مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس
لا شك أن تركيا تواجه حلفًا خماسيًا يضم كلًا من روسيا وإيران والأسد وحزب الاتحاد الديمقراطي وداعش بسبب دعمها لثورة السورية اللامحدود.
يحاول هذا الحلف- أو القوى الظلامية كما يصفها بعض الكتاب الأتراك - جهده إقصاء تركيا من القضية السورية بإشغالها بشؤونها الداخلية وتحريك خنجر حزب العمال الكردستاني في الجسد التركي، عبر الهجمات الإرهابية التي تعرفها تركيا، كلما شددت الخناق على هذا التحالف، وأفشلت أجندته ومخططاته الاستعمارية التي تستهدف الأمن القومي التركي ومصالح تركيا بالمنطقة، والقضاء على الثورة السورية واحتلال سوريا وصنع "الفوضى الخلاقة" بالشرق الأوسط التي تحلم بها الولايات المتحدة والتي اختار رئيسها في كلتا ولايتيه سياسة "التقهقر" وإفراغ الساحة لروس من أجل تصفية المعارضة من خلال دعهما لحزب الاتحاد الديمقراطي اللامشروط، واستمرار قصفها الجوي الهمجي للثوار والمدنيين والبنية التحية الصحية بسوريا.
لا شك أن أمريكا اخترت هذا المسار على حساب حليفها في النيتو "تركيا"، وكذلك على حساب حليفها الخليجي "المملكة العربية السعودية".
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "نريد أن نعلم من صديق أمريكا حزب الاتحاد الديمقراطي أم تركيا؟ لا يمكن تصنيف الإرهاب على أساس إرهابي سيء وإرهابي جيد، الإرهاب واحد، من يدعم حزب الاتحاد الديمقراطي، وينتقد تنظيم داعش، لا يمكن الوثوق بجديته". عن الحساب الرسمي للرئيس أردوغان.
لقد كان الرئيس أردوغان واضحا في انتقاده للإدارة الأمريكية وخذلانها للثورة السورية وحلفائها في المنطقة بسياستها المتخاذلة الضعيفة، والتي جعلت صوت روسيا هو المسموع، وطعنت تركيا من الخلف بدعم منظمة إرهابية كحزب الاتحاد الديمقراطي بزعم قتالها لتنظيم إرهابي آخر "تنظيم داعش".
ولقد حذرت تركيا أمريكا من مواصلة دعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، لأن ذلك الدعم العسكري به يقتل الجنود الأتراك في جنوب شرق تركيا.
ووقع الذي حذرت منه تركيا فها هو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وقوات حماية الشعب لم يتأخرا عن إظهار الوجع الذي خلفه قصف الجيش التركي لمواقعهم في سوريا، فكان تفجير أنقرة الأربعاء 17 فبراير/ شباط 2016 في "شارع المراسيم" بـ"حي الدولة" بقلب أنقرة والذي استهدف حافلة عسكرية تقل جنودًا أتراكا ما خلف مقتل 28 شخصا وعشرات المصابين.
هذا العملية الإرهابية تختلف عن باقي العلميات الإرهابية التي استهدفت تركيا في الشهور الماضية، فرمزية مكان الحادث والهدف الذي قصدته السيارة المفخخة، يوضح أن الأيدي الإرهابية التي خططت ونفذت التفجير كانت مدعومة من جهات استخباراتية خارجية سهلت وقوع الحادث الإرهابي الأليم.
لذا كانت تصريحات القادة الأتراك مختلفة عن التصريحات التي أعقبت التفجيرات الإرهابية السابقة.
قال الرئيس أردوغان: "لتركيا الحق الكامل في الدفاع عن سيادة أراضيها، كما أن لها الحق في توسيع رقعة الدفاع عن سيادتها الوطنية وتنفيذ العمليات التي تراها لازمة لصد كافة التهديدات التي تطالها من كافة المنظمات الإرهابية سواء المنتشرة في سوريا أو في أماكن أخرى... وأن تركيا في موضع الدفاع المشروع عن نفسها، عقب تفجير أنقرة الإرهابي، ولا يمكن لأحد منع تركيا من ممارسة حقها المشروع في الدفاع عن نفسها وأن هذا الحق ليس له أي صلة بحقوق سيادة الدول الأخرى، إنما على العكس تماما، متعلق بإرادة تركيا في الحفاظ على حقوق سيادتها الوطنية… وأنها ستوسع رقعة الدفاع عن سيادتها الوطنية وفقا لقواعد الاشتباك، ضد كافة المنظمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا"، عن وكالة الأناضول.
المشترك بين هذا التصريح والتصريحات السابقة أن تركيا ستسمر في محاربة الإرهاب بجميع أشكاله وفرقه، وأنها مستمرة في ردع الإرهاب حتى يدفن أسلحته في التراب، والمقصود هنا حزب "بي كي كي" و"بي يي دي" الإرهابيين وتنظيم داعش كذلك.
لكن جديد هذا التصريح أن تركيا ستدافع عن نفسها وحقوق سيادتها الوطنية إذا اقتضى ذلك توسيع رقة هذا الدفاع، وهذا النوع من الخطابات يكون موجها لدولة أو دول، مما يعني أن تركيا إذا رأت أن دخول قواتها إلى سوريا ضروري لحفظ حقوق سيادتها الوطنية وأمنها القومي ومصالحها، فإنها لن تتأخر.
وهذا يؤكد الأخبار التي تشير إلى أن استعداد الجيش التركي للتدخل قد يكون محدودا أو غير ذلك، من أجل ردع الأطراف التي تحاول العبث بجغرافية تركيا وسيادتها وأمنها، وخصوصا أن التنسيق التركي- السعودي بلغ درجة غير مسبوقة، ووصول الطائرات السعودية إلى قاعدة إنجيرليك دليل قرب عمل بري داخل سوريا قد ينفذه التحالف التركي- السعودي.
وهذا ما يفهم من تصريحات التالية:
قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن إن "الهجوم الإرهابي الذي شهدته العاصمة أنقرة سيؤثر في موقف تركيا من الحرب الدائرة في سوريا".
وقال جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي: "إن السعودية وتركيا مستعدتان لخوض الحرب البرية، في أية لحظة لمحاربة تنظيم داعش".
لقد وصلت تركيا لقناعة أن أمريكا لن تكون ركنا يمكنها الاعتماد عليه في محاربة الإرهاب وضمان أمنها،وحليفا يحفظ مصالحهما المشتركة بالمنطقة، لذا قررت أن تتحرك خارج الأجندة الأمريكية، ووجدت في السعودية حليفا يعاني من الخذلان الأمريكي نفسه.
تعامل أمريكا مع حلفائها (تركيا والسعودية) في المنطقة بمنطق غير منطقي: "عدو صديقي، صديقي" أو "عدو حليفي، حليفي"، ففي الحالة التركية، أمريكا تقدم الدعم العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب، وتعدّهما حليفين وليس إرهابيين، وفي الحالة السعودية تبرم أمريكا اتفاقًا مع إيران، رآه المحليون والخبراء تفويضا أمريكيا لإيران للقيام بدور شرطي المنطقة من جديد، على حساب السعودية وباقي دول الخليج، يؤكد أن الحليف الوحيد لأمريكا في المنطقة هو الكيان الصهيوني المحتل فقط، وباقي تحالفاتهم "تحالفات مؤقتة".
أمام تركيا تجربة التدخل السعودي في اليمن- رغم ما تعرف من تعثرات وصعوبات- والذي حدَ نوعا ما من السيطرة الكاملة للحوثيين على اليمن وتهديد الأمن القومي السعودي، وعلى تركيا أن تقدم على تدخل محسوب في سوريا وإلا سترى "قنديل ثانية" على حدودها مع سوريا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس