ترك برس
سلط تقرير لـ "الجزيرة نت"، على ما كانت عليه مدينة القدس خلال فترة حكم السلطان العثماني، عبد الحميد الثاني (1842م – 1918م).
وأمام الاستيطان ومحاولات اليهود من أجل تثبيت وجودهم في القدس، قام السلطان عبد الحميد بجعل القدس سنجقا (لواء) مستقلا عن ولاية دمشق ومتصرفية لها اتصال مباشر بالباب العالي، واتخذ الإجراءات التالية:
- إصدار تشريعات وقوانين تمنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتقضي بأنه لا يسمح لليهود بالدخول إلى فلسطين إلا حجاجًا أو زوارًا مقابل دفع 50 ليرة تركية والتعهد بمغادرة البلاد خلال 31 يوما.
- تعيين متصرف مستقيم وحازم على القدس يطبق سياسة الباب العالي.
- إبلاغ القناصل بأنه منزعج من إقامة اليهود بعد انتهاء التصريح.
- إصدار التصريح من السفارة العثمانية في البلاد التي يأتي منها اليهود.
- تعيين شخصية صارمة لثني اليهود عن الاقتراب من القدس.
وفيما يخص بلدية القدس ومهامها، ففي عهد السلطان عبد الحميد الثاني كان لبلدية القدس نظام مالي متعدد الإيرادات والمصروفات، وكانت موارده على النحو التالي:
- الرسوم التي خصصتها الدولة.
- الضرائب المختلفة.
- الغرامات.
- رسوم القيان والميزان والمكاييل والعقود والذبحية ورسوم بيع أو شراء المواشي.
- الإعانات.
واستفاد أهالي القدس والمدن المجاورة من حركة تدفق الأموال على القدس من الدول الغربية خلال هذه الفترة وزادت حركة البناء والعمران، ويلاحظ المتتبع لجداول مهن البناء في القدس التوسع المطرد في دخول الحرفيين والتجار، وكان الحرفيون والتجار غالبا من المسلمين حيث إنهم أكثر سكان فلسطين وبأيدهم التجارة والحرف والصناعات. وقد زاد التوسع العمراني في هذه الفترة والبناء خارج السور بحيث أصبح البناء الحديث طابعا جديدا مميزا لهذه المدينة الخالدة.
ومما زاد في تدفق الأموال على القدس ارتباطها بميناء يافا البحري الذي كان ثغر فلسطين الجنوبي، علاوة على إنشاء خط سكة حديد يوصل إلى القدس، وقد بدأ تشغيله عام 1892م.
ومن أبرز الأعمال التي تم إنجازها في عهد السلطان عبد الحميد الثاني في القدس:
- في عام 1901م تم إيصال المياه إلى القدس من مياه أرطاس.
- في عام 1907 تم إنشاء السبيل الواقعة بجانب السور بباب الخليل، وذلك في عهد المتصرف أكرم بك سنة 1907م.
- تجديد سبيل قايتباي الواقعة بين الصخرة المشرفة وباب القطانين.
- بناء المدرسة الرشيدية المقابلة لباب الساهرة خارج السور، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى رشيد بك متصرف القدس زمن السلطان عبد الحميد سنة 1906م.
- أنشئت السكة الحديدية بين يافا والقدس سنة 1892م.
- تم إنشاء المستشفى البلدي الكائن غربي المدينة عند الشيخ بدر سنة 1891م.
- تم إنشاء برج على السور فوق باب الخليل سنة 1909م.
كما قام العثمانيون بتقنين زيارات الأجانب إلى القدس، حيث لم يسمح للزائر بالإقامة في هذه الديار أكثر من ثلاثة أشهر يرهن خلالها جواز سفر الزائر غير المسلم ويمنح بطاقة حمراء مدة إقامته في فلسطين ثم يعود من حيث أتى.
ومما هو جدير بالذكر أن الدولة العثمانية كان لها موقف متميز من النشاط الصهيوني والدولي على سواء، فقد أصر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني على رفض المشروع الصهيوني، سواء في مباحثاته مع هرتزل أو مع الوسطاء الأوروبيين لأن القدس مدينة مثل مكة، وتجسد هذا بإصدار فرمانات سلطانية متلاحقة تمنع دخول اليهود والأجانب إلى فلسطين إلا للزيارة مدة محددة.
ونظرا إلى خطورة الحركة الصهيونية ودور الدول الأوروبية في تشجيعها ودعمها فقد كان السلطان العثماني يخشى أن تصبح فلسطين مثل "جبل لبنان" وأن تلعب الدول الأوروبية في فلسطين الدور نفسه الذي لعبته في لبنان.
رأى السلطان كما يذكر في يومياته أن هدف الدول الأوروبية كان خلق المشاكل الداخلية والفتن في إمبراطوريته لأنها تريد إضعافها، ولأن السلطان كان زعيم الجامعة الإسلامية كما أن الدين الإسلامي كان يمثل روح العصر في الدولة العثمانية ويسيطر على أكثر العثمانيين، فلا يعقل أن يتخلى عن الأرض المقدسة لشعب غريب عن المنطقة.
وهو كذلك لا يريد إيجاد أقلية جديدة فمشاكله مع الأقليات في إمبراطوريته تكفيه وهي كثيرة، وقد استمر على موقفه هذا من الصهيونية والهجرة اليهودية حتى قيام ثورة الاتحاد والترقي عام 1908م وخلعه في عام 1909 م.
لا يخفى أن القدس كانت ضمن الخلافة الإسلامية العثمانية، وأن السلاطين العثمانيين أدركوا الأخطار التي كانت تحيق بالقدس خلال مراحل متعددة، وزاد هذا الخطر حينما ثقلت المسؤولية وأخذت حراب الغرب تنهش في جسم الدولة العثمانية التي أجمعوا على تسميتها "الرجل المريض" وكانوا ينتظرون نهايتها ليتسنى لكل منهم أخذ نصيبه من هذه الكعكة، وكان على الجانب الآخر التقاء المصالح الصهيونية والاستعمارية في هذه المنطقة.
كما أن الدور النشط الذي تمتعت به الصهيونية العالمية في هذه المرحلة كان له نصيب الأسد في إذكاء نار الحروب، وتأجيج الصراعات العالمية آنذاك من أجل تحقيق أهدافها في فلسطين. فقد عملت جاهدة على أيدي رجالاتها المتفننين في السياسة والدهاء مع استثمار الأموال الصهيونية في تحقيق أهدافهم للوصول إلى هذه الديار، وفعلا تحقق لهم ما أرادوا بعد أن أشعلوا نارا أكلت الأخضر واليابس طيلة أيام تآمرهم وما زال التآمر قائما حتى أيامنا هذه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!