أنور الرواحنة - خاص ترك برس
قبل قرن من الزمان تقريبًا، شاءت الأقدار أن تمكنت "الحركة الاستعمارية-الغربية-الصهيونية" من إسقاط الخلافة العثمانية، الأمر الذي ما كان ليتم لولا "تمرد" حسين بن علي في المقام الأول بخروجه على الخلافة العثمانية بغطاء من قوات الاستعمار البريطاني (لغاية في نفس يعقوب).
"تمرد" حسين بن علي، الذي أسماه "الثورة العربية الكبرى"، أسهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تمهيد الطريق لسقوط أقطار الأمة كسقوط أحجار الدومينو، القطعة تلو القطعة، وما تلى ذلك من مؤامرات دُبرت بليل، ابتداءًا من مؤامرات "سايكس-بيكو"، و"سان ريمو"، و"وعد بلفور"، وصولًا إلى المؤامرات التي تسعى إلى إسقاط تركيا الجديدة وحلفائها في السعودية، وقطر، وسوريا، ودول ثورات الربيع العربي، وتيار "الإسلام السياسي المعتدل".
نعم، لقد تمكن المتآمرون، وعملائهم ("أنصاف الرجال") في المنطقة، في إسقاط الخلافة العثمانية بـ "طعنة خنجر غادر مسموم في الظهر"، ثم تقسيمها إلى "إقطاعيات ودويلات"، حتى وصل حال الأمة من الذل والهوان نتج عنه ما نتج من احتلال فلسطين، وعودة "الحركة الاستعمارية-الغربية-الصهيونية" بثوب جديد يدعى "الاستعمار الجديد".
فقد تمكن الاستعمار الجديد من فرض هيمنته على الكثير من الأنظمة العربية والإسلامية الحاكمة، من خلال تآمره على الأمة، وليس آخرها سعيه لإسقاط ثورات الربيع العربي بواسطة "الثورات المضادة"، ودعم الحركات الإرهابية في تركيا لتقويض نهضتها ونموها وازدهارها.
أما وقد انتهت الانتخابات البرلمانية في تركيا على عكس ما كان يتمناه المتآمرون، يعود الأمل من جديد إلى أبناء الأمة باستحضار أمجاد الأجداد في معارك "فتح القسطنطينية"، و"جالديران"، و"موهاكس"، وغيرها.
الذي انتصر في الانتخابات البرلمانية في تركيا ليس حزب العدالة والتنمية فقط، بل أيضًا تركيا الشعب والدولة، وفلسطين المحتلة، والسعودية، وقطر، والرئيس المصري محمد مرسي (فك الله أسره وصحبه)، وتيار "الإسلام السياسي المعتدل"، وأحرار الأمة الإسلامية وشهدائها... لا بل الذي إنتصر أحرار العالم وحرائره على مختلف انتمائتهم وانتمائتهن السياسية والفكرية والعقائدية والمذهبية والعرقية والقومية، ممن ساندوا تركيا في "كبوتها" ("ولكل جواد كبوة").
ألا وقد انتصرت الأمة الإسلامية، وأحرار العالم وحرائره، في الانتخابات البرلمانية في تركيا، يعود "العثمانيون الجدد" ("الرجال الرجال")، أحفاد محمد الثاني الفاتح، وياووز سليم الأول، وسليمان القانوني، وعبد الحميد الثاني وغيرهم، إلى صدارة الأمة من جديد ليثبتوا أن تركيا عصية على المارقين على الأمة والمتآمرين عليها، لا بل عصية على الانكسار والسقوط، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بإذن الله.
بمنطق إيماني راسخ، أو بمنطق ميتافيزيقي إن شئتم، لقد قدر الله وأحدث أمرا في أفول نجم الخلافة العثمانية، ثم صعود نجم "العثمانيين الجدد"، الأمر الذي ذكرني في بعض أبيات الشعر التي قرائها الرئيس أردوغان أمام جمع من الحضور، أنقلها كما كانت مترجمة:
(لا تقولن إنه هو القدر...
فهناك قدر ما بعد قدر...
مهما فعلوا ودبروا فلن يجدي نفعًا...
ثمة قرار ينزل من أعماق السماء...
ما الضير وإن كانت الشمس قد غابت...
فهناك من يعمر عتمة الليل مهما طالت...
إن احترقت فهناك أسوار من رمادي قد بُنيت...
وانتصارات عند كل هزيمة نمت وعلت...)
نعم أيها الطيب أردوغان، لقد أحدث الله قدر، ولكن كان هناك قدر ما بعد قدر، ونصر بعد هزيمة. فتدبير المتآمرين ("أنصاف الرجال") لم يجدِ نفعًا، فقد جعل الله كيدهم في نحورهم وتدميرهم في تدبيرهم.
لقد كان ربك لمكر المتآمرين لبالمرصاد بوعده الحق "يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين". فبعد عتمة الليل التي طالت، لقد عاد "العثمانيون الجدد" ("الرجال الرجال") بانتصار جديد، الذين سيقودون به تركيا والأمة من جديد بالحق والعدل والعزة والكرامة، بإذن الله، وهذا ما ستجيب عليه الأيام، وإن غداً لناظره قريب... والله أعلم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس