جلال سلمي - خاص ترك برس

منذ استلام حزب العدالة والتنمية لمقاليد الحكم عام 2003 وحتى عام 2010، والإطار العام للسياسة الخارجية التركية محاط بعدة مبادئ أهمها؛ تصفير المشاكل، تنويع العلاقات السياسية والاقتصادية، تقديم السياسة الناعمة على سياسة التحالفات العسكرية الخشنة في رسم السياسة الخارجية وغيرها من المبادئ.

ولكن مع اندلاع شرارة شعلة الثورات العربية الربيعية، شرعت تركيا في انتهاج سياسة الدعم المفتوح لثورات الربيع العربي، وهذا ما أدى إلى تغيير العديد من المبادئ الخاصة بالإطار العام لسياستها الخارجية فتحول مبدأ تصفير المشاكل إلى مبدأ الغرق في العديد من المشاكل، وتأثر مبدأ تنويع العلاقات السياسية والاقتصادية سلبًا وأصبحت تركيا تعيش في حالة عزلة بعد تناقض سياستها مع سياسات العديد من الدول الإقليمية والدولية، فمثلًا فقدت علاقاتها القوية مع كافة دول الخليج باستثناء قطر، وتدهورت علاقاتها السياسية والاقتصادية المتبادلة مع روسيا تارة، وتأزمت علاقاتها مع الولايات المُتحدة الأمريكية تارة أخرى.

وفي هذا الإطار، تُشير الباحثة والصحافية السياسية "باهار باكير"، في مقالها "تحركات ساخنة في السياسة التركية الخارجية تشمل كافة الجبهات"، نُشر في صحيفة "خبر ترك"، 17 شباط/ فبراير 2016، إلى أن تأزم القضية السورية وانقلاب تداعياتها على المصالح التركية التكتيكية والاستراتيجية بشكل انعكاسي، شكلت المنبه الذي ساق تركيا لإجراء تغييرات نشطة في سياستها الخارجية، مبينةً أنه بفعل سياسة الدعم المفتوح أصبحت تركيا في حالة انعزال قاتلة، وللتخلص من هذه الحالة رأت تركيا أن من الصواب اتباع سياسة التوافق مع الأطراف الدولية والإقليمية كبديل لسياسة الدعم المفتوح الفردية.

وتتابع باكير موضحةً أن عزلة تركيا بلغت أشدها عقب إبداء الولايات الأمريكية المُتحدة سياسة المراوغة في تعاطيها مع خططها تجاه سورية، فلاحظت القيادة التركية أن من الصواب في ظل هذه العزلة المظلمة، السعي إلى تطوير علاقتها مع بعض الأطراف التي تدهورت علاقتها معها بسبب سياستها السابقة، فبدأت بتطوير علاقاتها مع المملكة العربية السعودية ذات الثقل الأقوى في الشرق الأوسط، وإن كان لاختلاف سياسة الملك سلمان عن سياسة الملك الراحل عبد الله باع في تطور العلاقات المتبادلة، إلا أن سعي تركيا لإعادة إحياء علاقتها مع الدول التي تدهورت علاقتها معها، عشية انتهاج سياسة الدعم المفتوح، لعب دورًا أساسيًا في إعادة اللحمة لهذه العلاقات المتدهورة.

ومن جانبه، يبين الباحث السياسي "ساردار تورجوت" أن عدم اتضاح الموقف السياسي للولايات المُتحدة الأمريكية وتداهم الخطر الاستراتيجي ضد المصالح التركية في سورية، دفعا تركيا إلى إحياء علاقتها الحميمة مع بعض دول الشرق الأوسط، لتلافي حالة العزلة الدولية التي أصبحت عُرضة لها، نتيجة مواقفها المساندة للثورات في عدد من بقاع الوطن العربي.

ويضيف تورجوت أن من الأمثلة على محاولات تركيا لتغيير مسار سياستها الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط:

ـ زراعة بذرة الود مع العراق: حيث اجتمع سفير تركيا لدى العراق "فاروق قاي مقامجي" مع وزير الخارجية العراق "إبراهيم الجعفري" الأسبوع المنصرم، وأهدى مقامجي إلى الجعفري ورود الألفة، وأكد الطرفان خلال اجتماعهما على ضرورة نبذ الخلافات "المذهبية" والاتجاه نحو اتباع سياسة توافقية لطمس الإرهاب المتغلغل في المنطقة وإنعاش العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري على وضعه السابق وبشكل أفضل، وفي نهاية الاجتماع أكد الجعفري لمقامجي تجهيزه لزيارة شاملة متعددة الاتجاهات لتركيا في القريب العاجل.

ـ إرسال الحمام الزاجل برسالة أخوة إلى البحرين: تدهورت العلاقات التركية الخليجية، باستثناء قطر، بشكل حاد، عقب اختلاف الرؤى السياسية للطرفين تجاه انقلاب السيسي في مصر، ولكن في الآونة الأخيرة، عاد قطار العلاقات التركية السعودية إلى سكته الصحيحة، وتُعد المملكة العربية السعودية المُحرك الأساسي لجميع العلاقات الرابطة بين الخليج والدول الأخرى، فعقب تحسن العلاقات التركية السعودية، أرسلت البحرين، الأسبوع الماضي، رسالة الأخوة إلى وزارة الخارجية التركية، تدعو فيها وزير الخارجية "مولود تشاووش أوغلو" إلى زيارة المنامة، للتشاور في عددًا من القضايا المُشتركة، ويتوقع أن يشد تشاووش أوغلو رحاله إلى البحرين في نهاية الشهر الجاري، ويُتوقع أن تشمل زيارته البحرين والكويت وسلطنة عُمان، وكما يتوقع أن يحل الملك البحريني "عيسى آل خليفة" ضيفًا على تركيا في أعقاب زيارة تشاووش أوغلو.

ـ مصر "المهمة الأصعب": عارضت تركيا وبشدة الانقلاب العسكري في مصر، والذي قاده السيسي في تموز/ يوليو من عام 2013، وأكدت القيادة التركية آنذاك، على لسان رئيس الوزراء التركي السابق "رجب طيب أردوغان"، على رفضها القاطع أي عملية تطبيع مع النظام الانقلابي في مصر، ولكن تتناقل ممرات الخارجية التركية في الفترة الحالية، قطع الحكومة التركية شوطًا طويلًا لإعادة تطبيع العلاقات مع مصر، حيث تسعى الحكومة التركية إلى تطبيع علاقتها مع مصر من خلال تنشيط العلاقات الاقتصادية، ومن ثم التوجه للصعود السياسي بشكل متدرج.

لا خيار لتركيا تجاه مصر وغيرها العديد من الدول الأخرى التي تشهد علاقتها تدهورًا حادًا مع تركيا، سوى الاحتكام لسياسة التوافق معهم ونبذ الخلافات السياسية الحادة لإعادة العلاقات السياسية والاقتصادية إلى نصابها السابق، مع التحفظ على المواقف السياسية التي تراها تركيا صائبة ومحقة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!