ترك برس

سلط تقرير تحليلي للسياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها رئيس المجلس الاستشاري الأعلى لجمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك "توسياد" عمر أراس، في كلمته الافتتاحية للاجتماع العام للجمعية الأسبوع الماضي.

وقال أقطاي في تقريره بصحيفة يني شفق إن "أبناء هذا البلد المدلَّلون والمترفون. كل شيء مُعدٌّ لراحتهم، وزيادة أرباحهم، وتسيير أعمالهم بسلاسة. فُرضت الرسوم الجمركية وأُبقيت مرتفعة ليتمكنوا من بيع منتجاتهم العادية بأعلى الأسعار وتحقيق المزيد من المكاسب. ولأجل تسهيل بيع سياراتهم الرديئة، لم تُوجَّه الاستثمارات إلى مجالات النقل العام والسكك الحديدية. وتم اتخاذ كافة التدابير ليصبحوا أكبر الشركاء في الممتلكات العامة".

وأضاف: "في الواقع، لقد أنشأتهم الدولة، لكن التنازلات والحوافز التي منحتها لهم تحولت مع مرور الزمن إلى امتيازات لا يمكن المساس بها. ثم وصل بهم الأمر إلى ممارسة نفوذهم وسلطتهم على الدولة التي يدينون لها في الأصل بوجودهم. وكلما ازداد تدليلهم، زادت نزعتهم إلى الطغيان، حتى باتت أي مشكلة نفسية تصيبهم تُفضي إلى تداعيات نفسية واجتماعية تصيب البلاد بأسرها، أو يُفترض بها أن تفعل ذلك على أقل تقدير".

وتابع التقرير:

تمامًا كما في الأفلام، حيث يصرخ زعيم العصابة حين يكون منزعجًا أو غاضبًا: "أحضروا لي الضحية لأفرغ غضبي فيه"، هكذا هو حال البرجوازية التي أنشأتها الدولة ورعتها، إلى شيء تهاجمه وتفرغ فيه غضبها عندما يسوء مزاجها. ويجب الابتعاد عنهم أثناء ذلك. ولكن بالنظر إلى تجارب الماضي والموقع الذي اتخذته هذه البرجوازية حتى الآن، فإن برجوازيتنا الكومبرادورية عندما يسوء مزاجها، تهاجم مباشرة الدولة والحكومة والسياسة، أي الشعب مباشرة. إن مهاجمة السياسة تعني اللجوء إلى قوى خارجها والسعي وراء تدخلات غير سياسية. وفي تركيا لطالما لجأت جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك "توسياد" إلى هذه المساعي عندما يسوء مزاجها. وفي بعض الأحيان، من خلال هذه المساعي، قامت بمهاجمة الدولة والشعب، وحرضت على الانقلابات بل وشجعت وساهمت في توجيهها.

إن التصريحات التي أدلى بها رئيس المجلس الاستشاري الأعلى لتوسياد عمر أراس، في كلمته الافتتاحية للاجتماع العام للجمعية الأسبوع الماضي، لا تزال تثير الجدل منذ أسبوع. وقد ناقشنا هذا الموضوع بتفصيل مستفيض في برنامجنا على قناة "Ülke TV"، بإدارة جوزده أوزيوريك، وبمشاركة مراد أوزر، وسردار أرسافين، ويوسف أوزكر.

إن عبارة "مزاجنا سيء" التي استخدمتها توسياد في بيانها، تعادل في المصطلحات العسكرية عبارة "الضباط الشباب قلقون". وبالعودة إلى الخطابات التي رافقت محاولات الانقلاب السابقة، نرى بسهولة أن اللغة التي تستخدمها توسياد تتشابه مع تلك الخطابات. إن تحليلاتها ومقارباتها بشأن مسار البلاد والقضايا التي تؤرقها سطحية بحتة وأيديولوجية للغاية. والأسوأ من ذلك، أنهم بصفتهم القوة الاقتصادية الأكبر في البلاد، لا يدركون أنهم هم أنفسهم مصدر العديد من المشاكل الاقتصادية الراهنة.

وعندما تقع كوارث مثل حوادث القطارات، وانهيارات المناجم، والزلازل، والحرائق، تحاول استغلال هذه المآسي لمهاجمة سياسات الدولة عبر اتهامها بضعف الرقابة، مقارِنةً أعداد الضحايا بنظيراتها في الدول المتقدمة. لكنها تتغافل عن وجود أمثلة أكثر كارثية في تلك الدول الغربية التي تقارن بها، كما أنها تتجاهل دورها في الثغرات الرقابية التي تؤدي إلى هذه التكاليف البشرية والمادية. وفوق ذلك ومن خلال التحدث بهذا التعالي الآن تحاول التملص من مسؤولياتها عن الفترات التي كان نفوذها فيها أشد وطأة، متناسيةً تمامًا ممارساتها خلال تلك الحقبة.

ومن بين الأمور التي تعكر مزاج "توسياد" عزل رؤساء البلديات المنتخبين وتعيين أوصياء عوضًا عنهم. وهذا يعني أنه ليس لديهم مشاكل مع البلديات التي يديرها الوصاة الذين عينهم حزب تنظيم "بي كي كي" الإرهابي. هل يرفعون هم من معنوياتهم؟ وبينما حققت البلاد تقدمًا هائلاً في مكافحة الإرهاب خلال السنوات السبع الماضية، أدى إلى رفع معنويات الجميع في البلاد، فإننا لا نستغرب من تدهور معنويات "توسياد" بسبب هذا الأمر. فهذه البرجوازية الكمبرادورية لم تشارك المجتمع في أفراحه وأحزانه قط، أليس كذلك؟

وهناك سبب آخر لتدهور معنوياتهم وهو "بدء التحقيق ضد زعيم حزب سياسي، ثم اعتقاله بتهمة أخرى". إن زعيم الحزب الذي يتحدثون عنه هو بمثابة كوكيل لأعداء تركيا والأتراك في الداخل. إن الأضرار التي لحقت بسمعة تركيا في الخارج بسبب كراهية الأجانب التي حرض عليها، والتي أدت إلى أضرار بالسياحة والاقتصاد الوطني، تفوق أضعافاً مضاعفة الضرائب التي تدفعها جمعية "توسياد" بأكملها. إن اعتقال ومحاكمة من يرتكب جرائم كراهية ضد الناس، ويزعزع استقرار البلاد، ويدفع بالبلاد في بعض المناطق إلى حافة حرب أهلية عدة مرات، يعد تدبيرًا أمنيًا ضروريًا من أجل سلامة البلاد وسمعتها. ولذا فإن من الغريب أن يتسبب هذا الوضع في تدهور معنويات "توسياد" ويثير استياءهم.

إن حقيقة أن أحد الأمور الأخرى التي تثير استياء جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك "توسياد" هو فصل الضباط المتخرجين حديثًا من الجيش، يضع الأمور في نصابها الصحيح من جانب ما. ففي نهاية المطاف، كان هناك دائمًا تعاطف في تقاليد "توسياد" مع "الضباط الشباب المستائين". ولكن تطبيق المبدأ العام الذي يرفع معنويات عموم البلاد، والقائل بأن أي شخص يحمل في داخله أدنى رغبة في الانقلاب هو خائن للبلاد والمجتمع، هو تطبيق محمود، بغض النظر عمن يستاء منه وتتدهور معنوياته بسببه.

إذًا، كيف يمكننا رفع معنويات توسياد؟ إذا تكاتفنا جميعًا في البلاد لتنفيذ ما يقولونه، فلن تبقى هناك دولة اسمها تركيا. هل تعرف "توسياد" حقًا ما تريده؟ كما أن الأوضاع الاقتصادية التي قد تثير استياء شرائح معينة من المجتمع في الوقت الحالي، لا تنطبق على توسياد إطلاقًا. فجمعية "توسياد" هي منظمة لرجال أعمال حققوا أكبر أرباح في تاريخهم، حتى في فترة حزب العدالة والتنمية. فليس هنالك سبب موضوعي لاستيائهم. وهذا الاستياء إنما يستند إلى أسباب نفسية أيديولوجية.

في الحقيقة توسياد ليست بحاجة إلى رفع معنوياتها بل إلى إعادة تأهيل نفسي بشكل عام. لأنها مريضة نفسياً وهي في حالة من الكآبة الشديدة. إنها تحقق أرباحًا أكثر من أي فترة في تاريخها، ولكنها ليست سعيدة. لأنها لم تعد قادرة على توجيه السياسة كما اعتادت أن تفعل في السابق. والعلاقة بين البرجوازية والسياسة ليست علاقة تمنحهم الرضا المعنوي والنفسي كما يرغبون. إنهم لا يريدون أن يكونوا مجرد رجال أعمال، بل يريدون أن يكونوا أصحاب سلطة ونفوذ. في الماضي، سيطروا على الدولة التي أنشأتهم واعتنت بهم. وكانوا قادرين على تغيير الإدارات التي لا تعجبهم من خلال تحالفات عسكرية أو غيرها. وأما بيانهم الذي أصدروه الآن فهو نتاج عادة قديمة، ولكنه لم يكن بنفس التأثير الذي كان لها في الماضي. وهذا بطبيعة الحال يضر بمعنوياتهم، ولكن لرفع هذه المعنويات، يجب أن تتغير البلاد بأكملها من جذورها. يجب على الجميع أن يتكاتفوا لرفع معنويات "توسياد"، كما لو كانوا في مهمة إنقاذ الجندي "رايان". فهم بعد كل شيء، أطفال البلد المدللون المترفون، أليس كذلك؟

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!