د.مصطفى حامدأوغلو - خاص ترك برس
لم يكن العنوان لهذا المقال بقراءة ثابتة ، لكنه كان "قراءة هادئة" حيث بدأت بكتابته باليوم الأول من انطلاق عملية"طوفان الأقصى" ورغم أني شارفت على القرب من نهايته ، شاءت الأقدار أن يظل حبيساً هنا على سطح الجهاز هذه العشرة ايام ، واليوم عندما عدت لأكمله من جديد وجدت أن المطلوب هو فقط تغيير العنوان فقط واضافة الخاتمة له حيث ظل المحتوى نفسه لم يتغير .
مع انطلاق " معركة طوفان الأقصى" تعددت التقييمات وتضاربت التعليقات ،وتناقضت التفسيرات ، وكترت القراءات لهذه العملية البطولية التي أذهلت العالم بأسره ،العدو قبل الصديق.
واختلاف تلك القراءات المتبانية له اسبابه ومسوغاته ، منها مايتعلق بالعملية المفاجئة نفسها ، ومنها مايتعلق بالشخص نفسه وتفكيره ومعتقده الديني وموقفه السياسي والفكري والقومي .
لقد أجمع الجميع ، العدو والصديق لهذه العملية العسكرية ،انها عملية بطولية استثانية خارقة ، تفوق كل الحسابات العسكرية والمنطق الواقعي العقلاني الذي كان حبيس الدعاية الاسرائيليه عن الجيش الذي لا يقهر ، وقوة الاستخبارت الاسرائيلية التي لاتنام وتحصي انفاس الفلسطيين ليس بغزة بل وبكل فلسطين وحتى خارجها بكل بقاع العالم .
فهي وبالاجماع عملية مزقت بداية وبدون رجعة عنوان الغطرسة الاسرائيلية وحطمت العنجهية الفوقية ومقولة الجيش الذي لايقهر والذي هزم ست جيوش عربية مجتمعة .
جاءت كتائب الاقصى وبعشرات من ابناءها ورغم قلة عتادها وحصارها لتقوم بما لم يخطر على بال احد من العالم كله وتضرب كل هذه المقولات والشعارات بمقتل وجرح مؤلم سيظل نزيفه مستمرا بدون شفاء لا يغيب لحظة من ذاكرة العدو مدى التاريخ.
أولا نظرية المؤامرة:
هذا الاجماع على نوعية وتميز ونجاح هذه العملية الكبيرة جعل الكثيرون، وكعادة كثيرون من أبناء هذه الأمة، يفسرون الأحداث من خلال "نظرية المؤامرة" التي دائما ما يجنح لها من يقرأ الأحداث وهو مقتنع بوجود سلطة كونية لا يمكن أن يكون أو يجري أي حدث بالعالم من دون أن يكون من ضمن تخطيطها الاستراتيجي العالمي والسيطرة الصهيونية على كل صغيرة وكبيرة بالعالم . بالنسبة لهم لا يمكن أن تكون هذه العملية إلا ضمن التخطيط الاسرائيلي، بالسماح لها وغض الطرف عنها وتسهيلها، فهي علمية استدراج لحركة حماس وايقاعها بالفخ من أجل تنفيذ مشروع أهم منها وتحقيق مكاسب أكبر منها تستوجب السماح باختراق عسكري محدود ومسيطر عليه لكتائب الاقصى لتكون ذريعة وحجة ومبررا لعملية عسكرية كبيرة تغير معالم المنطقة برمتها..
إن الذين يقعون تحت هيمنة هذه النظرية هم يخدمون وبدون أن يشعروا نظرية المؤامرة نفسها ، ويخدمون فكرة الجيش الذي لا يقهر ، ويرسخون فكرة الاستسلام والقبول بالهيمنة الاستعمارية ويسيئون لكل حركات التحرر الوطنية ويحاربون ويقتلون كل شعور أوتفكير بالانعتاق والمقاومة.
هناك فرق بين أن تكون هناك مراكز ودول وقوى تخطط للسيطرة على مقدرات العالم وتمتلك مفاتيح القوة التي توجه وتسيطر من خلالها على كثير من الأحداث، وبين الايمان والاستسلام بأن هذه القوة اشبه ما تكون بالقوة الكونية وكأنها آله الكون بحيث لا يمكن الخروج انملة عن ارادتها وعلمها..
ثانيا الحكم على الأمر من خلال النتائج :
دأب كثير من المحلليين وخاصة الماديين -الذين يعتبرون أنفسهم من اصحاب المنطق والوعي والواقعية والعقلانية– يفسرون الحدث من خلال النتائج المأساوية المتوقعة كردة فعل من العدو الذي مٌزقت كرامته وتهشمت غطرسته ، يقولون أن حماس تعرف عواقب هذه العملية جيدا وتدرك حجم التفوق العسكري الاسرائيلي ،وهي بهذه العملية إنما تجلب الدب لكرمها وتجلب الويلا ت لشعبها والدمار لمناطقها.. ومن هنا فهي عملية ضررها أكثر من نفعها. ويحملون من قام بهذه العلمية أن هوسبب هذه المآسي كلها ،ضاربين بعرض الحائط كل مسببات ما يعيشه الفلسطينين من أحتلال وغزة من حصار وتجويع.
قراءة خاطئة ايضا لانها تناقض نفسها ، أولا هي تعترف بما انجزته هذه العملية من مكاسب مادية ومعنوية تم ذكرها ، وثانيا هي تشترط ضمان النتيجة مسبقا لكل عمل نضالي تحرري ، وهي ثالثاُ تنظر للمكاسب المادية القريبة الملموسة وتنسى المكاسب المعنوية التي قد تتحق بعد سنيين وربما بعد عقود .
وحسب هذه القراءة يجب أن نُحمل كل ما حصل بسوريا من آهات لأؤلئك الذين طالبوا بالحرية والعدالة الاجتماعية .
هذا المنطق الأعوج لا يمكن التسليم بصحته حتى على المستوى الفردي .
ثالثاً الدين والتاريخ والمستقبل:
البعض يقرأ الأحداث من زاوية واحدة فقط ، من الزاوية الدينية أو التاريخية أو السياسية أو النظرة المستقبلية والسناريوهات الاستراتيجية ، وعادة يخطأ من يحصر قراءته وتقييمه لأي حدث من زاوية واحدة وخاصة عندما تكون هذه الزاوية حادة وضيقة ، ويهمل القراءة والنظرة للأحداث من بقية الزوايا الأخرى مجتمعة .
بينما التقييم الحقيقي والعلمي والمهني يجب أن يكون من خلال دمج ومزج كل هذه القرارات من الزوايا المتعددة . فكثير من الحروب القديمة والحديثة وتاريخ حركات التحرير بالعصور الماضية وتجارب أمريكا بفيتنام والعراق وافغانستان وحركات التحرر والاستقلال بسوريا والجزائر وليبيا حافلة بالتجارب والشعارات ، والقراءة الواقعية وفهم التغيرات العالمية والمجتمعية والمحاور والاصطفافات الاقتصادية والجيوسياسية الحديثة كلها تدعم وتؤكد وتبرر لأصحاب القرار الفلسطيني صحة ما قامت به طوفان الاقصى بغض النظر عن النتائج المستقبلية.
رابعاً تناقض الانتماءات وتصارع النزعات والحكم المبدئي المسبق:
من أهم أحد أسباب القراءات المتابينة والمتناقضة لطوفان الأقصى ، هو التركيبة الفكرية والنفسية لنا، وعدم قدرة البعض الفصل أو التصالح والتوازن بين الانتماءات الدينية والقومية والسياسية والفكرية والقطرية ، وهذه مشكلة ومعضلة لدى القادة والرؤساء والنخب والشعوب ايضاً في بلادنا العربية والاسلامية.
فالحكم المسبق والمبدئي السلبي من حركة حماس مثلا يجعل مواقف كثير من الناس الذين يتمنون تمريغ غطرسة العدو وكسر عنجهيته لا يقوون على دعم ومساندة طوفان الاقصى بكل أريحية وصراحة وشجاعة.
وهناك من يخشون أن يكون لإيران أي حصة من الدعم المادي أو العسكري لكتائب الأقصى ، أو الذين عندهم عقدة من كلمة الجهاد أو كل عمل مسلح .
وجر على ذلك
حتى قال الكثيرون فجر السابع من أكتوبر " نريد أن نفرح لكن نخشى أن تكون غصة بحلقنا إذا جيرت المكاسب لعدونا الآخر"
هذه المعضلة بالتفكير ليست منحصرة بالموقف من طوفان الاقصى بل تعاني منها كثير من الجماعات والاحزاب السياسية والمعارضات الحزبية حتى في كثير من البلاد الديمقراطية .
الكل يريد النصر على يديه ولا يملك القوة بالتصفيق لفوز غيره ولو كان الخاسر هوعدو الجميع.
بينما القاعدة سهلة وبسيطة وهي أن نقرأ التاريخ والدين بتجرد وعقلانية لنرى أن المسلمين يفرحون عندما يَغلب الروم من بعد غلبهم من جديد وأن أي ضربة وخسارة لعدوك هي نصر وفوز لك..
هكذا تتعامل الدول مع خصومها ، فقد تدعم منظمة او دولة لا يلزم بالضرورة أن تكون صديقة لها ، طالما تنال من عدوها الأساي الأول .
ومن هنا يفرح ويدعم طوفان الاقصى من كانت نظرته منصبة على المكاسب المشتركة ومن ينظر للعنب وليس للناطور.
خامساَ تصحيح مفاهيم:
الجميع هو يدفع الثمن ، ولكن الدوائر تحتلف .
مع كل الاحداث الدامية ،والحروب المدمرة والمجازر المؤلمة ، وبشكل طبيعي ومنطقي، تنفجر النفوس التي تقع تحت القصف والظلم والقتل والدمار وتجد نفسها وحيدة قد تُركت للعدو المفترس ، أن تبوح بعتبها على أخوة لها بالدين والقومية والانسانية ،وقد تصل حدة هذه الاصوات بسبب هول المصيبة أن تصل لأبعد من العتاب واللوم لتصل للاتهام والتخوين احيانا..
وترطيبا لتلك النفوس المكلومة يمكن القول أن الكل يدفع الثمن غالياً ولكن دوائر القرب من مركز الحدث تختلف والطريقة والوسائل ايضا..
يجب أن نتذكر أن ما أصاب العراق ليس بمعزل عن قضية القدس وفلسطين ، وما عاشة السوريون وما يعيشونه من ويلات ونزوح وهجرات
وتأخر نصرهم الذي منعته أمريكا هومرتبط بشكل اساسي ومباشر بعمق القضية الفلسطينية وحضورها في نفوس السوريين وأهيمة سوريا بارتباطها وصلتها بالقدس والاقصى ..
وكذلك بقية الاقطار العربية والاسلامية
فالكل على ثغر وجرح القدس باعماق الجميع...
ومن الأخطاء التي يقع بها الكثيرون وخاصة الذين هم بعيدون عن ساحة الصراع هو الانشغال بجلد الذات بما ليس لديهم القوة للتأثير عليه، ويتركون ويستسلهون بما يمكن فعله والقيام به .
بينما الحكمة والمنطق يقول بأنه يجب القيام بما يمكنك القيام به وتمتلك قوة التأثير به ووفعله وتغييره مهما كان بسيطا بنظرك . قد يكون كلمة أومقال أوصورة اوبوست أوهاشتاق أو مظاهرة ودعاء وددحض دعاية كاذبة ، ومايقوم به بعض النشطاء من مسلمين وغير مسلمين من فيديوهات تعري الدعاية الاسرائيلية وتفضح جرائم قصف المشافي وقتل الاطفال والمدنيين هو جهد لا يقل عن أي عمل آخر ..
من المؤكد أن توابع علمية الاقصى ستكون مؤلمة ومدمية
لأن العلمية اصابت العدو بمقتل وأفقدته عقله وتوازنه ومن يفقد علقه وتوازنه يكون رده قويا دموياَ..
لكن ومهما كانت العواقب فعملية طوفان الاقصى حققت منذ الفجر الأول ومنذ السعات الأولى ما تصبو له من أهداف وهي كثيرة وعلى عدة مستويات...
ولاتزال تمسك بزمام المبادرة وكثرة الأوراق القوية بيديها تنتظر فرصة فرضها على كل اعدائها .....
اليوم غزة تقف أمام صناديد العالم كله وهم لها صاغرون ...
فهل من نصر أكبر من هذا..!!؟؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس