
ترك برس
تناول تقرير للمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، في صحيفة يني شفق المحلية، بالنقد والتحليل إعلان فرنسا وبريطانيا نيّتهما الاعتراف بدولة فلسطين، في ظل سياق تاريخي واستعماري معقّد يعيد التذكير بدورهما في تقسيم المنطقة ودعم إسرائيل منذ تأسيسها.
ويشكك الكاتب في دوافع هذه الخطوة الغربية، مرجّحًا أن تكون مناورة سياسية لاحتواء الغضب الشعبي المتصاعد ضد إسرائيل بعد 7 أكتوبر 2023، أكثر من كونها تحولًا مبدئيًا. كما يستعرض العلاقات العميقة بين النخب الغربية والصهيونية، مقابل تصاعد مقاومة الشعوب.
ويؤكد تورك يلماز أن العامل الحاسم في تغيير موازين القوى سيكون موقف العالم الإسلامي، وخصوصًا الدور التركي المتصاعد في هذا السياق. وفيما يلي نص التقرير:
أعلنت فرنسا وبريطانيا تباعاً عن نيتهما الاعتراف بدولة فلسطين، وهي تصريحات تثير حتماً العديد من التساؤلات المشروعة حول دوافعهما الحقيقية. بل إن هذه التساؤلات يجب أن تتسم بنظرة تشككية عميقة، فكلا الدولتين كانتا طرفاً رئيسياً في اتفاقية "سايكس بيكو" التي وضعت الأساس للصراعات الحالية في المنطقة. ونتيجة لهذه الاتفاقية، قُسِّمت الأراضي العثمانية إلى دويلات صغيرة، مما مهد الطريق لقيام كيان إسرائيل. وقد أسست بريطانيا إسرائيل خلال ثلاثين عامًا، بينما تولت فرنسا مهمة دعم هذا الكيان الاستعماري الجديد بلا انقطاع. بل إن فرنسا هي من زودت إسرائيل بالسلاح النووي الذي جعل منها كياناً منيعاً.
بعد الحرب العالمية الثانية، حصلت إسرائيل على دعم هائل من الولايات المتحدة، وانطلقت بسياسة توسعية في فلسطين جعلتها تشكل مشكلة كبرى للبشرية جمعاء. كما تبين لاحقًا أن ألمانيا انضمت طوعًا إلى هذا النظام الاستعماري الجديد. ومع ذلك، فإن هذه الدول بنَت هذه البنية الاستعمارية في إطار أيديولوجي يرتكز على مبدأ معاناة اليهود. وحتى 7 أكتوبر 2023، لم يكن هناك عقبات كبيرة تعترض طريقهم، لكن منذ ذلك التاريخ ظهرت حقيقة النظام الذي بُني على مدى قرن من الزمن. فالدول الإمبريالية كشفت عن أعمالها القذرة فأصبحت واضحة للجميع. ومع ذلك، لم تستطع إسرائيل الصهيونية تحقيق النتائج التي تطمح إليها في قطاع غزة والضفة الغربية، إذ كانت أفعالها القذرة تجري أمام أنظار البشرية كلها يوميًا، وهو ما يبدو أنها لم تحسب له حسابًا. لذلك، ينبغي تقييم تصريحات فرنسا وبريطانيا حول اعترافهما بفلسطين والتي تحمل في طياتها تهديدات موجهة لإسرائيل، في هذا السياق.
كما يجدر التوقف عند علاقات الدول المذكورة بإسرائيل والتزامها بالصهيونية بشكل منفصل، فرغم اختلاف دوافعها، إلا أنها جميعًا مرتبطة بإسرائيل ضمن سياق واحد. فهذه العلاقات مع إسرائيل والصهيونية هي نتاج "عقل الدولة". وقد صرّحت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أن أمن إسرائيل جزء لا يتجزأ من عقل الدولة الألمانية. أما وزيرة الخارجية السابقة أنالينا بيربوك فقد أكدت أنه "طالما لم يتحقق أمن إسرائيل، فلن نتردد في استهداف المدنيين والمستشفيات، وهذه مسؤوليتنا". وخلافًا للاعتقاد السائد فإن بريطانيا دعمت العدوان التوسعي الإسرائيلي والإرهاب الاستيطاني بشكل أكثر وضوحًا، ومن المعروف أن كير ستارمر يتبنى موقفًا أكثر عدوانية، حيث أعلن صراحة أن "إسرائيل لها الحق في قطع الغذاء والماء والكهرباء عن غزة"، مما مهد الطريق أمام استخدام الجوع كسلاح للإبادة الجماعية.
لقد تعاملت هذه الدول مع إسرائيل على أنها استثمار مربح قرابة قرن من الزمن. وعبارة "الاستثمار المربح" تعود للرئيس الأمريكي السابق بايدن، لكن الفكرة التي تعبر عنها تتقاسمها النخب الحاكمة في الدول التي ذكرناها. ومع ذلك، نلاحظ غضبا شعبياً عارما ضد إسرائيل في شوارع هذه البلدان. وفي بريطانيا، يسعى جيريمي كوربين، الزعيم السابق لحزب العمال، إلى تأسيس حزب جديد نظرًا لموقفه المختلف تجاه القضية الفلسطينية، وهناك تقارير تشير إلى أن هذا الحزب يحظى بتأييد شعبي يعكس الرأي السائد في الشارع. إلا أنه يمكن القول إن النخبة الحاكمة لا تزال تدعم الصهيونية بشكل مستمر، ويبدو أن انقسامات مشابهة تحدث في الولايات المتحدة، ويشير ذلك إلى تفكك أيديولوجي، لكن هذا لا يعني تغيّرًا جوهريًا في سياسات بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا تجاه إسرائيل، فدعم إسرائيل ليس حكراً على النخب الحاكمة فحسب، بل يمتد إلى الأوساط الفكرية والأكاديمية أيضاً.
وفي مواجهة العدوانية التوسعية لإسرائيل ودعم الدول الإمبريالية لها، سيكون العامل الحاسم هو موقف تركيا والعالم الإسلامي. فعلى عكس المعتقدات والاتهامات السائدة، يخوض العالم الإسلامي مقاومة صامدةً ضد الإمبريالية. ولا يسعنا إلا أن نشيد بمقاومة الفلسطينيين التي أذهلت العالم أجمع بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. فمنذ ذلك التاريخ، انهارت الأساطير التي نسجت حول إسرائيل الصهيونية واحدة تلو الأخرى، وأصبح العالم كله يبدي ردود فعل غاضبة تجاه كل ما يتعلق بإسرائيل. كما اهتزت الهيمنة التي أرستها كل من بريطانيا والولايات المتحدة، إذ حطم الشهيد يحيى السنوار ورفاقه درع الحصانة التي تحتمي بها إسرائيل.
لقد بات واضحًا خلال العامين الماضيين أن فرنسا وبريطانيا لن تتخليا عن دعمهما لإسرائيل رغم انكشاف ممارساتهما القذرة، وستحاولان إنقاذ الوضع ودعم إسرائيل عبر مناورة مؤقتة، لكن إذا وصلت المعارضة الداخلية في هذه الدول إلى مستوى معينًا من القوة، فقد يتغير الوضع. كما أن تماسك العالم الإسلامي وتبنيه مواقف حازمة تجاه تلك الدول سيؤثر في مسار الأحداث.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!