ترك برس
تناول مقال للسياسي التركي محمد ألغان، النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، خلفيات الحملة الأمنية التي نفذتها السلطات التركية ضد حسابات مشبوهة في مواقع التواصل الاجتماعي بتهمة التحريض والعنصرية.
وقال ألغان إن تركيا استيقظت صباح يوم 20 سبتمبر/أيلول الجاري، على خبر يفيد بتوقيف 27 متهماً من مديري حسابات مواقع التواصل الاجتماعي معروفين بعدائهم وكراهيتهم للأجانب واللاجئين. "فمنذ فترة طويلة، تنشر هذه الحسابات منشورات مضللة تحتوي على كثير من الأخبار المزيفة".
وأوضح في مقال نشره موقع عربي بوست الإخباري أنه كانت هناك مطالبات كثيرة من قبل الشعب التركي لكي تتدخل الدولة لإيقاف مثل هذه المنشورات، لأنها تحتوي على معلومات مضللة تهدد السلم المجتمعي. لا يقتصر دور مكافحة العنصرية على الدولة فقط، لكن في الوقت نفسه يجب على الدولة القيام بدورها في مكافحة انتشار المعلومات المضللة والأخبار المزيفة.
وعلى الفور اتهمت بعض الشخصيات المعارضة هذه الحملة الأمنية بأنها قمع لحرية الصحافة، ولكن يجب أن نعرف أن الأمر لا يقتصر على هذه القضية فمثل هذه المنشورات المضللة تلحق أضراراً كبيرة بنظام الأمن العام ولها تبعاتها السلبية على الاقتصاد وعائدات السياحة.
ومن بين الموقوفين أصحاب ومحررو مواقع "Aykırı" و"Muhbir" و"Haber Report" الإخبارية. هذه المنصات معروفة بعدائها الحاد تجاه اللاجئين وتشتهر بنشر الأخبار الكاذبة والمضللة بحقهم. أما الحسابات الأخرى مثل "Mülteci Haberleri" و"Karargah" و"Suriyeliler Suriyeye" فليست معروفة جيداً مثل المواقع الثلاثة المذكورة أعلاه، إلا أنها تتبع سياسة نشر عدائية جداً.
وجرى في 18 سبتمبر/أيلول الجاري، توقيف 4 أعضاء من مجموعة تطلق على نفسها حركة الدفاع (Müdafaa Hareketi) ولها حساب على مواقع التواصل بالاسم نفسه، وذلك بعد الاستفزازات والتحريضات التي أطلقتها الحركة ضد اللاجئين وتحريضها للوقوف ضد التجمع الذي نظمته جمعية "أوزغور-در" (المعروفة بتوجهاتها الإسلامية) تحت شعار "لنتمسك بالأخوة ضد العنصرية". وشملت الاعتقالات "إردل جان يلدز" المرشح البرلماني عن حزب الظفر التركي، الذي يترأسه أوميت أوزداغ.
وبحسب ألغان، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أول من لمح إلى أنه قد يكون هناك تحرك ضد أصحاب حسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي تبث العنصرية، حيث أدلى، في 14 سبتمبر/أيلول، كلمة حول هذه المسألة قائلاً: "لا يمكننا إطلاقاً أن نسمح بتجذر الألاعيب الخبيثة التي تتسبب بتخريب نسيجنا الاجتماعي بدءاً من استفزازات المنظمات الإرهابية وبعض السياسيين وحتى سموم العنصرية وكراهية الأجانب".
"سنفشل محاولات حفنة من الدجالين المجتمعين في مواقع التواصل الاجتماعي لتحريض أفراد الشعب ضد بعضهم وإشعال الفوضى في البلاد. وأثق بأن هذه المحاولات لا يقبلها الشعب التركي".
وقال أيضاً إن الدولة التركية ستتخذ جميع أشكال التدابير اللازمة ضد الخارجين عن القانون، وستعمل على إطفاء نار الفتنة هذه قبل أن تتفاقم.
