أ. محمد حامد - خاص ترك برس
تمثل شرائح العلويين والأكراد والعلمانيين في تركيا مجموعات اجتماعية كبيرة لها ثقل مهم في نتيجة الاستفتاء على التعديل الدستوري الذي سيجرى يوم الأحد. وقد أجرى مركز الدراسات السياسية والديمقراطية (بوديم) وهو مركز بحثي مستقل في إسطنبول، ثلاث دراسات استقصائية سعت إلى فهم وجهات نظر هذه الشرائح الثلاثة بشأن التعديل الدستوري من خلال معرفة موقفها من محاولة الانقلاب العسكري في العام الماضي، ومن حالة الطوارئ التي أعقبته، وأخيرا موقفها من الاستفتاء على الدستور.
المشاعر أثناء محاولة الانقلاب وبعدها
لقي إحباط محاولة الانقلاب العسكري ترحيبا كبيرا في الأوساط العلوية والعلمانية والكردية، وكلها تصف ما حل بها من خوف خلال تلك الليلة.
من جانب العلويين كان الخوف كبيرا بشكل خاص، وكان رد فعلهم الانغلاق على أنفسهم، وتصرفوا بحذر في تلك الليلة لتجنب استهدافهم في أي نزاع جماعي محتمل. ومع ذكريات الإيذاء التي تعرضوا لها بعد انقلاب عام 1980، شعروا أنهم من المرجح أن يعانوا من العواقب في الفترة التالية.
ظهرت آراء أكثر تنوعا بين الجمهور العلماني. في فترة ما بعد 15 تموز/ يوليو، لوحظت ثلاثة اتجاهات مختلفة بين المستطلعين العلمانيين. الأول هو التوحد على طول الخط القومي. وكان الاتجاه الثاني وجود مخاوف بشأن تزايد الاتجاه المحافظ. وكان الاتجاه الثالث يأسا واضحا من المستقبل.
واستنادا إلى ردودهم، شعرت المجموعة العلمانية أيضا بالشك والخوف في ليلة الانقلاب نفسه، واتخذت في الغالب موقف البقاء في الداخل. وقد أشار بعض المستطلعة أراؤهم إلى أنه كان ينبغي لهم الخروج إلى الشوارع، في حين رأى آخرون أن ما حدث في تلك الليلة كان نتيجة لخطوات الحكومة السياسية الخاطئة، وأنه ما كان ينبغي دعوة الناس إلى الخروج للشوارع.
ومن بين الذين نزلوا إلى الشوارع لمعارضة محاولة الانقلاب جاءت أكبر حصة من أنصار حزب العدالة والتنمية وقاعدتهم الدينية المحافظة.
وتكرر هذا النمط في مدينة ديار بكر التي يغلب عليها الطابع الكردي. وتشير الدراسة الخاصة بديار بكر إلى أن المتظاهرين في الشوارع كانوا في الأساس من مؤيدي حزب العدالة والتنمية ومؤيدي حزب القضية الحرة، وهو حزب إسلامي نشط في المجتمع الكردي.
وهنا يبرز النهج النقدي للمجتمع الكردستاني تجاه حزب الشعوب الديمقراطي (هدب) حيث انتقد المستطلعة آراؤهم رد فعل الحزب "لننتظر ونرى رد الفعل لمحاولة الانقلاب" الأمر الذي ضيع فرصة اتخاذ موقف واضح في نظر الجمهور.
آراء حول حالة الطوارئ
تؤكد نتائج هذه الدراسات الثلاث حقيقة أن حالة الطوارئ المطبقة في أعقاب الانقلاب الساقط أدت إلى حالة من عدم الارتياح بين العلويين وبعض الكرد والقطاعات العلمانية في المجتمع. ومن المهم ملاحظة أن بعض الكرد المستطلعة آراؤهم قالوا إن محاولة الانقلاب "تستخدم لإخماد المعارضة في المجتمع"، في حين ينظر الأكراد الآخرون إلى حالة الطوارئ نظرة مختلفة، ويرون أنها تساعد على تحطيم نفوذ حزب العمال الكردستاني في المنطقة. وقال أحد المستطلعة آراؤهم "إن الناس هنا سعداء بحالة الطوارئ التي كسرت هيمنة البي كي كي".
ورأى معظم المستطلعة آراؤهم أن الفترة الحالية خلقت مصاعب للاقتصاد التركي. وجاء في الدراسة الخاصة بالقطاع العلماني، فإن البعض يصف الاضطراب بأنها مؤقتة، ويقولون إن الانتعاش السريع ممكن، في حين يشير آخرون إلى أنه مع استمرار القضايا العالمية والإقليمية كما هي، فإن الانتعاش الاقتصادي في تركيا لن يكون سهلا.
الموقف من الاستفتاء الدستوري
لا يبدو أن الاستفتاء القادم يعني الكثير بالنسبة لكثير من العلويين الذين يبدو أنهم غير مبالين إلى حد كبير بالتغيير الدستوري. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى اعتقادهم بأنه لن يكون هناك فرق في حياتهم بعد الاستفتاء. وقال أحدهم إن المشكلة الحقيقية هي كيفية إقامة الفصل بين السلطات، وكيفية ضمان استقلال المحاكم. إن عدم وجود هذه التفاصيل هو مشكلة.
ويبدو أن هذا الشعور باليأس تجاه المستقبل قد انعكس في تفضيل العلويين للأحزاب السياسية، إذ يرى قطاع منهم أن حزب الشعوب الديمقراطية قد فقد فعاليته، في حين أن معظم العلويين الذين قد يستمرون في دعم حزب الشعب الجمهوري لا يتوقعون أن يحقق هذا الحزب آمالهم.
وهناك تشاؤم مشابه إلى حد ما نجده في القطاع العلماني من المجتمع التركي، حيث يعتقد هؤلاء أن نتائج استفتاء 16 نيسان/ أبريل وما تتبعه من سياسيات ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت المصالحة الاجتماعية في تركيا ستكون ممكنة أم لا.
وشكك العلمانيون المستطلعة آراؤهم في أن الاستفتاء، بغض النظر عن النتيجة، سيساعد تركيا على تجنب أزمة القيادة، أو التغلب على التحديات التي يواجهها الاقتصاد التركي، أو يساعد في مكافحة الإرهاب.
ويلاحظ في داخل الشريحة العلمانية حالة من الغضب الشديد تجاه دولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية، وقال أحد العلمانيين المستطلعة آراؤهم إن حزب الشعب الجمهوري لا يلهم كثيرا من الأمل في التغيير الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بانقسام حزب العدالة والتنمية نفسه، وليس أمامنا إلا انتظار حصول هذا الانقسام.
في المقابل تظهر صورة أكثر تباينا بين الأكراد الذين شملهم الاستطلاع، ويمكن تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات مختلفة: مؤيدو حزب الشعوب الديمقراطية، وهم يميلون إلى التصويت بلا، وناخبو حزب العدالة والتنمية الذين يؤيدون التغيير الدستوري، وإن كان بعض مؤيدي العدالة والتنمية من الأكراد يشعرون بالمرارة من شراكة الحزب مع حزب الحركة القومية في الاستفتاء، أما الفريق الثالث فهم المترددون الذين لم يحسموا رأيهم بعد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس