ترك برس

أحيا حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، أمس السبت، الذكرى المئوية الأولى لتأسيسه، وهو الحزب الذي تفرّد بالسلطة لعشرات الأعوام قبل أن يُحرم من الوصول إليها لوحده حتى الآن.

و"الشعب الجمهوري" حزب علماني يساري التوجه، أنشأه مصطفى كمال أتاتورك عام 1923 في إطار تأسيس الجمهورية، قاد المعارضة التركية طيلة سنوات حكم حزب العدالة والتنمية، حيث يعد منافسه الأبرز.

النشأة والتأسيس

أنشأ مصطفى كمال أتاتورك حزب الشعب الجمهوري وتزعمه في التاسع من سبتمبر/أيلول 1923، قبل أن يعلن قيام الجمهورية التركية يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول من السنة نفسها.

التوجه الأيديولوجي، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت".

يتبنى حزب الشعب الجمهوري ما تعرف بـ"الأفكار الكمالية" (نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك)، ويرى نفسه وريثا لقيم الجمهورية والعلمانية، ويصف نفسه بأنه "حزب ديمقراطي اجتماعي حديث، مخلص للمبادئ والقيم المؤسسة للجمهورية التركية".

حاول حزب الشعب الجمهوري تغيير خطابه السياسي اعتبارا من العام 2016 عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، ووعد رئيسه كمال كليجدار أوغلو باحتضان كافة شرائح المجتمع مهما كانت أفكارهم وتوجهاتهم، ووجّه علنا اعتذارا رسميا باسم حزبه للشريحة المحافظة وللمحجبات على "أخطاء الماضي"، طالبا منهم السماح.

المسار السياسي

بعد وفاة أتاتورك عام 1938 انتخب عصمت إينونو زعيما للحزب، ولم يكن على الساحة السياسية التركية سوى حزب الشعب الجمهوري حتى عام 1946، حين انتقلت تركيا إلى نظام التعددية الحزبية، وأجريت أول انتخابات نيابية عامة في تاريخ البلاد، وفاز الحزب بالسلطة بأغلبية ساحقة، لكنه خسر الانتخابات أمام الحزب الديمقراطي الذي كان يتزعمه عدنان مندريس عام 1950، فبقي في المعارضة من عام 1950 حتى عام 1960.

مع إصلاح القانون الانتخابي الذي وضع التمثيل النسبي، برز حزب الشعب الجمهوري، أول حزب في الانتخابات العامة لعام 1961، وشكل ائتلافا كبيرا إلى جانب حزب العدالة والتنمية خليفة الحزب الديمقراطي.

كانت تلك أول حكومة ائتلافية في تركيا واستمرت 7 أشهر فقط، وتمكن إينونو من تشكيل حكومتين أيضا مع أحزاب أخرى حتى انتخابات عام 1965.

ظل إينونو بعد ذلك زعيما للمعارضة ولحزب الشعب الجمهوري حتى الثامن من مايو/أيار 1972 عندما أطاح به بولنت أجاويد زعيما للحزب في مؤتمر حزبي.

شكل الحزب بعد انتخابات 1973 حكومة ائتلافية مع حزب السلامة الوطني، الذي كان يتزعمه نجم الدين أربكان. وقاد أجاويد، الذي كان يتولى رئاسة الوزراء عام 1974، العملية العسكرية التركية في قبرص.

حقق حزب الشعب الجمهوري نتيجة مثيرة للانتباه في انتخابات عام 1977 بحصوله على 41% من الأصوات، وفي عام 1978 تسلم مقاليد الحكم في حكومة ائتلافية أخرى.

بعد الانقلاب العسكري الذي وقع يوم 12 سبتمبر/أيلول 1980، أغلق القادة العسكريون الحزب إلى جانب الأحزاب السياسية الأخرى، وأعيد فتحه بعد 12 عاما في العام 1992 بقيادة دنيز بايكل.

لكن قبل إعادة افتتاحه، وفي عام 1984 أنشئ حزب بديل باسم حزب اليسار الديمقراطي من قبل بولنت أجاويد، واستمر هذا الحزب حتى بعد إعادة تشكيل حزب الشعب الجمهوري باسمه الأصلي عام 1992 بمشاركة غالبية الأعضاء الذين كانوا موجودين فيه قبل عام 1980.

وفي انتخابات 1995 حصل حزب الشعب الجمهوري على نسبة 11% من الأصوات التي مكنته من إحراز 49 مقعدا في البرلمان.

بعد استقالة ائتلاف الرفاه (الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم) في خضم ما سمي لاحقا بـ"انقلاب ما بعد الحداثة" يوم 28 فبراير/شباط 1998، دعم حزب الشعب الجمهوري حكومة ائتلافية من حزب العمل الوطني والحزب الديمقراطي التقدمي والحزب الديمقراطي التركي، لكنه سحب هذا الدعم لاحقا وساعد في إسقاط الحكومة بالتصويت لحجب الثقة.

فشل الحزب في انتخابات عام 1999، ولم يستطع أن يتجاوز العتبة الانتخابية، حيث حصل على 8.7% فقط من الأصوات، مع أنه كان الفائز بأغلبية واسعة في بعض المحافظات، لذا بقي خارج البرلمان.

حقق الحزب 19.39% من الأصوات في انتخابات 2002، ليأتي في المرتبة الثانية بعد حزب العدالة والتنمية، ومنذ ذلك الحين، أصبح حزب الشعب الجمهوري هو الحزب الكمالي الرئيسي في تركيا بعد تراجع حزب اليسار الديمقراطي، كما أصبح حزب المعارضة الرئيسي منذ ذلك الوقت.

في انتخابات 2007 فاز الحزب بـ112 مقعدا، ونال 20.88% من أصوات الناخبين، وفي انتخابات عام 2011 بلغت نسبة الأصوات التي حصدها 25.98%، وبلغ عدد نوابه 135 نائبا.

في العاشر من مايو/أيار 2010، أعلن دنيز بايكال استقالته من رئاسة حزب الشعب الجمهوري بعد تسريب شريط فيديو سري له ينطوي على فضيحة جنسية، وانتخب كمال كليجدار أوغلو خليفة له.

خسر حزب الشعب الجمهوري ومرشح حزب الحركة القومية المشترك أكمل الدين إحسان أوغلو في الانتخابات الرئاسية للعام 2014 أمام رئيس الوزراء آنذاك ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان في الجولة الأولى، بعدما حصل أكمل الدين إحسان أوغلو على 38% فقط من الأصوات.

وفي تشريعيات يونيو/حزيران 2015 حصل حزب الشعب الجمهوري على 24.96% من الأصوات، وتمكن من الفوز بـ132 مقعدا، مواصلا الحفاظ على موقعه كثاني أكبر الأحزاب في البرلمان.

وبعد فشل تشكيل حكومة ائتلافية، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى انتخابات مبكرة يوم الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وحصل فيها حزب الشعب الجمهوري على المرتبة الثانية بنسبة 25.38% وفاز بـ134 مقعدا.

وبعد إقرار التعديل الدستوري الذي حوّل البلاد من نظام الحكم البرلماني إلى النظام الرئاسي عام 2017، والذي شرع التحالفات الانتخابية، شُكِّل "تحالف الأمة" من حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد والحزب الديمقراطي وحزب السعادة، وخاض التحالف الانتخابات العامة عام 2018، في مواجهة "تحالف الشعب" الذي كان يضم حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية.

في تشريعيات 2018 انخفضت نسبة التصويت لحزب الشعب الجمهوري إلى 22%، في حين حصل "تحالف الأمة" على 33% من الأصوات. وفي الرئاسيات حصل مرشح التحالف المشترك للرئاسة وعضو حزب الشعب محرم إينجه على 30% فقط من الأصوات.

شهد حزب الشعب الجمهوري مكاسب كبيرة في الانتخابات المحلية للعام 2019، حيث استحوذ على نحو 30% من أصوات الناخبين، وفاز مرشحوه برئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة اللتين ظلتا معاقل انتخابية لحزب العدالة والتنمية منذ العام 2002، بالإضافة إلى عدد من البلديات الكبرى الأخرى.

وفي مشهد بات معتاداً خلال السنوات الأخيرة، خسر الشعب الجمهوري ومرشحه كمال كلجدار أوغلو، الانتخابات العامة والرئاسية الأخيرة أيضاً والتي شهدتها تركيا في مايو/ أيار الماضي.

لم يستطع "الشعب الجمهوري" إلا أن يبقى في المعارضة في العقود الأخيرة، وحالياً يواجه مشاكل التجديد والتطوير، خصوصاً أن الزعيم الحالي للحزب خسر الانتخابات أمام "العدالة والتنمية" 11 مرة ما بين انتخابات عامة ورئاسية ومحلية واستفتاءات.

ولهذا يواجه الحزب تحديات كبيرة وصراعات داخله، فضلاً عن صراعات خفية بين القيادات المسيطرة ما بين أجنحة علمانية وأخرى من الأقليات، ومن الواضح أن تحدي الانتخابات المحلية المقبلة سيكون مهماً في مسيرة الحزب وقبلها المؤتمر العام.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!