علي حسين باكير - صحيفة العرب القطرية
لا شك أن إسقاط تركيا الطائرة المقاتلة الروسية يعد سببا كافيا لمن هو مصاب بجنون العظمة في موسكو لكي يشرع في إجراءات ذات طابع انتقامي، هذا مفهوم من هذه الزاوية، لكن ما بين موسكو وتركيا لاسيما بخصوص الملف السوري أكبر من مجرد موضوع إسقاط طائرة، ولهذا السبب بالتحديد، فقد تركز الرد الروسي على تركيا بشكل أساسي في سوريا.
هناك أربعة أسباب رئيسية على الأقل برأيي تجعل استعداء موسكو لتركيا ومحاولة تقويض وضعها في سوريا أولوية لدى إدارة الرئيس بوتن، ذلك أن بقاء الموقف التركي على حاله سيؤدي في نهاية المطاف إلى فشل الدور الروسي هناك. فإن خدش إسقاط الطائرة الروسية هيبة موسكو الدولية، فإن فشل دورها في سوريا بعد الرمي بثقلها العسكري سيكون بمثابة ضربة قاضية لصورتها الذاتية عن ثقلها الدولي لاسيما العسكري، وهذا ما تخشى منه موسكو حقيقة وليس أي شيء آخر. أما الأسباب الأربعة، فهي:
أولا: موقف تركيا من المعارضة السورية المسلحة: منذ انطلاق العمليات العسكرية الروسية على الأراضي السورية بشكل مباشر، لاحظت جميع الدول المهمة المعنية بالملف السوري أنه وبخلاف ادعاءات موسكو باستهداف «داعش»، فإن من يتم استهدافهم هم المعارضة السورية المسلحة المعتدلة. بطبيعة الحال هذا الأمر لا يأتي في سياق مصادفة أو خطأ في الإحداثيات وإنما بشكل مقصود ومتعمد من قبل موسكو وهدفه الأول والأساسي وقف التقدم الذي كان يحصل ضد ما تبقى من معاقل النظام ودفع هذه المجموعات إلى طاولة المفاوضات مع الأسد من موقف ضعيف.
ما حصل أن تركيا لا تزال تقف حجر عثرة أمام هذا الطرح، فبموازاة القصف الروسي للمعارضة المعتدلة، قامت تركيا بزيادة الدعم المقدم لهذه الفصائل لاسيما في الشمال، وقد أفقد ذلك زخم الهجوم الروسي لأنه لم يؤد حتى الآن إلى إجبار هذه الفصائل على تحقيق ما تريده موسكو.
ثانيا: المقاربة التركية الجديدة بخصوص مكافحة داعش: جميعنا يعلم كيف قامت الولايات المتحدة وإيران وروسيا باستخدام ذريعة «داعش» لتحقيق أهداف ذاتية غير معنية بمعالجة المشكلة الحقيقة في سوريا والعراق، كما تم استخدام موضوع «داعش» كوسيلة للالتفاف على المطلب الحقيقي للثائرين في البلدين ولزيادة الضغط على الدول التي تدعمهم لاسيما تركيا.
وأمام الضغط الهائل الذي تتعرض له تركيا لتغيير أولوياتها من الإطاحة بالأسد إلى مكافحة تنظيم داعش، قررت تركيا مع حلفائها الإقليميين مؤخرا تقديم تصور جديد يقوم على ضرورة تأهيل ودعم بعض الفصائل لاسيما في الشمال في معارك مع تنظيم «داعش» لإنهاء تواجده على اعتبار أن ذلك سيشرع هذه الفصائل وسيحميها من إمكانية إدراجها على لائحة الإرهاب التي تريدها موسكو وسيؤمن لها أيضاً دعماً عسكريا وجويا من التحالف الدولي باعتبارها تخوض حربا ضد «داعش» كما يفعل الآخرون، وهذا ما سيؤدي في النهاية إلى إعطائها موقعا متقدما ضد نظام الأسد.
لقد أزعجت هذه المناورة التركية موسكو بشكل كبير خاصة أنها تؤدي في نهاية المطاف إلى إفراغ الجهود الروسية في تصنيف المعارضة السورية إلى جماعات إرهابية من مضمونها، كما أنها تلتف على محاولات موسكو عزل المعارضة السورية المعتدلة واستهدافها عسكريا بحجة أنهم إرهابيون أو متطرفون، والأهم أنها تؤدي فعليا إلى قطع الطريق على «داعش» وهو ما لا تريده موسكو في ظل التركيز على تخيير الناس بين الأسد وبين «داعش».
ثالثا: التمسك بمعارضة بقاء الأسد: لطالما رددت موسكو على مسامع الجميع بأنها غير متمسكة بالأسد شخصيا، وأنها تسعى إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية. لقد قامت تركيا ومعها السعودية في اجتماعات فيينا الأخيرة باختبار هذه المقولة الروسية أمام الجميع، وقد تعهد الطرفان بالعمل على وقف فوري لإطلاق النار في سوريا وبغض النظر عن بقاء الأسد ثلاثة إلى ستة أشهر إذا قامت روسيا بإصدار بيان صحافي تقول فيه إن الأسد سيرحل في نهاية هذه المدة، لكن موسكو رفضت ذلك ما اضطرها إلى كشف نواياها الحقيقية حيال الأسد بشكل مبكر وهو الأمر الذي قوض أيضاً مساعيها لاستخدام هذا الموضوع كرافعة في المفاوضات.
رابعا: الرؤية التركية- السعودية المشتركة: من الواضح جدا أن التعاون التركي- السعودي في المنطقة آخذ بالتطور لاسيما في الملف السوري. وتحول الدولتان حاليا دون قدرة موسكو على تحقيق ما تريده في الملف السوري. والمشكلة الروسية مع هاتين الدولتين أنهما تعتمدان سياسات أكثر ذكاءً مؤخرا تتفادى من خلالها المواجهة المباشرة لاسيما العسكرية ولكنها تحمل معها نتائج تقوض من الجهد الروسي وهذا يضع موسكو في موقف حرج أمام نفسها وأمام حلفائها وأمام العالم.
موسكو تعلم جيدا أنها لا يمكن أن تستمر في حملة عسكرية جوية لأمد طويل، وتستهدف تركيا والسعودية دعم المعارضة المسلحة بما يمكنها من الصمود أكثر وقت ممكن أمام الحملة الروسية، ولذلك فكلما مر المزيد من الوقت دون أن تحقق موسكو هدفها ازداد التوتر لديها وقلت خياراتها وأصيبت عنجهيتها العسكرية بأزمة ذاتية وانتهى دورها المخطط له في سوريا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس