إبراهيم كاراتاش - ديلي صباح

تمركزت الشركات العسكرية الخاصة وسط تسليط الضوء عليها من قبل وسائل الإعلام، بعد أن شنت شركة فاغنر الروسية تمرداً ضد مُشغِّلها، أي الحكومة الروسية.

وتعد فاغنر جيشاً خاصاً نافعاً وداعماً لروسيا في عملياتها الخارجية في الشرق الأوسط وإفريقيا ومناطق أخرى. كما أولى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثقته لفاغنر من أجل اجتياحه لأوكرانيا أيضاً، قبل الخلافات الأخيرة التي كادت أن تؤدي إلى انقلاب ضد الحكومة في موسكو.

وبالرغم من أنها كانت موجودة عبر التاريخ، فإن أول شركة عسكرية خاصة حديثة كانت "وتشغارد" الدولية، وهي شركة أسسها ضباط بريطانيون مخضرمون سابقون عام 1965، ثم انتشر الأمر وصار هناك المئات من الشركات العسكرية الخاصة العاملة في أكثر من 50 دولة الآن.

ويقدر عدد مجندي هذه الشركات بحوالي 2 مليون مجند وتتجاوز عائداتهم 100 مليار دولار سنوياً. وعلى سبيل المثال، تقدر الإيرادات السنوية لشركة فاغنر بحوالي 10 مليارات دولار.

وتتمتع الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، بتاريخٍ طويل في استخدام المرتزقة في أفغانستان والعراق وسوريا ودولٍ أخرى. وتشير التقديرات إلى أن 57% من العسكريين في العراق بين عامي 2003 و 2007 كانوا من عملاء الشركات العسكرية الخاصة، وقد دفعت لهم الولايات المتحدة ما بين 6 مليارات و 10 مليارات دولار، بينما كان هناك 200 ألف مرتزق في أفغانستان في نفس الفترة.

ويعمل وكلاء إيران أيضاً على مبدأ الشركات العسكرية الخاصة، إذ هنالك 150 ألف مقاتل "شيعي" في جميع أنحاء الشرق الأوسط يقاتلون في أكثر من 100 جماعة مسلحة مرتبطة مباشرة بالجيش الإيراني. وإلى جانب الرواتب المنتظمة، فإن مرتزقة إيران تحديداً يتحركون غالباً بنهج عقائدي مرتبط "بالإيمان والشهادة" وتصريح الإقامة في إيران وغير ذلك.

وتقدم المؤسسات العسكرية الخاصة المسجلة حكومياً على أنها شركة عاملة كغيرها من الشركات، خدمات قتالية من أجل الربح وليس لأسباب سياسية. لذا، فإن السبب الأساسي للقتال هو المكاسب المالية. وتجند مثل هذه الشركات إما جنوداً قدامى أو مدنيين قادرين على القتال. وعلاوةً على القتال في ساحة المعركة، تقدم الشركات العسكرية الخاصة خدماتٍ تدريبيةً للجيوش أو حراسةً للقادة السياسيين. ويمكن أن يكون المُشغّل الرئيس الذي يستخدمهم هو دولة أو مجموعة غير حكومية أو منظمة دولية أو شركة متعددة الجنسيات أو حتى فرد.

وتفضل الدول استخدام الشركات العسكرية الخاصة لأنها أولاً وقبل كل شيئ، لا تسبب خسائرها أي غضب أو مشاعر ثائرة على عكس خسائر الجيش الوطني التي تتسبب بغضبٍ عام وشحناء سياسية.

وثانياً، لا يتحمل المقاول أي مسؤولية عن جرائم الشركات العسكرية الخاصة لأنه ينكر عموماً مسؤولية الشركة العسكرية الخاصة عن التصرفات الفردية لمجنديها كما يُنكر هو نفسه علاقته بتشغيل هذه الشركة.

وثالثاً، لا يتعين على مستخدم الشركة تقديم مزايا اجتماعية أو إسكان أو ما إلى ذلك لأعضاء الشركات العسكرية الخاصة، ما عدا الدفع.

ومع ذلك، فإن العمل مع الشركات العسكرية الخاصة له عيوب تشغيلية أيضاً. أهمها أن الدولة الرئيسية قد تفقد السيطرة والرقابة على الشركات العسكرية الخاصة لأن سلطتها عليها أكثر محدوديةً من سلطتها على الجيش النظامي.

ونظراً لأن الشركات العسكرية الخاصة تشارك في القتال، فإنها تتمتع بسلطة تقديرية كاملة على مسار الحرب، ما قد يؤدي إلى تضليل المشغل أو حتى خداعه والالتفاف عليه. وهذا بالضبط ما واجهته روسيا عندما تحدى زعيم فاغنر يفغيني بروغوزين موسكو.

وثانياً، قد يتم إساءة استخدام الأسلحة والأموال والسلع الأخرى المقدمة إلى الشركات العسكرية الخاصة أو بيعها أو تحويلها إلى مجموعات أخرى. وأحد الأمثلة على ذلك هو الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة لمقاتلي "واي بي جي" الجناح السوري لتنظيم "بي كي كي" الإرهابي، والتي تم نقلها إلى الأعضاء الأساسيين في التنظيم. وبالفعل استولى الجيش التركي على العديد من الأسلحة الأمريكية الصنع من عناصر بي كي كي المقتولين.

ثالثاً، قد لا يكون لدى الشركات العسكرية الخاصة حدود في التصرف بضراوة وتصعيد العنف. ونذكر جميعاً كيف قتلت الشركات العسكرية الخاصة الأمريكية والروسية المدنيين بلا رحمة في العراق وسوريا على التوالي.

رابعاً، قد يكون استخدام الشركات شبه العسكرية قذراً وغير أخلاقي لأنهم يرتكبون جرائم حرب مثل قتل المدنيين، الأمر الذي من شأنه أن يخلق مشاكل للدولة المجندة.

وأخيراً، يقاتل أعضاء الشركات العسكرية الخاصة طالما يتقاضون رواتبهم جيداً وطالما أن خطر تعرضهم للقتل ضعيف. أما عندما يكون القتال شرساً، فإنهم يتجنبون القتال إذ لا يتوقع منهم مع استثناءات نادرة، أن يعرضوا أرواحهم للهلاك من أجل الدولة الرئيسية، حيث ينحصر هدفهم بكسب المال فقط.

ومع ذلك، وبالرغم من العيوب العديدة، من المستبعد جداً أن تتخلى الدول عن العمل مع الشركات العسكرية الخاصة. ونادراً ما يحدث تمرد يشبه تمرد فاغنر، وربما ما كان تمرد فاغنر ليحدث لو قاتلت المجموعة على الأراضي الروسية وداخل حدودها فقط.

وبشكل عام، تُستخدم الشركات العسكرية الخاصة كبديلٍ غير مكلفٍ للمشغلين، وتُمكّنهم من تحقيق ما لا يمكنهم فعله بجيوشهم بالطرق القانونية والمعتادة. لذلك، يجب أن نتوقع المزيد من الشركات العسكرية الخاصة في المستقبل القريب بدلاً من رؤية انخفاضٍ في عددها.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس