السنوسي بسيكري - عربي21
باستثناء فترة الحكم العثماني، وتركيزا على التاريخ المعاصر، لم تشهد ليبيا ارتباطا وتأثرا بتركيا كما هي اليوم، فقد وضع النزاع الليبي واتجاه أطرافه إلى الخارج طلبا للدعم؛ تركيا في قلب الأحداث وصارت من أهم القوى الخارجية المتحكمة في اتجاه الصراع الداخلي والتدافع الإقليمي والدولي حول ليبيا.
يقر جميع من يراقب الأزمة الليبية بأن أنقرة لعبت دورا في وقف مسلسل الحروب ونهج المغالبة الذي حكم سلوك الجبهة الشرقية في ليبيا، ومنذ فشل الهجوم على طرابلس العام 2019م صارت الصدارة للمسار السياسي وتراجع بدرجة كبيرة خيار الحرب. ولقد كانت مواجهات آب/ أغسطس 2022م التي شهدتها العاصمة طرابلس اختبارا لهذه الفرضية، ودليلا على أن مقاربة الاستيلاء على السلطة في البلاد بقوة السلاح غير ممكنة بل مستحيلة.
اليوم ينظر الليبيون، خاصة المتنازعين ضمن جبهتي الغرب والشرق، إلى تركيا التي تفصلها ساعات عن حدث تاريخي هو الأكبر منذ تأسيس الدولة العام 1923م بحسب كثير من المراقبين الأتراك، وهو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. ولقد تخطى الأمر مجرد الترقب والمتابعة إلى الاتجاه لحراك قد يأخذ منعرجا بعيدا عن المسار السياسي، كما تفيد عديد المصادر.
نتائج الانتخابات التركية تعني الكثير لليبيا والليبيين، خاصة الأطراف المتنازعة، ففي حال كانت النتيجة لصالح حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، فإن الانعكاس سيكون لصالح تعزيز المسار السياسي، من جهة أن التفكير في العودة لنهج المغالبة والدخول للعاصمة بقوة السلاح سيصبح أكثر صعوبة، ومن جهة أن بقاء أردغان وحزبه في الحكم سيدفع التقارب مع مصر إلى الأمام، وسيعطي خطة إخراج فاغنر من البلاد دفعة إضافية، وهذا سيكون لصالح التوافق بين الاطراف الليبية المتنازعة ويقوي خيار الانتخابات.
النتيجة العكسية، وهي فوز مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، قد تغير المعادلة برمتها، وربما تؤدي إلى تغير في المسار وفي مواقف الأطراف المحلية والإقليمية وحتى الدولية، والتي راهنت على التوافق السياسي والانتخابات كفيصل لحل النزاع.
كليتشدار أوغلو انتقد في حملته الانتخابية الاتفاقات التي أبرمتها الحكومة التركية الحالية مع حكومة الوفاق الوطني العام 2019م، وهي اتفاق النفوذ الاقتصادي البحري، والاتفاقية العسكرية والأمنية، واعتبرها لا قيمة وأنه سيتحلل منها، وهو اتجاه محتمل في حال فاز كمال كليتشدار أغلو بالانتخابات، وبالطبع سيحرك ذلك شهية جبهة طبرق- الرجمة، وربما قبلها شهية أطراف إقليمية وحتى دولية لتكرار سيناريو العام 2019م.
ولأن التدخل التركي على خط الحرب في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019م غيّر موازينها، فإن خروج تركيا من معادلة التدافع الإقليمي والدولي حول ليبيا سيضعف كفّة حلفائها في غرب البلاد وسيرجّح كفّة الطرف الآخر في الشرق.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن جبهة الشرق بحثت سيناريوهات نتائج الانتخابات التركية، ووضعت في الحسبان سيناريو خسارة أردغان من خلال طرح خيار العمل العسكري من جديد، ولن يكون لحالة التهدئة والتقارب الذي وقع بين قوات الغرب والشرق من خلال اللجنة الأمنية المشتركة 5+5 أي قيمة إذا وقع تغيير في تركيا وخالف الحاكم الجديد سياسة سلفه تجاه ليبيا، فلقد شن خليفة حفتر هجومه على طرابلس في فترة كان الجميع ينظر إلى مؤتمر غدامس كسبيل لحل الأزمة؛ ووصل التقارب بينه وبين رئيسة حكومة الوفاق، فايز السراج، مستوى متقدما جدا، واتجه حفتر إلى خيار القوة لسبب بسيط وهو الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي شجعته على الحرب.
هذا هو الراجح في حال فاز مرشح المعارضة، وهناك تفاصيل أخرى قد تؤثر على السياسة التركية حتى في حال فوز أردوغان؛ منها نتائج الانتخابات البرلمانية والتي من المحتمل أن تفوز بها المعارضة، فهذا الوضع سيقيّد نسبيا صلاحيات الرئيس في تجديد الاتفاقات.
من ناحية أخرى، قد يكون كلام كليتشدار أوغلو بخصوص سياسة بلاده تجاه الأزمة الليبية للدعاية الانتخابية، وقد تدفعه تقارير الأجهزة والمؤسسات المختصة إلى موقف مختلف؛ كأن يستخدم ورقة ليبيا في التفاوض حول ملفات حيوية منها النزاع مع اليونان وقبرص، وهي مسألة يشترك في الموقف منها كافة التيارات السياسية التركية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس