إتيان مهتشوبيان - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
الثقافة الديمقراطية جعلتنا في العديد من الأحيان، وخصوصا في تركيا، نعدّها فوق النقد ومحصنة، برغم تطبيق النظام البرلماني من خلالها، وكانت الديمقراطية تهدف إلى إضعاف الحكم المركزي المهيمن، وتهدف إلى أنْ يحكم الشعب نفسه بنفسه، وفي هذا الإطار يتواجد النظام البرلماني الذي يعتبر الطريقة الأمثل لاختيار ممثلي الشعب.
هذا الكلام صحيح نظريا، لكن عندما ننظر إلى الواقع العملي، نجد أنّ الكثير من الطلبات التي يطلبها ممثلونا لا تأخذ الأغلبية الكافية لتطبيقها، فبالتالي فإنّ بعض ممثلي الشعب في البرلمان لا يستطيعون تحقيق ما تريده الفئة أو المنطقة التي صوتت له وانتدبته ممثلا لها، وهذا يجعل هؤلاء يميلون إلى اتخاذ دور المعارضة.
من جهة أخرى، وبما أنّ النظام البرلماني يعتبر نظام تمثيل "شخصي" لما يريده الشعب، فإنه من الناحية النظرية لا يستطيع حزب اكتساح الانتخابات وتشكيل الحكومة لوحده، ولهذا يبقى دائما النظام البرلماني يميل أكثر إلى تشكيل حكومة توافقية، وربما تكون هذه الحكومة الأقدر على تلبية حاجة الناس، وربما لا تستطيع الصمود كثيرا بسبب حدة الاختلافات بين وجهات نظر الأحزاب المشتركة فيها.
وهذه الأمور النظرية كلها كان توضح الجوانب الإيجابية للنظام البرلماني لتحقيق "الاستقرار" الذي ينشده الجميع، لكن في الناحية العملية وفي كل الدول التي تطبق النظام البرلماني لم نجد هذا الاستقرار إلا في دول استطاع فيها حزب سياسي الحصول دوما على أغلبية والاستمرار على سدة الحُكم لسنوات طويلة، وبهذا أصبحت الأحزاب الحاكمة على مر السنين أقوى، وأكثر فعالية لتحقيق رغبات الناس، وذلك لأن الحزب يستطيع منع أي قرار يضر الناس والشعب، وكذلك يستطيع عمل أي تعديل دستوري يراه مناسبا ويقتضيه الأمر لتحسين أدائه، ونظام القضاء لا يستطيع التدخل في عمل الحكومة، وذلك لأن مهمته تطبيق القوانين التي يصدرها البرلمان والتي يتم تفعيلها بالأغلبية.
والدول التي تعيش فترات انتقالية، تعاني على هذا الصعيد، وتركيا تعيش الآن مرحلة مماثلة لذلك، ولهذا إذا كان المطلوب هو الديمقراطية، فذلك يعني عدم الخروج عن النظام البرلماني، لكن التنوع العرقي والمذهبي والطائفي إذا كان موجود في دولة ما، فإنّ تحقيق السلام فيها، والمحافظة على الاستقرار الدائم، لا يتم عن طريق النظام الرئاسي فقط.
نعم النظام الرئاسي ربما لا يضمن تعزيز الديمقراطية، لكن النظام البرلماني في دول مثل تركيا لا يسمح بوجود ديمقراطية حقيقية من الأساس.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس