفع الحكومة الدعم عن أسعار المحروقات والكهرباء، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة ورفع الجمارك لثلاث مرات متوالية، ورفع أسعار الخدمات الحكومية والمواصلات العامة، وغير ذلك من القرارات التي اضطرت الحكومة لتطبيقها تلبية لاشتراطات الصندوق.
وجاءت جائحة كورونا لتعطل تدفق موارد النقد الأجنبي للاقتصاد المصري، فتعطل قطاع السياحة بالكامل، والذي كان يدر مليار دولار شهريا للبلاد، علاوة على خسائر ضخمة لشركات الطيران الوطنية قدرت بحوالي مليار جنيه شهريا، بالإضافة إلى تناقص تحويلات العاملين المصريين في الخارج والتي تدفقت بحوالي 23 مليار دولار في عام 2019، كما تناقصت إيرادات قناة السويس كنتيجة مباشرة لتضرر حركة التجارة العالمية، علاوة علي تضرر العمالة اليومية وغير المنتظمة والتي تشكل ما يزيد عن 50% من القوى العاملة في مصر.
كما أن الدولة المصرية كبلت نفسها بأقساط وفوائد للديون المحلية والأجنبية، ويشكل العامان الحالي والقادم عنق زجاجة حقيقي للحكومة المصرية من حيث المبالغ الكبيرة الواجبة السداد خلالهما، علاوة على أقساط القرضين الجديدين من صندوق النقد، والسندات بالعملات الأجنبية في الخارج، بالإضافة إلى الأقساط التي ستستحق لإسرائيل كثمن للغاز الذي اتفقت مصر على شرائه بثلاثة أضعاف سعره العالمي.
كما أن الحكومة المصرية فشلت في تدوير عجلة الإنتاج الحقيقي طيلة الستة أعوام الماضية، وحاربت المؤسسات السيادية التابعة للجيش والشرطة للقطاع الخاص المصري، ويشير مؤشر مدير المشتريات الذي يقيس أداء القطاع الخاص غير النفطي في مصر إلى انكماش اقتصادي شهري مستمر منذ أربعة أعوام كاملة، وهو ما تسبب في هروب الكثير من رجال الأعمال المصريين إلى الخارج بعد تعطل أنشطتهم، علاوة علي نزوح عكسي لأموال الاستثمار الأجنبي المباشر بقيمة 8.8 مليارات دولار في عام 2019.
كما أن توسع الحكومة غير الرشيد في تشييد كباري وطرق وبدون دراسة حقيقية لجدواها الاقتصادية، تسبب في تجميد الأموال المقترضة من الخارج، علاوة على إصرار السلطة على المضي قدما في تنفيذ العاصمة الإدارية التي يهدد موقعها القريب من إسرائيل الأمن القومي المصري، علاوة على إهدار عشرات المليارات في أبنية وقصور وطائرات رئاسية لأغراض دعائية بحتة وبعيدا عن أي جدوى اقتصادية محتملة، مع الإصرار على تجاهل زيادة الإنفاق لإصلاح قطاعي الصحة والتعليم.
الصورة القاتمة السابقة للاقتصاد المصري، توضح أن الشعب المصري تحمل ويلات برنامج صندوق النقد الدولي، ويتحمل استسهال الحكومة للاقتراض من الداخل والخارج، كما تحمل تغول الجيش على الاقتصاد المصري وتعطيله للقطاع الخاص، وإن برنامج صندوق النقد استنزف طاقة المصريين، بما يعني أنه لا يوجد فائض من الطاقة أو المال يستطيع الشعب المصري من خلاله تحمل تكاليف أي عملية عسكرية محتملة سواء في إثيوبيا أو في ليبيا.
للحرب تكلفة تدفعها الشعوب وليس الحكومات، وحتى المنتصر يدفع تكلفة من أمواله ودماء أبنائه، واحتمالية إطالة أمد القتال والوقوع في فخ الاستنزاف المتبادل للموارد قائمة ولا يقدر عليها الاقتصاد والشعب المصري، ولا تزال الورطة الإماراتية السعودية في اليمن قائمة بدروسها، ومن ثم فإن من يشعر حقيقة بضمير وآلام هذا الشعب، عليه أن يقر بحق الآخرين في التنمية والحرية، وألا يفرط في حقوق الشعب المصري في المياه والآمن، وأن يسلك في سبيل ذلك طرقا تتحملها قدراته الاقتصادية والاجتماعية.
تحالف السلطة المصرية مع الإمارات منذ الانقلاب وحتى الآن، ظهرت نتائجه في التفريط في ثلث القطاع الصحي الخاص المصري، والتي بات مملوكا للشركات الإمارتية، ولم تستطع الحكومة المصرية فرض تسعيرة للعلاج في مستشفيات القطاع الخاص أثناء جائحة كورونا، رغم تسليطها لسيف الأحكام العرفية والطوارئ على رقاب الشعب المصري منذ عدة سنوات.
ويبدو الأمر أن السلطة المصرية قبلت بالقيام بأدوار وظيفية لصالح دول أخرى، فرغم أن الاتفاق التركي الليبي فيما يخص الحدود البحرية يصب في مصلحة مصر ويوسع من مجالها المائي إلا أن السلطة المصرية هرولت نحو اليونان لترسيم الحدود نكاية في تركيا، ودعمت المهزوم حفتر لصالح الأطماع الإماراتية التي تتوق لتعويض خسائرها الاقتصادية بالنفط والغاز الليبي كبديل لإخفاق مشروع احتلال قطر، وقد تتورط برعونة في مواجهة في الداخل الليبي، والتي يمكن أن تتفاداها بالتواصل المباشر مع حكومة الوفاق التي تعترف مصر بشرعيتها، وتعترف بها الجامعة العربية، خاصة بعد حديث وزير الخارجية التركي بعدم إمكانية التجاهل لحقوق مصر في حفظ أمنها من البوابة الغربية.
فرطت السلطة المصرية في حقوق مصر التاريخية في المياه بتوقيع السيسي علي الاتفاقية الإطارية عام 2015، ورغم عدم موافقة مجلس النواب المصري على الاتفاقية حتى الآن، فإن السيسي يتكبر عن الاعتراف بالخطأ وتحويل الاتفاقية إليه، وقد أصبح السد واقعا ويبدأ ملء خزانه بعد أيام، وأصبحت كل الخيارات المصرية مريرة، وزاد من مرارتها إهمال الدولة المصرية لكل مشروعات الري خلال الفترة الماضية، والتي كان من الممكن أن تخفف من وقع الكارثة، وحتي توعية الشعبي بثقافة ترشيد استهلاك المياه توارت خلف تسويق بطولات وهمية للجيش والزعيم.
كل المؤشرات تشير إلى أن مصر ستجبر على شراء المياه من إثيوبيا، وربما يتدخل وسطاء لدفع الثمن في مقابل المزيد من الأدوار الوظيفية التي ستجبر السلطة علي تنفيذها، وقد تتعدى الأدوار المطلوبة مصالح الإمارات والسعودية إلى مصالح للاتحاد الأوروبي أو روسيا، بالإضافة قطعا لمصالح الكيان الصهيوني.
تحتاج السلطة المصرية الآن إلى مراجعة شاملة لتحالفاتها الخارجية، انطلاقًا من المصلحة الوطنية، وبعيدا عن نظرية ترسيخ شرعية حكم الزعيم المسيطرة منذ عام 2013، وربما تبرز تركيا كحليف له ثقل دولي كبير يعيد التوازن مرة أخرى إلى الحالة المصرية، وربما يبرز آخرون، ولكن المؤكد أن المغامرات العسكرية لها تكاليف فادحة سيتحملها الشعب المصري بالكامل، وأن حساباتها شديدة التعقيد، وأن الموقف المصري التابع للإمارات تسبب في كوراث استراتيجية، وأن الأمر بات يتطلب مراجعة وطنية من سلطة تعمل فقط لخدمة مصالح شعبها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس