عمر لاكاسيز - يني شفق
يشير منهج مندنهال (الباحث الأمريكي جورج إي مندنهال) إلى أن فكرة طرح "إبراهيم" كجد مشترك يعود إلى اليبوسيين وليس إلى العبرانيين. وقد قلنا إن هذا الطرح أثار جانبا هاما من هذه القضية.
ووفقاً لمندنهال فإن داود الذي أسس دولته على البيروقراطية اليبوسية، لم يغيرها، وقد أثار هذا الوضع ردود فعل كبيرة من قبل اليهود القبليين.
عند تحليل هذا الموقف جيدا، نرى أن بيروقراطيو داود - جميعهم وثنيون - اتبعوا نوعا من السياسة المقدسة للتوفيق بين تقاليده اليهودية القديمة والمتطلبات الحديثة للحنكة السياسية. لقد زودوه بإيديولوجية نجحت على مدى جيل كامل على الأقل في تجاوز الانقسامات بين يهودية القرى القبلية (القاعدة الاقتصادية) والوثنيين (يسبوسي، الخبراء المنظمين) في المركز الحضري. أصبحت هذه التسوية جوهر مملكة داود.
وهذا ما يعنيه مندنهال بتفوق التقليد الإبراهيمي على التقليد "الموسوي-السينائي" باعتباره سياسة إيديولوجية مقدسة.
ويعتبر هذا أيضًا هو الشكل الأول للسياسة المقدسة، والذي أصبح تأثيره محسوسًا بشكل أكبر اليوم. وما يعادله اليوم من مفهوم دقيق هو " الصهيونية السياسية المسيحية"
في تقييم مندنهال، فإن اختراع إبراهيم باعتباره "الجد المشترك" وإعادة طرح هذه الفكرة بعد مئات السنين باسم "الآب عظيم" يأتي بسبب ضرورات سياسية، وبالتالي إن وضع العلاقات بين الشعب والدولة على محور الدين والسلطة، هو توجه اجتماعي وسياسي طبيعي في سياقه الخاص، ومن الطبيعي أيضاً في حد ذاته أن يتم ذلك عن طريق العبث بالنص المقدس الذي يشكل تقليد موسى سيناء.
هذا هو ملخص إعادة هيكلة السياسة المقدسة على يد إبراهيم. ومع ذلك، فإن إضافة إبراهيم إلى التوراة باعتباره جداً مشتركًا ليس أمرًا يمكن اعتباره كافيًا بناءً على الأيديولوجية التي ذكرناها. بأن إعادة اكتشاف هذا الجد المشترك يجب أن تحتوي أيضًا على وعد عظيم: إن أرض الميعاد، التي تم تناقلها كوعد مفيد جدًا للأزمنة المستقبلية، قد تم إنتاجها لهذا الغرض.
وبطبيعة الحال، فإن التقليد الإبراهيمي المبكر والمقدس والسياسي في زمن داود، الذي تحدث عنه مندنهال، لم يتشكل في وقت قصير، كما أن إرثهم- المسيحية السياسية - بما في ذلك الصهيونية في العصر الحديث - لم تتشكل في وقت قصير.
وبحسب النتائج التي توصل إليها مندنهال، فقد تم إنتاج العديد من السياسات المتعلقة بالمقدسات من أجل ضمان الطاعة العامة للدولة في الصعوبات الاقتصادية، والتي تم تسليمها إلى أبناء سليمان، الذين أنفقوا خزينته الموجودة أثناء بناء المعابد والقصور، وأصبحوا مدينون للدول المجاورة لأن هذا لم يكن كافيا.
لذلك، وبما أن الدولة عبارة عن مجموعة من القواعد والأعياد والاحتفالات، خاصة في دولة يهوذا، فإن تحولها إلى ثقافة مقدسة من خلال تسجيلها في التوراة تم نتيجة لجهود كبيرة (إصلاحات). وكان هذا ممكنا مرة أخرى مع سلسلة من الإضافات الجديدة إلى التوراة. وأثناء تطرق مندنهال لعملية التقليد والتثاقف الصادرة عن إصلاحات يوشيا (640-609 قبل الميلاد)، الذي قلد ملكية داود وسليمان كملك ليهوذا، ذكر أنه تسبب في انفجار جنون التأريخ في القدس وخلص إلى ما يلي: "جمع الكتبة المجتهدون أساطير الأبطال والأحداث القديمةوأعادوا تشكيل كل شيء ليناسب رؤية يوشيا لإسرائيل المثالية".
في هذه الحالة، فإن الوعد بأرض الميعاد، الذي أُعطي لأول مرة لإبراهيم ثم تكرر لموسى ويشوع (تكوين 8/15، تثنية 24/11، 2/15-4؛ يشوع 3/1)، يعود تاريخه إلى عصر زمن داود، وأضيفت إلى التوراة التالية المكتوبة ابتداءً من البداية، ومن المتوقع أن تستمر العملية على هذا النحو على الأقل حتى عزرا (400 قبل الميلاد) الذي يعتقد أنه أعطى الصيغة النهائية للتوراة. التوراة في عصره.
نحن بحاجة إلى التحدث عن الأسباب التي جعلت مندنهال يشير إلى السياسة المقدسة التي بدأها من زمن داود على أنها صهيونية مسيحية سياسية وربطها بيومنا هذا، ولكن سيكون من الأنسب التحدث عن ذلك بعد التطرق لـ"بنديكتوس سبينوزا"، الذي اشتهر بآرائه وتقييماته حول تزوير التوراة أو الإضافات إليها.
قال سبينوزا (المتوفى عام 1677) ، الذي وصفه اليهود بأنه "كافر فاضل"، في أطروحته اللاهوتية السياسية إن التوراة كتبها آخرون متبعا منهج نقد النص بين ابن حزم الأندلسي و اسبينوزا ( 1064). ومع ذلك فقد طُرد من المجتمع اليهودي لأنه وجه هذا النقد كيهودي وليس تقليده لمسلم (1656).
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس