أمل بارلار دال - ذا كونفرزيشن البريطاني - ترجمة وتحرير ترك برس

يزداد الخلاف يوما بعد يوم بين تركيا والاتحاد الأوروبي. من وجهة النظر التركية لم تكن محاولة أنقرة الطويلة والمتعرجة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، التي بدأت في عام 1987، أقل احتمالا مما هي عليه اليوم.

وقد استدعى الرئيس رجب طيب أردوغان النازية في خضم انتقاداته لنظرائه الأوروبيين، وألقى الخلاف الذي وقع في الآونة بين الحكومة التركية ورئيس الوزراء الهولندي، مارك روتي، بسبب حملة الدعاية التي يقوم بها وزارء أتراك في روتردام، بظلاله على الانتحابات الهولندية التي جرت في الخامس عشر من مارس/ آذار.

لم يكن هذا سوى حلقة أخيرة من تاريخ طويل في صراع هزيمة الذات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، لكن الأزمة الدبلوماسية في هذه المرة تتجاوز المشاعر الأوروبية المناهضة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وتتعلق أيضا بالتحولات الاجتماعية والسياسية الجارية في الاتحاد الأوروبي نفسه.

المحاولة التركية للانضمام إلى الاتحاد

بعد علامات مبكرة ايجابية، توقفت عملية الانضمام الى الاتحاد الأوروبي فى عام 2006 عندما تم تنفيذ بروتوكول إضافي يتعلق بتقسيم قبرص، حيث طلب الاتحاد من تركيا فتح موانئها ومطاراتها أمام السفن القبرصية.

قسمت قبرص في عام 1974 بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك، وانضم القبارصة اليونانيون إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004 بوصفهم الممثلين الوحيدين للجزيرة كلها، بينما يعيش القبارصة الأتراك في عزلة في جمهورية شمال قبرص التي لم تعترف بها سوى أنقرة.

في عام 2011، اقترحت مفوضية الاتحاد الأوروبي جدول أعمال إيجابيا لانضمام تركيا إلى الاتحاد، لكن بسبب الإرهاق الذي أصاب أوروبا جراء توسيع الكتلة والأزمات الاقتصادية والسياسية العديدة التي كانت تواجهها، توقفت عملية انضمام تركيا بسرعة مرة أخرى.

وبحلول عام 2015، أعيد تنشيط عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في تركيا، في الوقت الذي كانت تزداد فيه هجرة اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي. بيد أن البرلمان الأوروبي عاد واقترح في عام 2016 تجميدا مؤقتا للمحادثات.

فقدان الثقة

لم يعد الاتحاد الأوروبي اليوم نفس ما كان عليه عندما سعت تركيا في أول الأمر الانضمام إليه. فبالنسبة إلى تركيا تراجعت الُمثل الأوروبیة؛ لأن بعض الدول الأوروبیة تبنت على نحو متزايد کراهیة الأجانب، والإسلاموفوبيا والمشاعر المناهضة للهجرة.

وقد نوقشت هذه القضايا كلها التي ترتبط بتركيا بطريقة أو بأخرى في سياق انضمام تركيا إلى الكتلة. كما يثير الأوروبيون مخاوف بشأن تركيا، خاصة بعد إعلان حالة الطوارئ في أعقاب محاولة الانقلاب الساقط في 15 يوليو/ تموز العام الماضي.

يرى الاتحاد الأوروبي أن بعض التدابير المتخذة أثناء حالة الطوارئ تثير مشاكل حول حرية التعبير وسيادة القانون في تركيا. تتساءل أوروبا عما إذا كانت البلاد تمر بحالة نكوص عن الديمقراطية.

وفي الوقت نفسه، كان رد فعل أوروبا الضعيف بعد الانقلاب الساقط مزعجا لصانعي السياسة التركية وللرئيس أردوغان، فقد التزم كثير من القادة الأوروبيين الصمت  أثناء الحدث وفي أعقابه مباشرة. وكانت إدانة المسؤولين الأوروبيين في وقت لاحق لمحاولة الانقلاب غامضة، وانتظروا شهرين لزيارة أنقرة.

وعلاوة على ذلك، فإن إخفاق بعض دول الاتحاد الأوروبي في دعم القيم الأوروبية في سياق الربيع العربي، وأزمة اللاجئين قد كشف عن محدودية قدرة الاتحاد الأوروبي على التكيف مع الظروف المحلية والإقليمية والعالمية المتغيرة.

كرر القادة الاتراك القول بأن مشكلة اللاجئين هى أزمة انسانية، محذرين من أن رؤية الاتحاد الأوروبي للاجئين بوصفهم تهديدا أمنيا ليس حلا.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي لم يبدأ الاهتمام بأزمة اللاجئين إلا عندما بدأ يتأثر مباشرة، فقد كانت بعض الدول الأوروبية، وألمانيا تحديدا، أول من فتح حدودها ودمجت اللاجئين. ولذلك فإن المشكلة الرئيسة لا تتعلق بمشاعر أوروبية مشتركة مناهضة للاجئين، بل بالأحرى عدم وجود استجابة أوروبية منهجية ومشتركة لأزمة تطرق أبواب الاتحاد.

الآخر والقومية المتطرفة في أوروبا

يرى الأتراك أن الوضع يزداد تعقيدا بسبب السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي التي طالما نظرت إلى تركيا بوصفها "الآخر" الموجود في فنائها الخلفي.

وخلال فترة العلاقات الإيجابية في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، رُفض هذا الموقف على نطاق واسع، لكن بعض قادة الاتحاد الأوروبي استخدموا تركيا أخيرا أداة سياسية، ووبنوا رأيهم الرافض بشدة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي استنادا إلى رؤية تركيا بوصفها الآخر.

وقد أعاقت المشاكل المحلية والإقليمية التي تواجهها تركيا - والأهم من ذلك تصور الاتحاد الأوروبي لها -  إمكانية إقامة علاقة مستقرة مع الاتحاد الأوروبي، وخلق خريطة طريق جديدة لتركيا للانضمام إلى الكتلة الأوروبية.

وثمة جزء آخر لهذا اللغز "الآخر" هو صعود الأحزاب القومية المتطرفة في أوروبا، من الجبهة الوطنية في فرنسا، وحزب البديل في ألمانيا، إلى حزب الحرية في هولندا.

وقد صارت المعارضة لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي مفيدة لبعض العواصم الأوروبية في حشد الدعم المحلي في عصر الشعبوية اليمينية. ومن ذلك على سبيل المثال، المناقشات  التي دارت حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي خلال التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفي الانتخابات الهولندية والنمساوية.

ومن المرجح أن يعزز هذا الخطاب المناهض لتركيا قوة الأحزاب الأوروبية المتطرفة من حيث الحصول على مزيد من أصوات الناخبين الأوروبيين المتشككين والمناهضين لتركيا. على أن تلبية الغرائز القومية يجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي الدفاع عن مصداقيته الديمقراطية، وإصدار حكم على الديمقراطية في تركيا.

وأخيرا، فإن ذلك يضر بالطابع المؤسسي والرسمي للعلاقات بين البلد المرشح، تركيا، والمنظمة الدولية، الاتحاد الأوروبي. إن الخلافات السياسية بين الدول الأعضاء تحول بين الاتحاد الأوروبي وبين العمل شريكا محتملا موحدا ومتسقا.

إن الدول التي تتمتع بعلاقات مؤسساتية مع الاتحاد الأوروبي، مثل تركيا، تضطر الآن إلى التعامل مع كثير من القادة الأوروبيين الذين تتباين آراؤهم ،وجميعهم يمثلون الاتحاد الأوروبي فضلا عن تمثيلهم مختلف التحولات المحلية في بلدانهم.

أرضية عقلانية مشتركة

إن إخراج عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي عن مسارها سيكون له انعكاسات سلبية، فهو يفصل المجتمع التركي عن المجتمعات الأوروبية، ويقطع الروابط الاجتماعية والتاريخية والثقافية القائمة بين الجانبين، ولم يتبق اليوم من العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا سوى شبكة مفككة من المؤسسات.

على أن ذلك لا يخدم مصلحة أي من الطرفين، فمن مصلحة تركيا المباشرة أن تعيد العلاقات المتقدمة في الماضي إلى المسار الصحيح، وأن ترسم إطارا متجددا يقوم على القيمة المشتركة للديمقراطية داخل الاتحاد الأوروبي. وينبغي للطرفين أيضا أن يعززا التفاهم المتبادل من خلال البحث عن إمكانيات زيادة الاندماج بدلا من اللعب على وتر كراهية الأجانب والإقصاء.

وعلى المدى القصير، يمكن للتعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي أن يساعد أوروبا على إدارة نتائج الأزمة السورية إدارة أفضل.

وبالنسبة إلى لاتحاد الأوروبي، فإن تركيا المستقرة والديمقراطية والمزدهرة في محيطها تمثل ضمانة للتنمية الاقتصادية لدول الاتحاد وأمنها وديمقراطيتها. والأهم من ذلك على المدى الطويل أن هذا التعاون العقلاني من شأنه أن يعيد الحياة من جديد للإيمان بالنزعة الدولية في عصر يتسم بتصاعد القومية والشعبوية.

عن الكاتب

أمل بارلار دال

استاذة العلاقات الدولية في جامعة مرمرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس