ياسر سعد الدين - خاص ترك برس
ما يحدث على أرض فلسطين المباركة أكبر بكثير من معركة، وأعظم من حرب. أحداث تاريخية ومفصلية لها ما بعدها وهي اشبه ما تكون بزلزال سياسي وقيمي. في أيام معدودات هوت أوثان سياسية وتمزقت صور نمطية وتصوبت مفاهيم كثيرة وبدت إسرائيل نمر من ورق، دولة مهزوزة متصدعة منقسمة متردية، وظهر النظام العربي بمطبعيه و"مقاوميه" هزيلا سقيما عقيما، ميتا وجيفة بالية لا تستحق سوى الدفن وفي أعماق الأوحال والقيعان. فيما ظهر السياسيون الغربيون في صور بائسة يدعمون جرائم الصهاينة بوجوه صفراء والسنة متلعثمة تدوس على قيم الغرب ومبادئه المعلنة وتظهره منافقا كاذبا أفاكا.
يتحكم بنتائج الحروب والصراعات بشكل كبير الإيمان العميق بصدقية الموقف والروح المعنوية والثبات النفسي، يكفي أن تشاهد الفلسطيني وقد فقد أهله وداره وهو مبتسم راضيا بقضاء الله محوقلا حامدا وبشكل يكاد يكون عاما وشاملا، فيما ترى على الجانب الصهيوني الفزع والهلع والنواح والصياح والعويل، لتميز صاحب الحق من أهل الباطل ولتوقن لمن النصر الكاسح والفوز المبين ولو بعد حين.
ملحمة غزة كشفت في أيام وأكدت على حقائق كما إن لها من التبعات ما يمكن تلخيص بعض منها في النقاط التالية:
• لا أحد يستطيع لوم المقاومة الفلسطينية على الحرب الدائرة خصوصا الإعلام العربي الليكودي، فالكيان هو من بدأ موجات الاستفزاز من طرد الفلسطينيين من بيوتهم في شيخ جراح إلى التعدي على المسجد الأقصى في ليال رمضان المباركة، وبالتالي فإن مبررات الحرب "المقدسة" لدى الفلسطينيين تزودهم بجرعات كبيرة من الصبر والمصابرة.
• في ستة أيام اجتاح الجيش الصهيوني دول عربية ثلاث وأحتل مساحات شاسعة في 1967، هذا الجيش بعد نصف قرن ومع كل التسليح والتقدم التكنولوجي عجز على الإنتصار على إرادة غزة المحاصرة والفقيرة.
• نجحت مقاومة محاصرة بشراسة في بقعة ضيقة وبموارد محدودة، فيما فشلت فيه الدول العربي بجيوشها الجرارة والتي أهدرت تريليونات الدولارات بالتسلح وإعداد الجيوش الجرارة، فهل هو العجز أم الخيانة؟؟
• سؤال العجز أو الخيانة يتبدى جوابه من موقف إعلام عربي ليكودي يثير الشائعات ويحاول تبيض صفحات جرائم الاحتلال والنيل من المقاومين، كما يتجلى جواب السؤال من مواقف المطبعين والذي تذرعوا بتطبيعهم السعي لمساعدة الفلسطينيين ثم أصطفوا مع المحتل في دعم مجازره وجرائمه إعلاميا وسياسيا وحتى ماديا.
• التقدم العلمي هو مفتاح النصر وهو الذي يحدد مكانة الدول وقدرها، هل يعقل أن غزة بعقول عربية مسلمة وبظروف صعبة تطور تقنيات وأسلحة فيما دولنا العربية بقياداتها العنينة سياسيا وذهنيا تعجز عن أقل من ذلك؟؟ وهل التخلف العلمي العربي مقصود ومتعمد مع إعلام غرائزي شهواني وكأنه يراد لإمتنا أن تحيا حياة القطيع تخلفا وتهتكا ومهانة! هل هذه وظائف معتمدة لإنظمة عربية لا غطاء شعبي لها بل تعتمد على الدعم الدولي تستمد منه أسباب البقاء والتسلط على الشعوب!
• العداء للإسلام السياسي وللإخوان وللحريات الشعبية والحروب عليهم كان الممهد للتطبيع المهين من أنظمة عربية بائسة، وهو يقع ضمن خدمة المشروع الصهيوني وبالتنسيق معه. غزة ومن خلال الحركة الإسلامية ومشروعها أنجزت في ظروف صعبة ما عجزت عنه أنظمة بثروات ضخمة في عشرات السنين.
• إيران ودول الاعتدال العربي كما دول "الممانعة و المقاومة"، وقفت مواقف مخزية ومهينة مما يحدث في غزة، وظهرت على رجل قلب واحد ذليل مهان منكسر حسير. إيران وحزب الله فقدوا ما تبقى لهم من صورة "المقاوم" والتي حاولوا رسمها من سنوات وعقود. فمن كانوا اسودا على مدن وحواضر السنة في العراق وسوريا ولبنان وقفوا عاجزين بل ومتخاذلين ومتواطئين في معركة قد تحدد مستقبل المنطقة والصراع فيها لعقود، الطريف أن داعش (وهي صنيعة مخابراتهم) شاطرتهم الموقف نفسه والغياب ذاته.
• أهتزت مكانة الدولة العبرية وصورتها كثيرا، فلإول مرة تظهر شخصيات غربية معروفة على المستوى الشعبي غير السياسي كالمغني البريطاني الشهير روجر ووترز تندد بما تفعله الدولة العبرية من تجاوزات وانتهاكات. هذا التغييرات قد تصل مستقبلا للجسم السياسي الغربي والداعم لحد الساعة لإسرائيل وبشكل منحاز.
• ثبات المقاومة وانتهاء الجولة لصالحها سيقوض ما تبقى من مصداقية السلطة الفلسطينية بشكل كبير فيما تؤكد الأحداث الصور الشعبية لعباس على أنه في خدمة المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة، كما سيقوض كثيرا مكانة أنظمة التطبيع العربي والتي ظهرت كأداة في يد الصهاينة. سيشعر قادة تلك بالخوف والرعب الشخصي فابناء شعوبهم كما حراسهم الشخصيين ينتمون للإمة وقد تصيبهم مشاهد ما يحدث في الأقصى والقدس وفلسطين بموجات من الغضب والحنق الشديدين.
• تأجج المشاعر الشعبية واشتعال نار الغضب من انتهاكات الصهاينة للمسجد الأقصى في أيام رمضان المباركات وعجز الأنظمة العربية وهوانها وأحيانا تواطؤها قد يمهد إضافة إلى الأحوال الاقتصادية والمعيشية الصعبة لربيع عربي قد يكون داميا ومؤلما.
في الحرب تغير الأيام من المفاهيم والحقائق ما قد يستغرق في أيام السلم سنوات وأعوام. وعندما يتعلق الأمر بمقدسات إسلامية وتعمد إسرائيلي لإنتهاكها كنوع من إذلال وترويض للعقل العربي المسلم، وحين تفشل أنظمة تبالغ في تقديس وتعظيم حكامها في إدارة الحكم وبناء الدول بل والتعامل مع أزمات ككورونا، وتتعامل مع شعوبها بفظاظة وقسوة فيما تتعامل بصغار ومذلة مع المحتل والمعتدي، وحين ينهض المحاصرون الفقراء فيردوا للإمة كرامة هي متعطشة لها....فإننا قد نكون مقبلين على رياح تغيير إن لم نقل عواصفها وبراكينها!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس