ترك برس
رأى الكاتب والمحلل التركي، طلحة كوسا، أن التعاون الاستراتيجي بين تركيا ومصر يشكل كابوساً قاهراً للعقول المدبرة لاستراتيجية واشنطن الحالية في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وأشار كوسا في مقال نشرته صحيفة ديلي صباح التركية أن واشنطن تسعى إلى تقديم الدعم السياسي والعسكري للمحور اليوناني الإسرائيلي لتحقيق التوازن بين تركيا ومصر.
وجاء في المقال:
في إطار الجهود المبذولة للحد من التوتر بين البلدين الجارتين، قام وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو الأسبوع الماضي بزيارة رسمية إلى اليونان. وقد حظيت زيارة الوزير التركي إلى أثينا باهتمام كبير بعد قمة ساخنة جمعت وزيري خارجية البلدين في أنقرة في أبريل/نيسان.
وشهد صيف عام 2020 توتراً كبيراً بين تركيا واليونان بسبب الخلافات في شرق المتوسط. ومؤخراً أعلن كل من الاتحاد الأوروبي والناتو دعمهما للجهود الدبلوماسية للحد من التوترات بين تركيا واليونان.
واستهل تشاوش أوغلو زيارته بمحطة أدخلت الفرح والبهجة على قلوب أبناء الأقلية التركية في شرق تراقيا الغربية. وبالرغم من انتقاد الصحافة اليونانية والشارع اليوناني لهذه الزيارة، لكن الاتصالات والاجتماعات الدبلوماسية في أثينا كانت مثمرة.
ووفقاً لمصادر دبلوماسية، فقد تواصل تشاوش أوغلو ونظيره اليوناني نيكوس ديندياس بعمق وناقشا جميع القضايا بين البلدين.
واتفق الجانبان التركي واليوناني على 25 بنداً وحددوا لقاءً بين الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في بروكسل بعد قمة الناتو. وتبدو إشارات كلا الجانبين الايجابية والتصالحية واعدة، بعد أن ساعدت جهود الدبلوماسية في نزع فتيل التوترات بين الجارتين.
واتسم الجو العام خلال اللقاءات الدبلوماسية في أثينا بإيجابية أكثر مما كان عليه خلال اجتماع أبريل/نيسان الذي جرى في أنقرة. كما تم التوصل إلى العديد من الاتفاقيات التي من شأنها تسهيل السياحة وتوسيع التبادل الاقتصادي في ظل انعكاسات الوباء السلبية على صناعة السياحة في تركيا واليونان.
ومع التوقعات التي تشير إلى تراجع التوتر بين تركيا واليونان في صيف 2021، لا تزال الخلافات الكبيرة بين البلدين قائمة ولم يتم إحراز تقدم كبير في هذا المجال.
فما هي الملفات الحرجة التي تم تأجيلها؟
هناك بعض القضايا والمناقشات الحاسمة لا زالت تشكل مصدراً للتوترات المحتملة بين الجارتين. منها على سبيل المثال أن الجانب اليوناني لم يتراجع عن مطالباته بتوسيع مياهه الإقليمية في بحر إيجة إلى 12 ميلاً بحرياً الأمر الذي يُعتبر بحسب المصطلح القانوني التركي "سبب حرب".
إضافةً إلى أن اليونان لا تُظهر أية نية لوقف عسكرة الجزر اليونانية في بحر إيجه، في انتهاكٍ واضح لمعاهدة لوزان لعام 1923.
كما أن الجانب اليوناني لا يزال لديه مطالبات متطرفة في شرق البحر المتوسط وفقاً لـ"خريطة إشبيلية" التي تدعي أنها تُظهر الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط، لكنها لم تعد تحظى بشعبية حتى بين أقوى حلفاء اليونان. ويحاول الجانب اليوناني حالياً صياغة موقف جديد بالاشتراك مع القبارصة الروم.
وأخيراً يصر القبارصة الروم والجانب اليوناني بعد سنوات من المفاوضات غير المثمرة، على إبقاء الصيغة الغير مقبولة لقبرص الفيدرالية التي لم تعد واقعية في ظل الظروف الحالية.
ويواصل القبارصة الروم واليونان التوسل إلى الاتحاد الأوروبي للمساعدة في حل القضية القبرصية لصالحهم، لكن هذه المساعي لن تكون فعالةً بحال من الأحوال.
إن ما يمثل إشكاليةً كبرى وعقبةً ضخمة في وجه العلاقات التركية اليونانية هو دور الفاعلين الخارجيين إذ أن الجهات الخارجية هي من تشكل الاتفاق بين الجارتين.
فالإشارات القادمة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حاسمة في هذا السياق، فتحاول واشنطن تحقيق التوازن بين تركيا ومصر كونهما تمتلكان أطول ساحل على شرق المتوسط.
كما صممت الولايات المتحدة صيغة تدعم من خلالها تحالفاً بين اليونان وإسرائيل والقبارصة الروم مع دمج الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في المحور اليوناني الإسرائيلي.
وتواصل واشنطن تمكين أثينا وتشجيعها من خلال زيادة بنيتها التحتية العسكرية وتوفير أسلحة جديدة لها. كما تدفع الجهات الفاعلة الأخرى بما في ذلك مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، لمزيد من التحالف مع اليونان بالرغم من أن حتى هذه الدول تبدي انزعاجها من المواقف المتطرفة لليونان. وتسعى واشنطن لتقديم الدعم السياسي والعسكري للمحور اليوناني الإسرائيلي لموازنة تركيا ومصر.
لذلك بات التقارب المحتمل وحتى التعاون الاستراتيجي بين تركيا ومصر يشكل كابوساً قاهراً للعقول المدبرة لاستراتيجية واشنطن الحالية في الشرق المتوسط.
ولا بد من القول إن هذه الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تثني اليونان عن الانخراط في حوارات دبلوماسية حقيقية في الملفات الاستراتيجية.
وكان الأحرى بالقوى الدولية كسب ثقة تركيا ودعم فكرة التقارب التركي اليوناني والتركي الإسرائيلي، كاستراتيجية أكثر فاعلية، بدلاً من صياغة تحالفات ومحاور غير مستقرة في شرق البحر المتوسط.
كما أن بعض دول الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا والنمسا، تحاول دعم اليونان والقبارصة الروم كجزء من سياستهم للحد من نشاط تركيا في شرق البحر المتوسط وشمال إفريقيا والبلقان.
وهكذا نجد أن اليونان والقبارصة الروم تُستخدمان كأداة لأولويات دول الاتحاد الأوروبي الإستراتيجية إذ تحاول إيطاليا وفرنسا أيضاً الحد من نفوذ تركيا في شرق البحر المتوسط، خاصة في ليبيا.
يبدو أن اليونان تناسب جميع التصاميم الاستراتيجية التي تحاول تحقيق التوازن كما يرغبون وتقييد تركيا.
لكن الجهود المبذولة في هذا السياق لا تخدم لسوء الحظ، مصالح تركيا ولا مصالح اليونان. بل يلعب الطرف الثالث دوراً سلبياً في إدارة العلاقات بين الجارتين.
إن تعزيز العلاقات وإعادة بناء الثقة وتوسيع التعاون مع الناتو والاتحاد الأوروبي من شأنه أن يخدم المصالح طويلة المدى للطرفين.
ولعل اليونان تعيد النظر في مشاركتها في الخطط التي يتم تنفيذها لصالح الطرف الثالث فقط.
ومع ضآلة احتمال حدوث انفراجة دبلوماسية من شأنها أن تحل جميع المشاكل بين تركيا واليونان على المدى القصير، فقد تساعد عملية الحوار المستمر وبناء الثقة في خلق مناخ جديد لتقدم مزيد من الجهود الدبلوماسية الحقيقية.
ولن يفيد تركيا واليونان إجراء حسابات استراتيجية تقوم على الاعتماد على قوة عظمى كما كان عليه الحال في القرن التاسع عشر. بل ستظهر فرص جديدة أمام كلا البلدين إذا تمكنا من حل مشاكلهما دبلوماسياً.
ولا يزال هناك الكثير مما يجب فعله لأن القبارصة الروم واليونانيون اعتادوا على المواجهة في خطابهما مع تركيا. ولا يزال هناك الكثير مما يجب إنجازه أيضاً على المستوى الشعبي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!