ترك برس
لا يكاد يخلو زائر جاء إلى إسطنبول، إلا ورأى "برج الفتاة" الواقعة على بعد عشرات الأمتار من ساحل البوسفور الآسيوي بإسطنبول.
وعند النظر إلى البوسفور، يمكن رؤية جزيرة صغيرة شُيِّدَ فوقها برجٌ جميل يُسمى "برج الفتاة"، وهو المعلم الوحيد المتبقي من العصر البيزنطي في منطقة أوسكودار.
وبحسب المصادر، فإن بدايات البرج التاريخي، تعود لعام 411 قبل الميلاد في عهد القائد الإغريقي ألكيبيادس، وإن كان الشكل الحالي للبرج يعود إلى سنة 1832 في عصر السلطان محمود الثاني.
البرج الحجري مثمن الأضلاع، ومكون من ستة طوابق تعلوها قبة، ويبلغ ارتفاعه 23 مترا، ويربط بين طوابقه درج لولبي، ويزدان بشرفة علوية تطلّ على جسر البوسفور الشهير (شهداء 15 تموز). وعادة ما تحيط به طيور النورس لتضيف مزيداً من الجمال على الموقع الذي يزداد تألقاً مع فترة الغروب، ثم يتحول إلى جوهرة مضيئة بألوان جميلة ليلاً.
الأسطورة الرائجة حول نشأة هذا البرج تخلو من تاريخ محدد للأحداث ومن أسماء أبطالها. وهي تحمل ملمحاً صوفياً معروفاً في الثقافة التركية التقليدية حين تناقش مسألة القضاء والقدر، وعجز الإنسان عن الفرار منهما مهما أوتي من الحِيَل.
تقول الحكايةُ إنَّ السُّلطان الذي كان يحكم المنطقة أفزعه حلمٌ يخبره أن ابنته الحبيبة ستلدغها أفعى وتموت في عيد ميلادها الثامن عشر. فيقرر السلطان حمايتها بإبعادها عن اليابسة، فيأمر بردم جزء من البوسفور ليصنع جزيرة خاصة يبني عليها هذا البرج المنعزل لكي تقيم فيه الفتاة ولا يحدث لها مكروه. تعيش الفتاة في برجها الحصين آمنة مطمئنة، ولكن حين يأتي عيد ميلادها الثامن عشر، يصل إليها كثيرٌ من الهدايا، ومن بين الهدايا سلّة مليئة بالفاكهة. لكن تلك السلة تسللت إليها أفعى سامة لدغت الفتاة وماتت! ومع موتها أصبح هذا البرج مهجوراً لا يسكنه أحد، لكنه ظل يحمل اسمه تخليداً للحادثة!، بحسب تقرير لـ "العربي الجديد."
مذاهب أخرى تحتمل أن البرج كان بمثابة مقبرة بيزنطية قديمة. وفي بعض الأوقات اتخذت مخزناً ومركزاً لبعض الأعمال التجارية البحرية. ونظراً لموقعه داخل المضيق وارتفاعه، ظلّ يستخدم منارة ترشد السفن داخل البوسفور وقت السلم وبرج مراقبة أثناء الحروب.
المصادر التركية تشير إلى أنه نظراً لموقعه الإستراتيجي استخدم منذ سنة 1110 باعتباره محطة تحصيل رسوم من السفن القادمة من البحر الأسود وإليه، فقد وضعت سلسلة كبيرة لإعاقة الملاحة بعرض البوسفور، تبدأ من الجانب الأوروبي وصولاً إلى برج الفتاة لإجبار السفن على المرور من المسافة الضيقة المتاحة بين البرج والشاطئ الآسيوي ومن ثمّ تدفع الرسوم المقررة. وفي بعض الأوقات تم توصيل البرج بالشاطئ عبر جدار دفاعي لا تزال بقاياه موجودة تحت الماء.
أثناء حصار السلطان محمد الفاتح للقسطنطينية سنة 1453 استخدمته القوات العثمانية برج مراقبة. وحين حصل الزلزال المدمر في إسطنبول سنة 1509، تهدَّم البرجُ مثل عشرات المنشآت المعمارية العريقة كجامع السلطان محمد الفاتح وجامع أبي أيوب الأنصاري. وقد أعيد بناؤه مرة أخرى، لكنه تعرض لحريق سنة 1721، وأعيد ترميمه وظل يستخدم منارة للسفن حتى سنة 1829. ثم استخدم بعد ذلك مكاناً للحجر الصحي نظراً لعزلته عن اليابسة.
وفي سنة 1832 أمر السلطان محمود الثاني بترميمه. وفي القرن العشرين حصلت له العديد من عمليات الترميم أولها في سنة 1945، كما حصل على عملية ترميم أخرى سنة 1998 أثناء تصوير فيلم جيمس بوند " The world is not enough "، وبعد زلزال 1999 أضيفت دعامات فولاذية للمبنى لحمايته من الزلازل.
مع افتتاح مطعم في طابقه الأول، ومقهى في الطابق الأعلى، وإطلالة شرفته العلوية على جسر البوسفور وبعض معالم الجانب الأوروبي كجامع آيا صوفيا وجامع السلطان أحمد؛ صار برج الفتاة يجذب سنوياً آلاف السياح. ويمكن الوصول إليه عبر بعض السفن طوال اليوم ابتداء من التاسعة صباحاً. ويفضل زوار شاطئ أسكودار الاستمتاع بمنظر الغروب الذي يتداخل في لقطة مبهرة مع البرج الجميل. كما أن أضواءه الملونة الجميلة تميزه في الليل من مسافات بعيدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!