
ترك برس
سلّط مقال للكاتب والباحث السوري "عمر كوش"، الضوء على أبرز النتائج التي جنتها سوريا من زيارة رئيسها أحمد الشرع، إلى مدينة نيويورك الأمريكية، لأول مرة منذ 58 عاماً، وذلك للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال الكاتب في مقاله على موقع "الجزيرة نت" إن زيارة الشرع لنيويورك "شكلت حدثا تاريخيا استثنائيا، حمل دلالات ورسائل متعددة، ومثلت محطة فارقة بالنسبة إلى السوريين، ومؤشرا على تحول كبير في مسار سوريا ما بعد نظام الأسد البائد".
وفيما يلي تتمة المقال:
وتابعها غالبية السوريين باهتمام بالغ بعد مرحلة صعبة وكارثية عاشوها في ظل نظام الاستبداد، فيما عوّل عليها كثيرون لتحقيق نتائج ومكاسب، يمكنها أن تنعكس على وضعهم المعيشي والاقتصادي، وخاصة رفع العقوبات التي تثقل كاهلهم.
أهمية الزيارة
حظيت الزيارة بأهميتها الخاصة، ليس فقط لأن الشرع أول رئيس سوري يخاطب الجمعية العامة منذ يونيو/حزيران عام 1967، بل لاعتبارات عديدة، أهمها:
1. أحدثت قطيعة مع العزلة الدولية لسوريا التي امتدت عقودا عديدة. يشهد على ذلك سلسلة اللقاءات الحافلة، التي جمعت الشرع مع العديد من رؤساء دول العالم، وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
إضافة إلى عقده عدة لقاءات جانبية هامة مع فعاليات مختلفة، ومشاركته في قمة كونكورديا العالمية.
2. شكل حضور الشرع إلى نيويورك مناسبة لإيصال صوت السوريين إلى العالم من على منبر الأمم المتحدة، حيث ألقى خطابا قدم فيه صورة سوريا الجديدة، التي تسعى إلى الاستقرار، وإعادة الإعمار، وبناء دولة القانون.
3. تمكن الشرع من توجيه رسائل مباشرة إلى غالبية زعماء العالم ورؤساء حكوماته، بوصفه زعيما سياسيا براغماتيا، ينصب همه على إعادة إعمار بلاده التي أوصلها نظام الأسد إلى وضع كارثي لا يطاق، وبناء علاقات حوار، وتبادل للمصالح مع دول الجوار والعالم، وطمأنة الجميع بأن سوريا الجديدة، لن تكون مصدر تهديد لأي من جيرانها وسواهم.
4. اكتست الزيارة أهمية من حيث التوقيت، كونها تتزامن مع الحراك العربي والدولي المرحب بالتحول السوري، وباتت حكومات العالم تراقب الخطوات التي تتخذها الإدارة الجديدة على المستويين؛ الداخلي والخارجي.
5. حظيت الزيارة بتغطية إعلامية واسعة، أسهمت في تسليط الضوء على الملف السوري، وإبراز الشرع كشخصية سياسية، تحظى باهتمام دولي، الأمر الذي أعطى الحدث بعدا رمزيا، حيث مثل نقطة تحول في مسيرة العلاقات السورية الدولية.
النتائج
تندرج الزيارة ضمن خطط وبرامج الإدارة الجديدة في رسم سياستها الخارجية، وإسماع العالم صوت السوريين، ورؤية بلادهم لمختلف القضايا العربية والدولية.
وجرى التحضير لها منذ مدة من خلال وضع برنامج غني. وبدأت بلقاء الشرع مع وفد من الجالية السورية في الولايات المتحدة؛ بغية التأكيد على دور الجالية في المشاركة في عملية البناء وإعادة الإعمار، وباعتبار أن السوريين في الخارج جزء لا يتجزأ من مشروع نهضة سوريا، الذي يتطلب توظيف خبراتهم وإمكاناتهم، خاصة فيما يتعلق بدعم مشاريع الاستثمار والتنمية، التي تعود بالفائدة على كل السوريين.
من المبكر معرفة نتائج الزيارة، فضلا عن أنه لم يكن متوقعا أن تحسم بشكل فوري كل الملفات المطروحة. ومع ذلك، يمكن تسجيل النقاط التالية:
أولا: سمع الشرع وعودا أميركية بالمضي في طي صفحة العقوبات، حيث شكلت الزيارة فرصة للقائه بمشرعين أميركيين، الأمر الذي يشي بأن هذا الملف سيشهد تطورات في المرحلة المقبلة.
ثانيا: لم تحسم الزيارة مسألة الاتفاق الأمني مع الطرف الإسرائيلي بالرغم من التقدم الحاصل في هذا الخصوص، وكذلك أيضا محاولات الوسيط الأميركي توم براك الدفع بهذا الاتجاه.
يبدو أن الجانب السوري لم يلبّ كل ما طلبته دولة الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة فيما يخص طلب إسرائيل فتح ممر بري إلى السويداء، الذي ترفضه سوريا.
بالمقابل، كشف الشرع أن "المرحلة الأولى من الاتفاق الأمني تهدف إلى إعادة إسرائيل إلى حدود هدنة 1974، بعد توغلها داخل الأراضي السورية. وإذا كانت لديها مخاوف أمنية فيمكن بحثها عبر وسطاء إقليميين ودوليين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة".
وهذا يتطلب من إسرائيل الانسحاب من الأراضي السورية التي تم الاستيلاء عليها منذ سقوط نظام بشار الأسد، ووقف انتهاكاتها وتوغلاتها في الأراضي السورية. ولا شك أن إسرائيل تماطل كعادتها، وتحاول ابتزاز الطرف السوري.
ثالثا: أظهرت تصريحات المسؤولين الأميركيين والأوروبيين، بعد لقاء الرئيس الشرع ووزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، وجود مؤشرات على انفتاح اقتصادي على سوريا، خاصة فيما يتعلق بقضايا الاستثمار ورفع العقوبات بالكامل عن سوريا، بما فيها قانون "قيصر".
فقد صرح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أنه ناقش مع الرئيس الشرع الأهداف المشتركة في سوريا، لجعلها مستقرة وذات سيادة، إضافة إلى الجهود المتواصلة لتحقيق الأمن والازدهار لجميع السوريين، وكذلك تنفيذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب التاريخي بشأن رفع العقوبات.
رابعا: اعتبر الشيباني أن تعزيز العلاقات، ورفع العقوبات، والتعافي الاقتصادي، كانت من أهم القضايا التي جرى مناقشتها خلال اللقاءات التي عقدها الرئيس الشرع مع المسؤولين الأميركيين والأوروبيين. ولم يخفِ الشيباني تفاؤله برفع كامل العقوبات عن سوريا، بما فيها قانون "قيصر".
خامسا: أكد كل من رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بعد لقاء جمعهما مع الشرع، التزام الاتحاد الأوروبي بزيادة حواره السياسي مع سوريا، وتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة، بالإضافة إلى دعم الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي من أجل إعادة إعمار سوريا.
اقتصاديا
عقد الشرع لقاءات اقتصادية هامة في نيويورك، كان أبرزها لقاءَه على طاولة مستديرة نظمتها غرفة التجارة الأميركية، وضمت ممثلي 39 شركة أميركية وعالمية، كان من بينها غوغل، مايكروسوفت، شيفرون، بكتل، بوينغ، ماستركارد، سيتي، فيزا، موتورولا، أبوت، بيبسيكو، شل، توتال إنرجيز، وأوبر.
وشكل اللقاء مناسبة لمناقشة فرص الاستثمار المتاحة في سوريا، والإمكانات الاقتصادية المتوفرة في مجالات التكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية والصحة.
إضافة إلى مشاركة الشرع الفاعلة بقمة كونكورديا، التي تعقد سنويا بالتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة، وضمت كبار المستثمرين والخبراء الاقتصاديين، وتناولت سبل إعادة الإعمار، وتعزيز الشراكات بين القطاعين؛ العام والخاص.
وتوجت فعاليات هذه القمة بالجلسة الحوارية الهامة واللافتة، التي أدارها المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية الجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس، مع الرئيس الشرع.
يمكن القول إن المشاركة في قمة كونكورديا شكلت منعطفا اقتصاديا كبيرا؛ لأنه جرى تقديم سوريا خلالها كوجهة استثمارية أمام الشركات والمستثمرين الأميركيين، وأتاحت للشركات الأميركية، وتلك العاملة في الولايات المتحدة، فرصة الاطلاع على الفرص الاستثمارية المتاحة في سوريا، إلى جانب فتحها قنوات اتصال مع الحكومة السورية.
لقد ركز الشرع، في إجابته عن سؤال الدور الأميركي في سوريا، على أن "هناك مصالح متطابقة، لا أقول متقاطعة، ما بين سوريا والغرب وأميركا في المرحلة الحالية، وأعتقد إذا أردنا أن نتكلم بلغة المصالح، فهناك أشياء كثيرة يمكن البناء عليها ما بين سوريا والولايات المتحدة والغرب بشكل عام".
وحاول الشرع طمأنة الجميع حول قضية الأقليات وحقوق الإنسان في سوريا الجديدة، مؤكدا أن كل من ارتكب انتهاكات سيقدم للعدالة، ومجددا التزامه بمحاكمة "كل من لُطخت يداه بالدم".
الحاصل
معروف أن أي ملف سياسي سيكون له تأثيرات مباشرة على الاقتصاد. إذ عندما تتمكن سوريا من حل قضاياها السياسية، على المستويين؛ الداخلي والخارجي، سينعكس ذلك إيجابا على نموها الاقتصادي، ويجعلها أكثر استقرارا وجذبا للمستثمرين.
ولذلك فإن من المهم التركيز أيضا على ترتيب البيت الداخلي السوري، عبر اتخاذ خطوات ملموسة لإشراك جميع السوريين في الإدارة الجديدة، وبما ينعكس على تقوية المجتمع السوري في مواجهة جميع التحديات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!