د. وسام الدين العكلة - خاص ترك برس
كُتب الكثير عن التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" قبل أيام في ولاية "كيليس" جنوب البلاد حول نية الحكومة التركية منح الجنسية للاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية. وحاولت الكثير من الجهات داخل تركيا وخارجها استثمار هذه التصريحات لتحقيق أهداف سياسية معينة والتحريض ضد حزب العدالة والتنمية، بل أن قنوات فضائية عربية أثارت جدالاً واسعاً وخصصت حلقات مطولة وتحليلات للآثار السلبية التي قد تنجم عن خطوة الحكومة التركية على مستقبل سوريا من الناحية الديموغرافية في الوقت الذي لم نسمع صوت مثل الجهات والقنوات المسيسة تتحدث عن منح النظام السوري جنسية البلاد للمجرمين الذين يقتلون أبنائها ليلًا نهارًا من الإيرانيين أو العراقيين أو اللبنانيين أو حتى الأفغان وغيرهم.
كما لم نسمع صوت هذه الجهات عندما صادق البرلمان الإيراني قبل شهرين على قانون يمنح الجنسية لعوائل المجرمين الذين يقاتلون لصالح نظام الملالي في سوريا والعراق واليمن وغيرها، وسعيه لتغيير التركيبة السكانية في الكثير من المناطق السورية خاصةً في ريف دمشق وحلب وحمص، وما إخراج المدنيين من الزبداني ومضايا برعاية إيرانية وبمباركة الأمم المتحدة إلا دليل صارخ على ذلك.
من الناحية الواقعية يبدو أن تصريحات السيد أردوغان تستند على أسس قانونية حيث تعمل اللجنة القانونية في البرلمان التركي على إضافة بعض البنود الخاصة بمنح الجنسية التركية لفئات معينة من اللاجئين السوريين المسجلين ضمن لوائح الحكومة التركية لتحقيق مجموعة من الأهداف تصب في النهاية ليس في صالح هؤلاء، بل أيضًا في صالح الحكومة والشعب التركي على حدا سواء.
فمن شأن تطبيق التعديلات الجديدة بعد إقرارها من البرلمان أن تسهم في اندماج اللاجئين السوريين في المجتمع التركي ووقف هجرة أصحاب الخبرات والشهادات والمهارات العليا إلى خارج تركيا، والاستفادة منها واستقطاب الخبرات السورية الموجودة في الدول الأخرى خاصةً من أصحاب رؤوس الأموال والتجار ورجال الأعمال للمساهمة في النهضة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
لا شك أن الحصول على الجنسية التركية حلم يراود الكثير من السوريين في تركيا ليس حبًا في تعدد الجنسيات، بل للتخلص من الكثير من المشكلات والعقبات التي تواجههم يومياً على كافة الأصعدة والتخلص من نظام الحماية المؤقتة "الكملك" سيء الصيت الذي حشروا فيه رغماً عن إرادتهم، وبدء حياة جديدة تضمن لهم كرامتهم الإنسانية بعيدًا عن مظاهر الاذلال التي نشاهدها يوميًا أمام دوائر الهجرة للحصول على "الكملك " أو إذن للمغادرة من ولاية لأخرى ودون أن يتخلوا عن جنسيتهم الأصلية التي سلب النظام منهم أهم جوانبها القانونية وهي الحصول على الوثائق الرسمية التي تثبت هذه الجنسية من جوازات السفر إلى بقية وثائق الأحوال المدنية واضطرار الكثير منهم للجوء إلى مكاتب التزوير للحصول على ما يثبت شخصيتهم.
المشكلة الحقيقية هي أن بعض الجهات داخل تركيا تحاول استثمار أي قرار تتخذه الحكومة التركية لصالح اللاجئين السوريين للتجييش ضد حزب العدالة والتنمية وتصوير الأمر فقط على أنه سعي حزب العدالة للحصول على أصوات اللاجئين السوريين في الانتخابات، وهذا الأمر مخالف للواقع وفيه استهزاء بعقول الشعب التركي.
فلو افترضنا جدلاً تجنيس مليون سوري خلال السنوات الخمس القادمة وهو ما يفوق القدرة الفنية والإدارية لوزارة الداخلية التركية لدراسة ملفات هذا العدد الكبير من المتقدمين والبت فيها فأننا سنحصل بعد انقضاء هذه المدة على حوالي 500 ألف صوت من أصل نحو 60 مليون ناخب تركي وهذا الرقم ضئيل جداً ولا يمكن التعويل عليه كثيرًا في تغيير النتائج الانتخابية إذا ما افترضنا أن جميع هؤلاء سيشاركون في عمليات الاقتراع والتصويت لصالح حزب العدالة والتنمية.
لكننا نعتقد أن هناك أهداف اقتصادية واجتماعية، طبعاً إضافة للجانب الإنساني، تسعى حكومة العدالة والتنمية تحقيقها من وراء هذا القرار وعلى رأسها تشجيع الاستثمار والمساهمة في التنمية البشرية والاقتصادية التي تشهدها البلاد. وفي حال تم المضي قدماً في تنفيذ هذا القرار سيزداد عدد الشركات التجارية والصناعية عشرات الاضعاف (يوجد الآن أكثر من 6000 شركة سورية مسجلة في تركيا) كما سيتم استقطاب رؤوس أموال كبيرة من الخارج وأول نتائج القرار هي السماح للحاصلين على الجنسية بالتملك والاستثمار العقاري وهذا كله سينعكس ايجابًا على سوق العقارات الذي يعتبر الأول في تركيا وسيساهم في توفير فرص عمل لآلاف الشباب التركي والسوري على حد سواء.
كما سيفتح المجال أمام عشرات الآلاف من الطلاب لإكمال دراستهم الجامعية والعليا ويسهم في انخراط الأكاديميين السوريين في الجامعات التركية، والسماح للأطباء والصيادلة وأطباء الاسنان بمزاولة أعمالهم بشكل قانوني وتنشيط الأعمال التجارية والصناعية من خلال تأسيس المصانع والمعامل والحد من المخالفات القانونية والتهرب الضريبي التي يلجأ إليها الكثيرين حالياً وهو ما ينعكس في نهاية المطاف لصالح الخزينة العامة التركية.
أخيرًا، لا شك أن تنفيذ هذا المشروع سيواجهه الكثير من العقبات والمشكلات الفنية والقانونية والإدارية بعضها يتعلق بعدم امتلاك الكثير من اللاجئين السوريين لوثائق أصلية وعدم القدرة على الوقوف على حقيقة الوضع الأمني لكثير منهم لكن منح الجنسية للشرائح الأساسية من هؤلاء سيكون له نتائج إيجابية تفوق النتائج السلبية خاصةً إذا ما تم السماح بازدواجية الجنسية وعدم اجبارهم على التخلي عن جنسيتهم الأصلية، أو فقدانهم الجنسية التركية في حال قرروا العودة إلى سوريا مستقبلًا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس