ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
مغامرة جديدة لقوات حفتر في غريان
لم يتعلم حفتر ولا من يقف خلفه الدرس، فبعد هزيمته بالسلاح الروسي والفرنسي الذي اشترته له الإمارات بأموال الشعب المغلوب على أمره، والذي يتحكم فيه من تحميهم أمريكا للبقاء على عرش بلادهم لينفقوا من أموالها على مغامرات كان آخرها هزيمة حليفهم حفتر في غريان في يوليو من العام الماضي، حشد حفتر قواته مرة أخرى على حدود المدينة الاستراتيجية وبالطبع عينه على العاصمة طرابلس، لكن عينه الشاخصة من القاهرة على طرابلس لا يغمض لها جفن لا هي ولا كفيلها في أبوظبي منذ بدء المفاوضات لإنهاء الأزمة الليبية، فنار ليبيا تطعم عشرات الأفواه في كل من باريس والقاهرة، فبأموال الإمارات تشترى الأسلحة الفرنسية والروسية وتدفع عبر الحدود أو الأجواء المصرية بموافقة مدفوعة الأجر لجنرالات جيش الانقلاب في مصر، لذا يريد كل من ساكن الإليزيه ومن يدعمهم من جنرالات في مصر أن تبقى نار الحرب مستعرة، كما يهم حفتر أن يثبت ولو لمرة قبل أن يموت أنه قادر على الانتصار ولو في موقعة واحدة، لكن الثوار في غريان أبوا أن يحققوا له أمنيته فطار يجر أذيال الخيبة إلى القاهرة شاكيا ومطالبا بمزيد من الدعم.
اجتماعات غدامس ومناورة من نوع آخر
هجوم المنقلب حفتر على غريان يأتي تزامنا مع مواصلة نواب البرلمان الليبي مكتملا نصابه، لأول مرة بعد انقلاب اللواء المنقلب على الشرعية، مشاوراتهم في مدينة غدامس تمهيدا لجلسة رسمية أريد لها الاثنين، ويناور عقيلة صالح، ومن يأكلون من نفس ماعونه الإماراتي، لتأجيلها لا فقط، كما يرى بعض المراقبين، خوفا من الإطاحة بالرجل الذي يؤهل ليكون بديلا للمنقلب حفتر، وهو الحلم الذي يراود الرجل السبعيني لوأد حلم شباب الثورة في ليبيا خالية ممن بايع القذافي وأمن على فساده، فإذا كان الثوار قد استطاعوا طرد قوات حفتر الظاهرة للعيان، فإن مناورة البرلمان في غدامس أكثر خبثا وتحتاج للكثير من الحنكة والدهاء لإبطال السحر الذي سيصيب ليبيا كلها بالجنون، وهو مطلب ساكني أبوظبي، فإفشال البرلمان وخرق الهدنة المستمرة منذ ما يقارب الستة أشهر يعني عودة جديدة للحرب وسفك مزيد من الدماء والأهم هو هدم كل ما تم التوصل له في تونس والمغرب لحل أزمة ليبيا التي صنعها القذافي بسياساته ويكرسها الآن ابن زايد، والتي نطق بها السيسي في حديثه عن الخط الأحمر، إنها ليبيا الممزقة المتناحرة.
السيسي إلى فرنسا.. المعلن والمخفي
صحيفة الأهرام المصرية عنونت "قمة مصرية فرنسية في باريس اليوم" وفي التفاصيل.. القمة ستتناول العلاقات الثنائية بين البلدين والتنسيق السياسي تجاه القضايا الإقليمية والدولية، في ظل شراكة إستراتيجية ومصالح مشتركة، هذا هو المعلن من زيارة رأس النظام في مصر لكن الأحداث الجارية في ليبيا، كواحدة من أهم المشتركات في الفترة الأخيرة بين القاهرة وباريس، يراه المراقب عن كثب أنها ومع توقيتها هذا، غرفة عمليات اتخذت من باريس مقرا لها ومن زعيم فيلق محاربة طواحين الهواء إيمانويل ماكرون رئيسا ومن السيسي مساعدا، فالناظر لتصريحات الرجلين في مؤتمرهما الصحفي يقرأ سبب الزيارة وتوقيتها أو بالأحرى توقيت تحركات كل من حفتر وعقيلة صالح، لقلب الطاولة ليجدا المساندة من باريس مباشرة وفي حضور القاهرة على أن تغني أبو ظبي على نغماتهما لاحقا، لكن حفتر خذلهم كالعادة والرهان على صالح، الذي لم يتسنى لنا معرفة نتيجة اختباره حتى كتابة هذه السطور، والغطاء كالعادة معروف مسبقا .. محاربة الإرهاب.
ولا ضير في خضم الحديث عن مكافحة الإرهاب أن يتم الاعتداء على كنيسة نوتردام في نيس ويتم توجيه الاتهام للتونسي إبراهيم العيساوي ثم يتم إيداعه السجن ليكون نموذج لما تعانيه فرنسا وتحتاج فيه لمساعدة الأصدقاء، ومن أحسن قولا من السيسي الذي اتهم المسلمين بالإرهاب وصورهم على أنهم يريدون أن يقتلوا باقي سكان الأرض، ففي كلمته في الاحتفال الذي أقامته وزارة الأوقاف المصرية في عام 2015 قال السيسي: (يعني 1.6 مليار هيقتلوا الدنيا كلها اللي فيها 7 مليار عشان يعيشوا هما). وصدق العيساوي ما صرح به السيسي، وما يصدق على نيس يصدق على ليبيا، رغم أن الإرهابيين في ليبيا معترف بهم دوليا ويعقدون الاتفاقيات، لكن هذه الاتفاقيات لا تأتي بما يهوى ماكرون وحلفاؤه في كل من القاهرة وأبو ظبي.
هل يوقف بايدن تهور ماكرون
يبدو أن تسريع وتيرة قلب الطاولة التي تبناها ماكرون في ليبيا، وينفذها كل من السيسي وبن زايد ببندقية حفتر، يراد من ورائه الاستفادة من الأيام المتبقية في عمر راعي البقر الأمريكي المتهور الذي سمح أن يحكم العالم بغير قواعد ولا قوانين للعبة، فخلط الأوراق بغير فهم لمآلات الأمور، ففعل كل من شاء ما شاء في الوقت الذي شاء بعد أن يدفع الفاتورة، وبما أن النفط يتدفق والاستثمارات تتداول والأموال تغسل فإن المغامرات ممكنة ولا حرمة لدماء، بل تجد من قابض الفاتورة ترحيبا ومباركة، فلا ينسى لترامب اتصاله الهاتفي بحفتر بداية حملته العسكرية الفاشلة على طرابلس وشكره على الدور المهم في مكافحة "الإرهاب" وتأمين موارد النفط، لكن مجلس النواب الأمريكي، الذي يسيطر عليه أغلبية ديمقراطية، في نفس الفترة أصدر قانون لدعم الاستقرار في ليبيا، ستفرض بموجبه العقوبات على حفتر والمقربين منه والداعمين له، وسيلاحق مجرمو الحرب ومن يساندهم في قتل الأبرياء في ليبيا، ولأن فرنسا حليف وشريك في مجلس الأمن فإن اللعب معها سيكون أهدأ لكنه في النهاية لن يخرج عن إطار تحجيم نفوذ الرئيس الفرنسي المتهور، ويبقى حينئذ على السيسي أن يبحث له عن مخرج، حين يقول له ماكرون لست بمصرخكم ولا أنتم بمصرخي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس