د. سمير صالحة - العربي الجديد
رحبت تركيا باتفاق المصالحة لإنهاء الأزمة الخليجية، وقالت إن "الإعلان عن إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية مع قطر أمر يبعث على السرور"، لكن اللافت عرضها على دول الخليج بعد إعادة تأسيس الثقة بينها استعدادها "لبذل الجهود من أجل الارتقاء بتعاونها الاستراتيجي مع مجلس التعاون الخليجي". وكان الرئيس أردوغان واضحا منذ اليوم الأول للأزمة " نرحب بالمصالحة الخليجية الخليجية بأسرع ما يكون، وأنقرة ليست متخوفة من عودة العلاقات بين دول الخليج، لأنها هي التي تحرّكت لعرض خدمات الوساطة والتهدئة التي تخدم مصالح تركيا وأهدافها الإقليمية".
لا خلاف على أن بيان القمة الخليجية في العلا الذي "نسي" الحديث عن تركيا أسعد أنقرة. و"العقدة" التركية التي طرحت في صيف 2017 على لائحة الشروط والمطالب لم تكن موجودة في القمة. وعندما تتجاهل بيانات القمة وتصريحات قياداتها تركيا وسياساتها الإقليمية، على غير ما كان يقال قبل سنوات، فهذا رسالة واضحة أن ما جرى تم بعد تفاهمات تركية عربية دارت بعيدا عن الأضواء. وقد كان للوساطة الكويتية على خط أنقرة القاهرة وأنقرة الرياض مفعولها كما يبدو، كما أن دبلوماسيا سعوديا يعرف تركيا جيدا لعب دورا مهما في تسهيل التواصل بين خارجيات أنقرة والرياض والقاهرة.
وبمقدور تركيا أن تسترد موقعها ودورها الأكبر في الخليج، إذا ما نجحت في تسجيل اختراقات حقيقية بشكل متوازن، يأخذ مصالحها ومصالح بقية الدول بعين الاعتبار، وهذا ما ستفعله بعد إنجاز المصالحة الخليجية الخليجية. التحوّل في المواقف التركية والنبرات والرسائل بدأ أصلا منذ أشهر بشكل بطيء، ولكن مبرمج ومدروس، والاتصالات التركية مع الرياض والقاهرة خير دليل على ذلك.
يقول عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير رخا أحمد حسن، إن الموقف النهائي من المصالحة يتوقف على ما سيقدّم من رؤى تدفع قطر إلى الاستجابة إلى مطالب الرباعي العربي. وينقل الإعلام العربي المحسوب على الإمارات أن قطر لم تعلن عن مراجعة موقفها من دعم جماعة الإخوان المسلمين وتمويل تنظيمات متطرّفة، فضلا عن العلاقة مع كلّ من تركيا وإيران، ولم ترشح أيّ تحركات من الدوحة توحي بإمكانية إعادة النظر في هذه القضايا، وهو ما يجعل الشكوك تراود القاهرة. ولكن وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، يحسم الأمر بقوله إنه "تقرر إعادة العلاقات الدبلوماسية بين دول الحصار الأربع وقطر، وتسوية القضايا العالقة .. القمة كان عنوانها المصارحة والمصالحة، وأفضت إلى طيّ صفحة الماضي، والتطلع إلى مستقبل يسوده التعاون".
لا ضرورة لنكء الجراح، ونحن نتحدّث عن الأمل والتفاؤل والمستقبل، لكن ما جرى على هامش قمة العلا، وداخل قاعة الجلسات، وإعلان المصالحة، يلزم كل المؤسسات الرسمية والخاصة في هذه الدول من سياسية وتجارية وإعلامية وأمنية. ويعني بالتالي مراجعة المواقف التصعيدية والانتقادية السابقة التي تعني الجانبين، لكنها تعني علاقاتهما مع لاعبين إقليميين كثر بينهم تركيا.
كان الغرض قبل سنوات تحويل الأزمة من خليجية إلى عربية مع قطر، ثم توسيع رقعتها إلى مواجهة مع تركيا، لكن لاعبين كثيرين لم يلتحقوا بالمشروع، وهم أنفسهم اليوم الذي يقودون الوساطة. التحرك التركي الانفتاحي نحو القاهرة والرياض كان من العوامل المساعدة على تسهيل الحوار الخليجي الخليجي، وبذلك سيتحوّل التقارب الخليجي الخليجي والقطري السعودي إلى مقدمة لأكثر من خطوة إقليمية، منها إسقاط الاصطفافات التي حاول بعضهم أن يبنيها ضد تركيا في سورية والعراق وشرق المتوسط.
لا بأس أن يُعلن أن تنازلات وتراجعات وتعهدات كثيرة سبقت العناق السعودي القطري في قمة العلا الخليجية. وقد تردّد في تركيا بشكل واسع السؤال عما إذا كانت قطر ستساوم على الدعم التركي لها لتحسين علاقاتها مع دول الخليج، غير أن الواقع يقول إن مطلب خفض قطر مستوى علاقاتها مع تركيا ذهب باتجاه معاكس تماما، على ضوء حجم التنسيق العسكري والأمني والاقتصادي التركي القطري. وأن رد الدوحة على سؤال كهذا جاء سريعا بالزيارة الخاطفة التي أدّاها أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، إلى تركيا في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، وتم خلالها بحث "ما فيه خير ومصلحة للشعبين" كما قال الأمير. وواكبتها تغريدة رد للتحية من الرئيس التركي "سنواصل تعزيز تضامننا في كل المجالات مع الشعب القطري الشقيق الذي تربطنا به علاقات ودية متينة". وللتنسيق التركي القطري الذي سبق القمة الخليجية، بعد الاجتماع الخامس للجنة الاستراتيجية العليا المشتركة بين البلدين التي تأسست عام 2014، أكثر من مدلول.
ربما حدث تراجعات، خطوة إلى الوراء لتسهيل فتح الأبواب، لكن قطر نجحت في حماية مسار علاقاتها بتركيا التي تحاور اليوم السعودية ومصر باتجاه التفاهم على التهدئة والتطبيع. ووقوف أنقرة إلى جانب الدوحة قبل نحو أربعة أعوام هو الذي ساعد الدوحة أيضا على التمسك بعلاقاتها مع تركيا والدفاع عن استمراريتها، على الرغم من كل الضغوط والتهديدات. وترك الأمور تسير على طبيعتها من دون ضمانات أو تعهدات هو الذي سيقود المشهد. والتفاهمات الثنائية هي التي ستحدّد مصالح الأطراف بعيدا عن الاصطفافات والحشد والتعبئة. تركيا وقطر ستواصلان ما بدأتاه من مشاريع وتفاهمات ثنائية وإقليمية. .. كانت السياسة التركية التضامنية مع قطر انفعالية، وعاطفية أحيانا، خصوصا في بداية الأزمة، وربما كلفت أنقرة خسائر اقتصادية وسياسية مع دول المقاطعة، لكن تطورات المشهد الحالي تكاد تفيد بأن تركيا بين الرابحين أيضا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس