السنوسي بسيكري - عربي21
لفتت حادثة منع عدد من أعضاء المجلس الأعلى للدولة من السفر خارج البلاد الأنظار إلى النزاع بين المجلس الأعلى للدولة وحكومة الوحدة الوطنية، أو لنقل بين رئاستيهما. فليس سرا وقوف رئيس المجلس الأعلى، خالد المشري، موقفا عدائيا من رئيس حكومة الوحدة الوطنية، إذ لم يتردد في مناسبات عدة من اتهامه وحكومته بالفساد واستخدام المال العام لشراء النفوذ باستمالة مكونات مختلفة، عسكرية ومدنية، في الغرب الليبي.
وإن لم يبادل رئيس الحكومة، عبدالحميد ادبيبة، المشري الاتهامات ذاتها، إلا أن عددا من أعضاء المجلس يؤكدون أنه يضع العراقيل أمام عمل المجلس، من تلك العراقيل تأخير صرف مرتبات أعضائه.
ما أفاد به الممنوعون من السفر أو من تضامنوا معهم من بقية الأعضاء أن الأسباب ليست أمنية وإنما هي سياسية بامتياز، وتتعلق بموقفهم من المسار السياسي وخارطة الطريقة التي مررها المجلس الأعلى برغم تحفظ عدد من أعضائه على طريقة تمريرها وأنه تم بالمخالفة للائحة المنظمة لعمل المجلس.
المشري اعتبر ما وقع تصعيدا من حكومة الوحدة ضد المجلس الأعلى للدولة، وأن هذا التصعيد يأتي في سياق رفض الحكومة لتوافقات الأعلى للدولة ومجلس النواب والذي يقضي باستبدال حكومة الوحدة الوطنية، ولم يتردد المشري في التصريح بأنهم سيقابلون التصعيد ضدهم بتصعيد مماثل!!
اتجاه الأزمة بين الأعلى للدولة وحكومة الوحدة بالفعل يأخذ منحى تصاعديا، فالمشري عازم بقوة على تنحية ادبيبة، ومن غير المستبعد أن يقابل ادبيبة المشري بسياسة مماثلة، ويصبح منصب المشري نفسه في مهب الريح في انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة التي من المفترض أنها ستجري بعد أسابيع قليلة.
انتشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي قائمة ضمت عددا من أعضاء المجلس الأعلى للدولة الموفدين لمهمة رسمية لجمهورية تركيا، وعلق مراقبون على الإجراء بأنه من وسائل التعبئة والحشد لانتخابات رئاسة المجلس القادمة، ذلك أن مهمة التمثيل النيابي في الخارج تعود لمجلس النواب وليس للمجلس الأعلى للدولة، وتوقيت الإيفاد يجعل وضع رئيس المجلس حرجا.
ادبيبة وأنصاره يعتبرون موقف المشري منهم وسعيه لإسقاط ادبيبة سياسي وتحركه المصالح الخاصة ويجري وفق منطق الصفقات و"الكولسة"، وهو ما يدفعهم لانتهاج الأسلوب نفسه، وبالتالي لا يستبعد أن يلجأ ادبيبة إلى خيارات تقلل من حظوظ المشري في الفوز بدورة أخرى للمجلس الأعلى للدولة وتعزز من فرص خصومه في الوصول إلى مقعد رئاسة المجلس.
الأعلى للدولة يشهد اليوم انقساما حادا جدا، ولقد ظل متجانسا في موقفه وسياسته حتى الدخول في الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الأعلى للدولة ومجلس النواب والتي أنتجت التعديل الدستوري الثالث عشر ولجنة 6+6 وقوانينها، إلا أنه انقسم على نفسه، وهذا ما يجعل الاقتراع القادم حول رئاسته محتدما وشديد الاستقطاب، ويفسح المجال أمام من يريد المناورة والتأثير على اتجاهات أعضائه حيال المترشحين للرئاسة.
الخطأ والخطر يكمن في تطور النزاع ضمن الجبهة الغربية التي شهدت تحولات كبيرة العامين الماضيين، من جهة أخرى، فإن الزج بالأجهزة الرسمية في الصراع السياسي يقضي على الأمل في أن تتحول تلك الأجهزة إلى داعم للدولة المدنية والتحول الديمقراطي الذي رفعت الجبهة الغربية شعاره وأظهرت بعض المؤشرات على احترامه، فرئاسة المجلس الأعلى لللدولة شهدت اقتراعا ديمقراطيا عدة مرات منذ تأسيسه، فيما ظل مجلس النواب بعيدا عن التداول السلمي على السلطة ولم يشهد انتخابا لرئاسته منذ العام 2014م.
النظر في طبيعة النزاع واتجاهه إلى مزيد من التشظي وتشكل البؤر المتناهية في الصغر والخطيرة في الأثر يؤكد أن عملية لملمة شمل البلاد باتت تعسر يوما بعد يوما وأن الخيارات التي تفرض نفسها تعزز التقاسم والانقسام، ليصبح الخيار الوحيد لوقف هذا التدهور الخطير هو موقفي شعبي قوي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس