توران قشلاقجي - القدس العربي
الهند هي الموطن الأم لقصصنا الخيالية.. إنها أرض «ألف ليلة وليلة»، و»كليلة ودمنة» أي «بانشا – تانترا» أيضا، وهي المكان الذي ولدت فيه آلهة الأساطير في جميع أنحاء العالم. إنها الأرض التي سافرت إليها ديونيسوس من أجل الاستمتاع. وهي بلاد البخور التي تحدث عنها الفيلسوف الكبير البيروني في كتابه «تحقيق ما للهند من مقولة معقولة في العقل أو مرذولة». وهي أرض الأفكار والفلسفة التي ألهمت المثقفين أمثال أبو زيد السيرافي، والمؤرخ شهاب الدين أحمد بابا، والجاحظ وابن بطوطة. الهند هي الوطن الذي تعيش فيه أساطير وتراث المغول.
إنها بلاد البهار والبهارات. هاتان الكلمتان انتقلتا من اللغة السنسكريتية إلى الأدب العالمي. ويُقال إنهما انتقلتا من السندية أو السنسكريتية إلى اللغة الفارسية، ثم إلى اللاتينية والعربية والتركية. تشير «البهار» و»البهارات» إلى النباتات والهواء والبذور والفواكه والأوراق وقشور الأشجار والألياف والجذور العطرة. من هذه البقعة الجغرافية انتشرت النسمات والنباتات ذات الروائح الجميلة إلى العالم كله منذ العصور القديمة. فقبل وجود «طريق الحرير»، كان «طريق التوابل/ البهارات»، هو الذي يتحكم في التجارة العالمية. واستخدم أناس العالم القديم التوابل أولاً في الطب، ومن ثم في الطهي.
الحكومة الهندية، فضلت استخدام كلمة «بهارات» بدلا من الهند أثناء دعوة زعماء الدول الأعضاء في مجموعة العشرين إلى القمة التي احتضنها قبل أيام. وكان اسم بهارات مكتوبا كذلك على لوحة اسم البلد الموضوعة أمام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال القمة. كانت الجماعات الهندوسية العنصرية تسعى جاهدة منذ سنوات طويلة من أجل تغيير اسم البلاد إلى «بهارات»، لأنها ترى أنه من الضروري تغيير اسم «الهند» بسبب جذوره الاستعمارية. وفي دستور الهند، كانت البلاد تحمل اسم «بهارات» أو «الهند»، مما يشير إلى إمكانية استخدام الاسمين بشكل رسمي. ومع قمة العشرين، تم تغيير اسم البلاد رسمياً إلى «بهارات».
هذا الجدل حول الاسم، كان يعتبر جزءا من نقاشات أوسع في الهند بشأن الهوية والتاريخ والتراث الثقافي. فاسم «بهارات» يستند تاريخيا إلى اسم ملك في الأساطير الهندية. الملك بهارات هو شخصية مهمة في النصوص الهندوسية الكبرى (مثل نصوص ريجفيدا)، وتم إطلاق اسم البلاد تيمنا به. كما يُعرف البلد بأسماء مختلفة في العديد من اللغات على مستوى الهند. وعلى سبيل المثال، في اللغة الهندية، يُعرف البلد باسم «بهارات»، في البنغالية باسم «بهاروت»، وفي المالايالامية باسم «بهاراثام».
أرونداتي روي، الكاتبة والناشطة الهندية الشهيرة عالميا، خاطبت زعماء الدول الذين شاركوا في قمة العشرين، وطالبتهم بالاحتجاج على الهجمات التي تعرض لها الآلاف من المسلمين بسبب السياسات العنصرية لناريندرا مودي وحزب بهاراتيا جاناتا. وأشارت روي إلى أن سياسات القومية الهندوسية (هندوتفا) التي تنفذها حكومة مودي تشكل تهديدا للديمقراطية وتؤجج مجزرة بحق المسلمين. كما انتقدت روي أيضا سياسات حكومة مودي في إقليم كشمير، وأكدت أن حرية الصحافة واستقلال القضاء تم تقييدهما من خلال التدخلات. كانت الهند أرض الحريات لدى غاندي ونهرو، وكان اليساريون يصفونها بأنها أكبر دولة ديمقراطية في العالم، لكننا اليوم نرى أنها تتحول إلى أكبر دولة فاشية في العالم. حزب بهاراتيا جاناتا، الذي ينتمي إليه مودي، هو كيان سياسي لأنصار العنصرية الهندوسية الذين قتلوا غاندي.
يتعرض المسلمون في عموم الهند، خاصة منذ تولي ناريندرا مودي الحكم، لهجمات واعتداءات لا تُعد ولا تُحصى في الشوارع، حيث تُشن هجمات عنصرية تشمل الاعتداءات اللفظية والجسدية وتدمير الأحياء التي يقطنها المسلمون وهدم المساجد التي يرتادونها أو تحويلها إلى معابد هندوسية. وهناك أيضا ظلم كبير يمارسه الهندوس ضد المسلمين في كشمير. وأدى قانون تعديل المواطنة الذي صدر في الهند عام 2019، إلى إقصاء 200 مليون مسلم يعيشون في البلاد بعد اعتبارهم مواطنين. علما أن هذا القانون سمح بمنح الجنسية لبعض الأقليات الدينية في الهند (السيخ والبوذيين والجاينيين والبارسيين والمسيحيين)، ولكنه استبعد المسلمين.
خلاصة الكلام؛ منذ العصور القديمة وحتى القرن الواحد والعشرين، ساهمت الهند في إثراء خيال وأفكار العلماء في مناطق مختلفة حول العالم، من العباسيين وحتى العثمانيين. أمّا اليوم، فإنها تنشر الخوف في جميع أنحاء العالم عبر سياساتها الفاشية. كانت في السابق توفر للعالم بهارات عطرية لذيذة ومفيدة للصحة وتثري الأطعمة، لكنها اليوم تنشر سمومها في العالم بأسره. آمل أن يدرك شعب الهند الطيب قريبا حجم الضرر الذي ألحقه حزب بهاراتيا جاناتا وناريندرا مودي بالبلاد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس