صالحة علام - الجزيرة نت
منذ اندلاع "طوفان الأقصى"، وتصاعد المواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية، والتصريحات التركية، تتماهى معه بشكل تلقائي، إذ لوحظ في بداية المواجهة أن الموقف الرسمي التركي ارتكز على مبدأ ضبط النفس، ومحاولة التوازن في تعاطيه مع طرفي النزاع، واختيار موقف الحياد، عارضًا القيام بوساطة بينهما.
إلا أنه مع إصرار الكيان المحتل على إطالة أمد الحرب على قطاع غزة- واستمراره في عمليات استهداف المدنيين من الأطفال والنساء والعجائز، وتركيز ضربات سلاح طيرانه على قصف المدارس والمستشفيات والأبنية المدنية- تحول الموقف التركي ليصطف مع حكومة حماس، وانهالت تصريحات المسؤولين والسياسيين الأتراك ضد هذه الممارسات الوحشية الممنهجة.
فقد أعلن الرئيس التركي، بكل وضوح، أن إسرائيل دولة إرهابية، تمارس عملية إبادة ممنهجة ضد الفلسطينيين، وأن حربها على حكومة حماس المنتخبة في قطاع غزة هي أكثر الهجمات خسّة في تاريخ البشرية، وأن هذه الممارسات الوحشية تتم بدعم مطلق من الغرب والولايات المتحدة الأميركيّة، متهمًا الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكافة المنظمات الدولية التي تنضوي تحت لوائهما بالعجز والعمى حينما يتعلّق الأمر بقتل مسلمين.
التعامل التركي مع تطورات "طوفان الأقصى" لم يقف عند حد تصريحات الإدانة، وتوجيه الاتهامات، وتوصيف الأعمال التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكنها بدأت في التحرك قانونيًا بالاشتراك مع أكثر من ألفَي محامٍ يمثلون منظمات حقوقية من مختلف أنحاء العالم بهدف عزل إسرائيل دوليًا، وضمان محاكمة قادتها السياسيين والعسكريين أمام المحاكم الدوليّة؛ لما ارتكبوه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني.
تحول الموقف التركي وصدمة الكيان الإسرائيلي
إسرائيل، من جانبها، تفاجأت بعنف تحول الموقف التركي ضدها، خصوصًا أنها كانت قاب قوسَين أو أدنى من النجاح في إعادة علاقات البلدين السياسية والعسكرية إلى سابق عهدها بعد اللقاء الذي جمع بين الرئيس أردوغان ورئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر شهر سبتمبر/ أيلول الماضي.
وقد جاء كأولى ثمار الزيارة التي سبق أن قام بها الرئيس الإسرائيلي لتركيا في مايو من العام الماضي، وهي الزيارة التي اعتبرتها دولة الاحتلال بداية جيدة يمكن البناء عليها لاستئناف العلاقات الحميمة التي طالما ربطت بين الدولتَين، خاصة أنها تأتي بعد قطيعة سياسية بين البلدين امتدت لمدة خمسة عشر عامًا، عقب الاعتداء الإسرائيلي على سفينة المساعدات التركية " مافي مرمرة" التي كانت في طريقها لإيصال مساعدات إغاثة إلى قطاع غزة المحاصَر عام 2010، وهو ما أسفر عن مقتل تسعة من الناشطين الأتراك برصاص الجيش الإسرائيلي على متن السفينة، بينما تُوفي آخر عام 2014 بعد أربع سنوات قضاها في غيبوبة.
لقد دمر "طوفان الأقصى" أحلام دولة الاحتلال بشأن إمكانية استعادة علاقاتها الطبيعية مع تركيا، مع الأخذ في الاعتبار المخاوف التي طالما لازمت قادتها من موقف الرئيس أردوغان الداعم بشكل مطلق لحكومة حماس المنتخبة في قطاع غزة، وموقفه الثابت من وضعية القدس والمسجد الأقصى.
وهي المخاوف التي ثبَتت صحتها مع استمرار "طوفان الأقصى"، وإصرار إسرائيل على إطالة أمد الحرب؛ هروبًا من الاعتراف بهزيمة جيشها الذي لا يقهر، وسعيًا لتحقيق أي انتصار على الأرض، حتى ولو كان زائفًا من أجل حفظ ماء وجهها فقط لا غير.
التلاعب الإعلامي الإسرائيلي وتشويه سمعة تركيا
تدرك إسرائيل جيدًا أن ارتفاع شعبية الرئيس التركي على الصعيدَين: العربي والإسلامي يعني صعوبة إمكانية استعادة زخم علاقاتها بتركيا مجددًا، والعودة بها إلى ما كانت عليه قبل اندلاع "طوفان الأقصى" في المدى القريب على الأقل، ومن هنا كان التلاعب الإعلامي، الذي استهدف تشويه صورة القيادة السياسية التركية، وإثارة حالة من الشك والريبة حول الموقف التركي، وإشاعة الإحباط في نفوس الرأي العام العربي والإسلامي، المثمن الأول لجهود الرئيس التركي كونه الوحيد الذي اتخذ هذا الموقف الواضح والصريح تجاه حماس ومقاومتها الباسلة.
الكيان المحتل قام بتداول عشرات الصور والأخبار الكاذبة التي تشير إلى وجود دعم تركي رسمي وشعبي غير معلن لدولة الاحتلال، وسعي حثيث من جانبها لرفع الروح المعنوية لجنودها، خلافًا للتصريحات النارية التي يطلقها قادتها في وسائل الإعلام ليلًا ونهارًا.
مطالبات شعبية بمقاطعة منتجات محمد أفندي
إذ فوجئ الجميع بنشر صور على نطاق واسع لبعض جنود الاحتلال وهم يحملون منتجات أشهر شركة لإنتاج البن في تركيا، وهي المعروفة باسم" قهوة محمد أفندي الجافة" أو" كورو كاهفه مهميت أفندي"، كما ينطقها الأتراك، وقد كُتب تحتها " هدية من تركيا لرفع الروح المعنوية لجنودنا"، وأوضح الخبر المرافق للصور أنّ المنتج المذكور يتم توزيعه على الجيش الإسرائيلي من جانب أحد مراكز الإغاثة في إسرائيل، لدعم عدوانهم على غزة.
لتثور ثائرة المواطنين الأتراك الذين يعتمدون مقاطعة منتجات كافة الشركات الداعمة لدولة الاحتلال، وتنهال المطالبات الشعبية بمقاطعة الشركة، والامتناع تمامًا عن التعامل معها أو شراء منتجاتها بعد أن أفصحت عن هُويتها الصهيونية الداعمة للكيان الإسرائيلي، مطالبين الشركة بإصدار توضيح حول ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تتفاقم الأزمة.
شركة محمد أفندي تواجه الأكاذيب الإسرائيلية
الشركة، من جانبها، سارعت بإصدار بيان أوضحت فيه أن منتجاتها يتم تصديرها لأكثر من ستين دولة حول العالم، وأنها تفتخر بانتشار منتجاتها التي تحمل اسم "صنع في تركيا" على مستوى العالم، وهو البيان الذي زاد من حنق الأتراك وغضبهم، خاصة أن بيان الشركة اكتفى فقط بذكر عدد الدول التي يتم تصدير البن التركي إليها دون ذكر أسمائها، وهو ما اعتبروه دليلًا على صحة الادعاءات الإسرائيلية، وضعف موقف الشركة، لتزداد ضراوة الحملة ضدها، حتى وصل الأمر إلى توجيه السباب للقائمين عليها، ما أجبر الشركة على إصدار بيان آخر نفت فيه بشكل قاطع الأكاذيب الإسرائيلية، مؤكدة عدم قيامها بالتبرع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وموضحة أنها لم تقم بتصدير أي من منتجاتها لدولة الاحتلال منذ قرابة عامٍ ونصفٍ، وشددت على أنها تصطف إلى جانب الموقف التركي بشقيه: الرسمي والشعبي، وتدين ممارسات الاحتلال ضد المدنيين في غزة، مؤكدة عزمها على رفع دعوى قضائية ضد من قاموا بحملة التشهير بها وتشويه سمعتها.
محاولة النيل من الحكومة التركية وتزييف الحقائق
لم تكتفِ إسرائيل بتشويه سمعة شركة من كبرى الشركات التركية وأشهرها في مجالها- والتي تعمل في السوق المحلي منذ أكثر من مائة وخمسين عامًا، وذاع صيتها في مختلف أنحاء العالم- بل ذهب الإعلام الإسرائيلي إلى أبعد من هذا، حيث تم تداول أخبار تتحدث عن قيام الحكومة التركية بإرسال سفينة محملة بأطنان من المواد الغذائية إلى إسرائيل، لدعم موقفها في الحرب على غزة، الأمر الذي أثار موجة من الغضب الشعبي دفعت مركز مكافحة المعلومات المضللة التابع لرئاسة الجمهورية هذه المرة للتدخل عبر بيان رسمي، نفى من خلاله وجود أية علاقة بين السفينة المشار إليها والحكومة، أو القيام بإرسال أي دعم إغاثي لإسرائيل.
وأوضح البيان أن الشحنة المشار إليها في الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي وتم تسليمها بالفعل في إسرائيل، خرجت من إحدى الشركات التركية الخاصة العاملة في مجال التصدير، وأن الشحنة تم التعاقد عليها بين الجانبين قبل اندلاع "طوفان الأقصى".
ليجد محمد أفندي وغيره من الشركات التركية أنفسهم في مرمى أكاذيب دولة الاحتلال الإسرائيلي، الساعية لتشويه الموقف التركي، والتشكيك فيه، وليدفعوا من سمعتهم ثمن وقوف بلدهم إلى جانب الحق الفلسطيني، ورفضها الممارسات الوحشية التي يقوم بها الكيان المحتل ضد المدنيين الأبرياء.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس