ترك برس
بدأت منصة "نتفليكس" العالمية قبل أيام، عرض فيلم تركي بعنوان "حياة الورق" (Kağıttan Hayatlar)، وحظي بمشاهدة الملايين عبر العالم بعد عرضه مترجماً لعدة لغات بينها الإسبانية. وبعد أيام قليلة، احتل الفيلم المركز الرابع في قائمة الأفلام الأكثر مشاهدة المنصة.
وتدور أحداث الفيلم في حي قديم وفقير في مدينة إسطنبول. وحتى تزيد تطورات الفيلم درامية، تناولت سرديته أطفالاً ينحدرون من عائلات فقيرة تعيش مشاكل أسرية كان لها الأثر البالغ على نفسية أبنائها وتشكيل شخصياتهم. ويُلاحظ المشاهد طيلة مدة الفيلم (97 دقيقة) الغياب التام لأي دور للمجتمع المدني أو السلطات التي تساعد مثل تلك الفئات، والغرض من ذلك هو تعميق آلام ومعاناة أبطال الفيلم في أذهان المشاهدين، وهو ما يلبّي الغرض الإنساني للقصة، بحسب تقرير لـ "TRT عربي."
ويُعزى نجاح الفيلم في جانب كبير منه إلى السرد المتسلسل والحوار الشيّق والجميل والقوي في كثير من الأحيان وكذا الترتيب المنطقي للأحداث، لكن ما لا يمكن نسيانه هو أن الجانب الآخر يعود الفضل فيه أيضاً إلى النجم، تشاغاتاي أولوصوي، وهو الممثل الذي اشتهر بدوره في أعمال سينمائية سابقة.
للوهلة الأولى، ومن خلال أول مَشاهدِه، قد يبدو فيلم كأي عمل سينمائي يستعرض حياة الترف والأثرياء في مدينة إسطنبول التركية.
لكن بعد اختفاء أضواء السيارة الفارهة وهي تمخر عباب الريح، يبدأ المشاهد في الغوص بصرياً وعاطفياً في حقل مليء بالدراما والتشويق، يجعلنا نؤمن بوجود الحب والعطف الذي قد نكنّه لإنسان لا تربطنا به صلة الدم أو القرابة، كما قد يفعل رجل طيب بحمايته لأحد أطفال الشوارع. ومع ذلك، فإن سيناريو الفيلم الذي كتبه، إركان محمد إردم نجح في تعميق روابط المشاهد بالقصة منذ اللحظة الأولى وأحداثها وتطوراتها، لا سيما وأنه يعالج قضية لا تعني إسطنبول وحدها بقدر ما تخص كل مدن العالم الكبيرة التي تعيش في ضواحيها فئة لم تعرف طيلة عمرها سوى حياة الظل والهامش.
يتعمّد الفيلم إبراز بعض التناقضات التي تخدم السيناريو، مثل السيارة الفاخرة التي تنتظر المتشرد ليخلي لها الطريق، وهي اللقطة الافتتاحية التي نجح المخرج من خلالها بكل سلاسة في نقل المشاهدين في عرض سريع لعناصر الفيلم السردية وجعلهم يتعودون بصرياً على مَشاهد الفقر والبؤس وربطهم عاطفياً بالبطل ومحيطه الغارقين في الجزء المظلم والغامض من المدينة الكبيرة. أما المشهد الثاني الذي كان الهدف منه إبراز التناقض الصارخ بين عالمين فهو لبطل الفيلم الفقير صاحب الملابس الرثة والبالية وهو يتألم على كرسي في قاعة الانتظار بالمستشفى، بينما يعتني الأطباء بسرعة بطفل يبدو من عائلة ثرية فور دخوله قاعة الاستعجالات (اتّضح لاحقاً أن والدته طبيبة).
ويدير بطل الفيلم محمد مستودعاً للنفايات الصلبة في الحي ويساعد المحتاجين، وخاصة الأطفال والمراهقين اليتامى والفقراء مثله. تعمل لدى محمد مجموعة من الشباب. أما العلاقة الوظيفية بين البطل وعمّاله فتحمل في ثناياها أبعاداً إنسانية وعاطفية استخدمتها قصة الفيلم لإبراز علاقة الأحداث بالمكان.
وتبدأ الدراما في الفيلم عندما يتعرّف البطل على الصبي علي وهو طفل في الثامنة من عمره يظهر فجأة في كيس قمامة، حينها تتولد عاطفة جياشة تجاهه ما يجعله يشعر بالحاجة إلى الاعتناء به والبحث عن والديه.
لم تكن حياة محمد سهلة. إنه يكسب رزقه من جمع النفايات لإعادة تدويرها، رغم أنه مريض جداً. يقضي أيامه على شفا التهميش في إسطنبول، لكن ذلك لم يسلبه جانبه الإنساني تجاه من يعيش في خضم الحرمان مثله.
في الواقع، يظهر محمد كقائد يقدم الدعم لمجموعة من الفقراء المحيطين به الذين يعملون في جمع الورق والزجاج. يجري تجميع كل هذه النفايات في مستودع محمد بهدف بيعها والحصول على بعض الأموال لبقائهم على قيد الحياة، والادخار لمعالجة مرض البطل المزمن، إذ يحتاج إلى زرع كلية.
على الرغم من ماضيه المؤلم، يحاول محمد أيضاً أن يكون نموذجاً لأطفال الحي غير الآمن، حيث لا يتردد في مشاركتهم ما تيّسر من القليل الذي يملكه.
لم يستطع محمد محاربة الشدائد بمفرده، وقد اعتمد مخرج الفيلم على شخصيتين كانتا بمثابة السند للبطل. الأول هو غونزو الذي يؤدي دوره الممثل، إرسين أريجي، الذي يعتبره محمد أخاً وصديقاً ولا يتردد في الاتصال به وقت الحاجة. والآخر هو تحسين، والذي لعب دوره الممثل تورغاي تانولكو وهو الزعيم الروحي للمجموعة والذي يحل محل الأب بالنسبة للمشردين المحرومين من ذلك الشعور، بالإضافة إلى توجيهه لمحمد، حتى عندما يختلفان.
بالإضافة إلى هؤلاء، الفيلم مليء بالشخصيات الثانوية الملهمة مثل زملاء البطل ومنافسيه وغيرهم من سكان الحي الفقراء المستعدين دائماً لمساعدة المحتاجين.
ونجح المخرج في اختيار الموسيقى سواء التركية أو الغربية بهدف إضفاء مزيد من التأثير على مناخ القصة.
لن يلاحظ المشاهد وجود عقدة من خلال تتبع أحداث الفيلم، باستثناء أزمات صغيرة يعبرها البطل بعد وقت وجيز. ويستنتج المشاهد أن محمد يرى طفولته في علي وهو ما يفسر إشفاقه عليه.
الفيلم من إخراج كان أولكاي المعروف بأعمال سينمائية أخرى ناجحة مثل فيلم (Ayla)،وهو دراما يتناول الحرب في كوريا، والذي كان مرشح تركيا في السباق لنيل جائزة الأوسكار في عام 2018.
ونال الفيلم التركي علامة 6.6، من قبل مواقع مختصة في السينما على غرار IMDB ، وهو تصنيف أكثر من مقبول. كما حصل الفيلم على نسبة بلغت 90٪ من أصوات مستخدم موقع Rotten Tomatoes المتخصص في السينما وهو رقم قياسي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!