كما أكد وزير العدل التركي، يلماز تونج، خلال لقاء تلفزيوني في 17 سبتمبر/أيلول، أن بلاده لن تسمح إطلاقاً بمعاداة الأجانب، مشيراً إلى أن مكتب الادعاء العام قد فتح تحقيقات في هذا الجانب.
وأضاف تونج: "سنرى في المرحلة القادمة تحول هذه التحقيقات إلى دعاوى، وهنا سيحاكَم المستببون في هذه الجرائم بالطريقة المناسبة وسينالون عقابهم".
وأردف: "هناك أجانب يعيشون في بلدنا، وقد يكون هناك من يرتكب جرائم مماثلة من بين هؤلاء الأجانب وسيطبق القانون عليهم كما يطبق على مواطنينا. سنتخذ الإجراءات لمكافحة الأخبار والصور المزيفة، وقطع الطريق أمام تحريض المجتمع ضد الأجانب، لمنع نشوب حوادث سلبية ومشاكل متعددة".
ولفت ألغان إلى أن العدالة في تركيا في أغلب الأحيان تأتي متأخرة قليلاً، حيث هناك أسباب قد تؤثر أيضاً على فتح واستمرار الدعاوى ومنها فهم أبعاد القضية اجتماعياً، إضافة إلى عمليات جمع الأدلة التي تقوم بها الشرطة، لكن القضايا السياسية الحالية التي تمر بها البلاد تدفع الدولة إلى الإسراع.
مؤخراً، أدلى دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية، ثاني أكبر أحزاب تحالف الجمهور الحاكم، بتصريح قال فيه: "أولئك الذين يستخدمون مشكلة اللاجئين لخلق التوترات والعنف والاضطرابات الداخلية، وتخريب النسيج الاجتماعي للمجتمع متلاعبين بحساسيات بلدنا عبر الاستفزازات التي يتلقونها من الخارج ويعتبرونها ممارسة سياسية، قد تجاوزوا حدودهم".
أعادت كلمة بهتشلي، حول الاستفزازات الخارجية، إلى الأذهان الادعاءات التي تم تداولها منذ فترة بأن أوميت أوزداغ، رئيس حزب الظفر، عميل لبعض وكالات الاستخبارات الخارجية.
أوميت أوزداغ.. مهندس العنصرية ضد الأجانب
ففي الوقت التي تستمر فيه عمليات التوقيف بحق أصحاب الحسابات والمواقع المتورطة في التحريض، نشر إسماعيل تورك، المعروف بتوجهاته القومية، ومالك موقع "Haber Erk" الإخباري، على حساباته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي ما يلي:
"نشأت هذه الصفحات في الغرفة السفلى لحزب الظفر بناءً على تعليمات السيد أوميت أوزداغ ويديرها شخص يدعى سركان. هناك العشرات من الأشخاص، ومن ضمنهم أنا، سيشهدون على ذلك قانونياً".
وتابع: "لقد هاجمَنا أشخاص مجهولو الهوية وافتروا علينا. ينشرون الافتراءات والمشاهد المزيفة باستخدام برنامج الفوتوشوب كما يفعل أعضاء تنظيم غولن الإرهابي". "ومن المتوقع أن تستمر العديد من الحقائق والادعاءات في الظهور، وذلك بعد التعمق في التحقيق".
وبالتزامن مع انطلاق هذه الحملة الأمنية، كان أصلان دييرمنجي، المنسق الإعلامي في دائرة الاتصال التركية، ينشر على الدوام معلومات على حساباته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي حول القضية. لذلك نجد أن الدولة تنفذ هذه العملية بالتنسيق مع العديد من المؤسسات التركية.
وقبل الانتخابات الرئاسية، كان وزير الداخلية السابق، سليمان صويلو، قد انخرط في حرب كلامية خطيرة جداً مع أوميت أوزداغ، حيث وجه صويلو إلى أوزداغ تهمة التجسس لمصلحة أطراف خارجية.
في الحقيقة، كان صويلو يهدف حينها إلى تجريم أوزداغ ومحوه من المشهد السياسي. ولكن الظروف التي سبقت انتخابات 14 مايو/أيار كانت تصب في مصلحة أوزداغ.
ولفترة من الوقت، استمرت الحكومة في تجاهل استفزازات أوزداغ، الذي سرق أصوات الناخبين من أحزاب المعارضة. للأمانة كان ينتابني شعور القلق من أن الفائدة من أوزداغ لأجل الانتخابات المحلية المقبلة ستؤدي إلى تجاهله من قبل الحكومة لفترة أخرى.
من جهة أخرى، السبب وراء الدعاوى القضائية ضد المحرضين، والتي بدأت في 20 سبتمبر/أيلول الجاري، هو الخوف من أن يواصل أوزداغ نشر العنصرية أكثر في المجتمع، وزيادة كراهية الأجانب لدرجة أن المستثمرين الأجانب يفكرون في مغادرة تركيا، وحقيقة أن عائدات السياحة بدأت تتعرض للتهديد.
ورأى ألغان أنه من غير المعروف إلى ما ستؤول إليه هذه الحملة الأمنية، ولكن نرجو أن هؤلاء الناشرين والسياسيين، الذين حطموا حياة اللاجئين في هذا البلد وجعلوها جحيماً، قد تعلموا درساً رادعاً مفاده أنهم سيدفعون ثمن أفعالهم.
وتابع: إن أوميت أوزداغ وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي تتبنى خطابه التحريضي نفسه تغلف العنصرية وتجعلها جذابة للشباب في سن المراهقة والمرحلة الثانوية، لكني مسرور بأن الدولة أخذت ذلك في عين الاعتبار وأدركت أن هذه الأيديولوجية المعادية للإنسانية، يمكن أن تضر بمستقبل شبابنا، مما سيدفع الحملة الأمنية إلى أن تتحرك بشكل أسرع وأكثر فاعلية، لكي تمنع خطابات أوزداغ من أن تجد لها أي عمق سياسي أو تأثير مجتمعي.
وليست هذه أول مرة تقوم فيها الدولة التركية بتطهير البلد من الأفكار العنصرية الدخيلة، فقد نُفذت حملة قضائية ضد العنصرية الطورانية في تركيا عام 1944، وكانت أبرز الأسماء التي تمت محاكمتها في هذه القضية: الكاتب التركي حسين نيهال أتسز، أحد أبرز المؤسسين للأفكار العنصرية، والمؤرخ الشهير زكي وليدي طوقان، ومؤسس حزب الحركة القومية ألب أرسلان توركيش وفتحي تيفيت أوغلو، جد نجم البوب التركي تاركان تيفيت أوغلو.
وفي ظل الظروف الدولية، حيث كانت الحرب العالمية الثانية تؤول إلى خسارة النازيين، قام الرئيس التركي آنذاك، عصمت إينونو، باتخاذ إجراءات لتطهير المجتمع من الشخصيات التي تتبنى هذا الفكر تحت مسمى قضية العنصرية والطورانية.
وبالرجوع إلى أوميت أوزداغ، نجد أن والده مظفر أوزداغ أحد الضباط الذين شاركوا في انقلاب 1960 مع رفيقه في السلاح ألب أرسلان توركيش.
بمعنى أن أوميت أوزداغ يعد استمراراً لتلك الأيديولوجية العنصرية القديمة، لذا من التاريخ يمكن أن نستشف مستقبله في المرحلة القادمة وكيف ستؤثر عليه هذه العملية (الحملة الأمنية) التي أرجو أن تظهر فاعليتها لمناهضة للعنصرية. كما سيتبين لنا ما ستؤول إليه هذه العملية وماهية النقاشات السياسية القادمة وما إذا كان يمكن القضاء على أوزداغ سياسياً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!