طه كلينتش - يني شفق

في مساء يوم الخميس الماضي (6 مارس)، توجهت إلى جامع الحلبوني القريب من المركز التاريخي لمدينة دمشق لأداء صلاة التراويح. كانت الشوارع مظلمة تمامًا بسبب انقطاع الكهرباء الذي تشهده معظم أنحاء المدينة في المساء. وعند وصولي إلى المسجد وجدت أن المصلين، ومعظمهم من الشباب، قد امتلأ بهم المكان حتى آخر صف، سواء داخل المسجد أو في ساحته الخارجية. ولم يكن هناك مكان حتى لشخص واحد ليصلي. ورغم سعادتي بكثرة المصلين، شعرت بالحزن لعدم وجود مكان لي، فقررت التوجه إلى مسجد "المولوية" المقابل لمبنى محطة سكة حديد الحجاز. وفي هذا المسجد العثماني الجميل، وبسبب عدم وجود مناطق سكنية محيطة به، كان هناك فقط ثلاثة صفوف من المصلين. وبعد الركعات الثماني الأولى، خلا صفان، وأكملنا العشرين ركعة بإمامة طالبين شابين كانا يتناوبان على الإمامة.

وعندما خرجت من المسجد، رأيت أن جميع الطرق تحت حراسة الأمن المسلحين والملثمين. كان هذا مشهدًا لم أشهده في دمشق منذ عدة أيام. كما كان يمكن سماع أصوات صفارات الإنذار من جميع أنحاء في المدينة. مررت بجانب الشباب المسلحين وسلمت عليهم، ثم عدت إلى الفندق الذي أقيم فيه في الشارع المجاور لتكية السليمانية. ولم أفهم سبب هذا المشهد الغير مألوف إلا عندما بدأت رسائل تصل إلى هاتفي في الفندق: كانت قد تعرضت القوات الأمنية التابعة للحكومة السورية الجديدة لهجمات في منطقة اللاذقية التي يقطنها غالبية من الطائفة العلوية. تم فرض حظر التجول في اللاذقية وحمص، ، وتم قطع الطريق بين شمال وجنوب سوريا. حتى أن بعض أصدقائنا في حلب الذين كانوا يخططون لرحلة إلى دمشق، اضطروا إلى إلغاء رحلاتهم.

وفي اليوم التالي (الجمعة 7 مارس)، كان هناك مشهد يستحق المشاهدة في الجامع الأموي:

كانت خطبة الجمعة تتناول بالطبع الأحداث الجارية. وكانت كلمات الخطيب، الذي ألقى خطبة حماسية ومؤثرة للغاية، تقطعها التكبيرات بشكل متكرر. "لقد أعطيناكم الأمان، ولم تفهموا. لقد اتبعنا طريق العفو والتسامح، فاستغللتم ذلك. طلبنا منكم إلقاء أسلحتكم، ولم تفعلوا.أظهرنا التسامح، فخنتمونا. من الآن فصاعدًا، سترون قوة الدولة وتصميمها. لن نسمح أبدًا بسرقة هذه الثورة الطاهرة في سوريا، لا تنسوا المجاهدين الذين يبيتون مع أسلحتهم ويفطرون في الجبهة من دعائكم."، وبينما كانت هذه الكلمات تتوالى، كان الغضب والحماس ملموسين بوضوح داخل المسجد. وبعد الصلاة، خرجت مظاهرات في جميع مناطق دمشق لدعم إدارة أحمد الشرع.

ودون التعمق في تفاصيل الأحداث، يجب ألا يغيب عن أذهاننا هذا الملخص: يبدو أن إيران وحزب الله من الغرب عبر فلول النظام النصيري، وإسرائيل من الجنوب عبر الدروز، يركزون على شلّ الحكومة السورية الجديدة. وبينما يتم تحريض الأقليات في سوريا بواسطة القوى الأجنبية، فإن الهدف بالطبع هو منع تأسيس حكومة مستقرة ومتوازنة بعد حكم البعث.

(وبينما كنت أكتب هذه السطور، وردتنا الأخبار حول توصل "قسد" إلى اتفاق مع الإدارة المركزية في دمشق. ومن بين الأسباب الرئيسية التي أجبرت "قسد" التي كانت تتبع خطًا انفصاليًا حتى الآن، على التوصل إلى هذا الاتفاق، بالطبع هو قمع التمرد الذي وقع في اللاذقية. والسبب الثاني هو التصور السائد بأن الإدارة الأمريكية الجديدة قد "تتخلى عن حلفائها" في أي لحظة. ومن المؤكد أن "قسد" كانت تتابع عن كثب المشهد الغريب الذي وُضع فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ، حيث تم إحراجه أمام الكاميرات في البيت الأبيض.)

وفي زياراتي لسوريا ودمشق بعد سقوط البعث في 8 ديسمبر، كان أكثر ما لفت انتباهي هو الجهود الحثيثة التي يبذلها الناس لطمس جميع الشعارات والأعلام والصور والرسومات التي تذكرهم بالفترة القديمة. فبين عشية وضحاها، تم إزالة آثار الماضي، وبدا أن صفحة جديدة قد فتحت، ولكن ماذا عن العقول والقلوب؟ ألم يكن أنصار البعث ونظام الأسد لا يزالون في أماكنهم؟ بعد إعلان العفو العام، على سبيل المثال، كم عدد الأشخاص الذين "تظاهروا بالتوبة" يشعرون بالندم حقا على ما فعلوه سابقًا؟ من العلماء إلى البيروقراطيين، ومن رجال المخابرات إلى الجنود، سوريا لا تزال مليئة بفلول النظام الساقط. ما هي الطريقة التي سيتم بها دمج هؤلاء في المرحلة الجديدة؟ كيف سيتم السيطرة على الأشخاص الذين قضوا 61 عامًا تحت حكم قمعي في بيئة "الحرية" هذه؟ بصراحة كانت هذه الأنواع من الأسئلة تدور في ذهني باستمرار. وفي المرحلة التي وصلنا إليها الآن، انتهى "حماس الثورة"، وبدأت المشاكل الحقيقية والحيوية تلوح في الأفق. أما بالنسبة للشرع وفريقه، فإن اختبارات الإدارة الحقيقية تبدأ الآن.

وأثناء عودتي إلى إسطنبول عبر بيروت مساء السبت، كانت مشاعري تتراوح بين الأمل والفرح والحماس والخوف، والقلق، تجاه مستقبل بلاد الشام.

عن الكاتب

طه كلينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس