علي حسين باكير - صحيفة العرب القطرية
المواطن التركي قال كلمته مرّة أخرى، النتائج كانت باهرة وبخلاف كل التوقعات. لقد أعطى الناخب التركي درسا هاما لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية، دافعا إياه لتصحيح الأخطاء التي ارتكبها سابقا، ليعود ويحظى مرة أخرى بدعم الأغلبية في ترسيخ للسابقة التاريخية التي كان أوّل من حققها سابقا عند فوزه في انتخابات عام 2002، والمتمثلة بتشكيل الحكومة التركية بشكل منفرد.
الفيصل كان صندوق الاقتراع، وليس انقلابا عسكريا، أو حربا دموية. حزبيا، لا شك أن فوز الحزب يعني التجديد لمشروعه وللرؤية التي يمتلكها (تركيا 2023)، ستعود أولوياته إلى الصعود مجددا، ورغم أنه لا يمتلك الأغلبية التي تخوله تعديل الدستور أو طرحه للاستفتاء، إلا أنه سيكون من الممكن التوصل إلى صيغة كهذه مستقبلا، إن من خلال مد اليد إلى الآخرين، أو من خلال تسويات مع حزب الشعب الجمهوري أو حزب الشعوب الديمقراطية الكردي؛ إذ يمتلك الأخير العدد الكافي من المقاعد لجعل هذا الهدف يتحقق إن حصلت تسوية كبيرة في المستقبل.
أمّا الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات فقد كان حزب الحركة القوميّة، الذي فقد حوالي نصف مقاعده في البرلمان، ليتحوّل إلى المرتبة الرابعة والأخيرة. لقد كان بإمكان الحزب أن يلعب دورا هاما ومحوريا بعد انتخابات يونيو 2015، إذ إنه كان يتمتع بموقع يخوّله أن يدفع باتجاه حكومة أقلية يقودها حزب العدالة والتنمية، لكنّه رفض ذلك في مشهد مزر لمعارضة لا تمتلك مشروعا أو رؤية سوى الرفض، فرفضه الناس.
أمّا حزب الشعوب الديمقراطية فقد نجا واستطاع دخول البرلمان متجاوزا عتبة الـ%10 المطلوبة بـ%0.5. لقد نجا الحزب بأعجوبة، لكنّ فقدانه حوالي %3 من الأصوات يعطي مؤشرا كبيرا على حجم التراجع خلال فترة قصيرة جدا. من المفترض أن يؤدي ذلك إلى تنفيس حالة التضخم التي أصابت المكون الكردي بعد النتيجة التي حصل عليها في انتخابات يونيو الماضي، ولا شك أنه سيكون مضطرا الآن للدخول في مفاوضات سلام، عاجلا أم آجلا، لاستعادة ثقة قاعدته. من الجيد أنه بقي في البرلمان بهذه الصورة وإلا فإن خروجه كان سيؤدي إلى تزايد العنف وفقدان الأمل بالعملية السياسية، هذا على الأقل أحد أوجه الإيجابيات.
على الصعيد الإقليمي لا شك أنّ ما حصل هو درس مهم جدا لكل دول المنطقة، درس مفاده أنه لا استقرار ولا ازدهار من دون أن يتاح لإرادة الشعب التعبير عن نفسها بحريّة عبر صندوق للاقتراع، عبر مشاريع وبرامج سياسية، وليس عبر القتل والتدمير والتخريب والانقلابات.
الرابح الأكبر من هذه الانتخابات هو تركيا كدولة، تركيا كشعب. لا شك أن وضع الحكومة سيكون أقوى وسيتيح لها هذا المضي قدما إلى الأمام داخليا وخارجيا. على الصعيد الداخلي من المتوقع أن تؤدي حالة الوضوح في النتائج إلى استقرار سياسي واقتصادي، وأن يدفع ذلك إلى تخفيف الاستقطاب الاجتماعي والتعامل مع التحديات الأمنيّة بشكل أفضل وأسرع وأكثر فعالية.
على صعيد السياسة الخارجية، لا شكّ أن أيدي تركيا لم تعد مغلولة أو مقيّدة كما في المرحلة السابقة، تستطيع الآن البحث في المزيد من الخيارات، وسيكون لديها المجال للمناورة وللتحدي مدعومة بشرعيّة داخلية. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تسريع التعاون الإقليمي مع عدد من الدول في طليعتها المملكة العربية السعودية وقطر، ولا شك أن موقع هذه الدول سيكون أفضل في الأزمة السورية بعد هذه النتائج.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس