سيث فرانتسمان - جيروزاليم بوست - ترجمة وتحرير ترك برس
في صباح يوم الثلاثاء قصفت الطائرات التركية القوات الكردية في جبل سنجار في شمال العراق. ووفقا للتقارير الأولية، فقد استهدفت المقاتلات التركية القواعد التي يستخدمها حزب العمال الكردستاني، وحليفته وحدات حماية الأيزيدية "شنكال". وأسفر هذا الهجوم أيضا عن مقتل خمسة من قوات البشمركة الكردية - القوات المسلحة لحكومة إقليم كردستان - وجرح تسعة آخرين.
وترى بعض الأصوات في حكومة إقليم كردستان، ولا سيما من الحزب الديمقراطي الكردستاني، بأن وجود حزب العمال الكردستاني في سنجار يهدد بتقويض الحكومة الإقليمية، ووجهت اللوم إلى حزب العمال الكردستاني على سقوط ضحايا.
في ورقة بحثية نشرها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في 12 أبريل/ نيسان، قال فابريس بالانش إن سنجار يمكن أن تكون ضرورة استراتيجية لمنطقة روجوفا الكردية في سوريا بوصفها ممرا للتجارة إلى العراق وإيران. هذا القول هو جزء من سرد أكبر يرى المخططات الإيرانية في سنجار على أنها جزء من "الهلال الشيعي" الذي يربط طهران بسوريا. وبهذا المعنى، يمكن أن يكون القصف التركي جزءا من سباق إقليمي كبير في سنجار.
على أن الواقع على الأرض أكثر مأساوية، حيث ما يزال الآلاف من اللاجئين الأيزيديين في جبل سنجار لاجئين، حيث قتلت داعش نحو خمسة آلاف من الأيزيديين في عام 2014، ويريد مئات الآلاف العودة إلى ديارهم في سنجار، لكنهم يريدون البنية التحتية والأمن. يصعد التدخل التركي من التوترات ويزيد من صعوبة عودة اللاجئين.
تريد تركيا أيضا أن ترسل رسالة أعمق إلى الولايات المتحدة في سوريا. ففي حين تنوي الولايات المتحدة شن هجوم على مدينة الرقة مستعينة بقوات سوريا الديمقراطية "قسد" فإن تركيا تريد أن تظهر أنها ستتصرف دون عقاب ضد حزب العمال الكردستاني أو وحدات حماية الشعب فى سوريا أو العراق، وأن طائراتها ستتجاوز الوجود الأمريكي إذا لزم الأمر.
كانت تركيا تحضر للتدخل في سنجار منذ ستة أشهر. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2016، حذر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من أن سنجار "لن تكون قنديلًا جديدًا".
يذكر أن قنديل هي منطقة جبلية فى شمال العراق، حيث توجد معسكرات لحزب العمال الكردستاني تشن عليها تركيا ضربات جوية في إطار حربها على الحزب. وتحتفظ تركيا بقواعد عسكرية صغيرة فى شمالى العراق منذ التسعينيات تستخدمها للقيام بغارات ضد حزب العمال الكردستاني.
ولفهم ما يحدث في شمال العراق، علينا أن نضع في حسباننا عدة أمور. استأنفت تركيا حربها ضد حزب العمال الكردستاني في عام 2015، مما أدى إلى حظر التجول في بعض المدن الكردية وقتل ما يقدر بنحو 2400، من بينهم مئات من أفراد الجيش التركي وأكثر من 1000 من أعضاء حزب العمال الكردستاني.
تجدر الإشارة إلى أن حزب العمال الكردستاني يقاتل تركيا منذ عقود، وأنشأ قواعد له عبر الحدود فى شمالي العراق. وفي الوقت نفسه نجد أن الحزب الكردي الرئيس في حكومة إقليم كردستان، الحزب الديمقراطي الكردستاني، يكن كراهية كبيرة تجاه حزب العمال الكردستاني، ودخل في حرب معه خلال عقد التسعينيات. يضاف إلى ذلك أن اقتصاد حكومة إقليم كردستان يرتبط ارتباطا وثيقا بتركيا، ويتمتع الحزب الديمقراطي الكردستاني بعلاقات دافئة نسبيا مع تركيا.
عندما زار رئيس حكومة إقليم كردستان، مسعود بارزاني، تركيا في فبراير/ شباط، وضع الأتراك العلم الكردي في الاجتماع. وكانت هذه إشارة إلى بغداد بأن تركيا تدعم منطقة الحكم الذاتي الكردية. وتسعى المنطقة الكردية إلى الاستقلال عن طريق استفتاء يجري هذا العام، وتحتاج إلى دعم دولي، مثل الدعم الذي تقدمه تركيا جارتها القوية في الشمال. خلال الحرب مع داعش، أنشأت تركيا قاعدة عسكرية إلى جانب قوات البشمركة في بعشيقة، لأن أنقرة تريد حماية السنة والتركمان في شمال العراق، وكانت تتعاون في ذلك مع حكومة إقليم كردستان.
عندما اجتاح داعش شمال العراق، كان من أفظع عملياته الهجوم على سنجار في أغسطس/ آب 2014، حيث قتل بعض أعضاء الأقلية اليزيدية، واستعبدوا آلاف النساء الأيزيديات، وفر الناجون إلى الجبل. وعندها دخلت ميليشيات العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب إلى سنجار.
وقد أدى ذلك إلى نشوء حالة استولى فيها حزب العمال الكردستاني وميليشيا YBS الأيزيدية على أجزاء من غرب سنجار وبعض المناطق على طول الحدود السورية، بينما هاجمت البيشمركة في إقليم كردستان داعش من الشرق.
عندما أجبر تنظيم داعش على الخروج من معظم سنجار في ديسمبر/ كانون الأول 2015، بقيت الانقسامات. وقام كل جانب بتجنيد الأيزيديين المحليين في ميليشيات عسكرية. وبحلول آذار/ مارس من عام 2017، انضم العديد من الأيزيديين إلى البيشمركة، ووقعت عدة اشتباكات بين قوات البيشمركة وحزب العمال الكردستاني وميليشيا YBS الأيزيدية.
يشكل الأكراد السوريون جزءا من البيشمركة، الأمر الذي يجعلها مزيجا غريبا، لأن حزب العمال الكردستاني في سنجار غالبا ما يحصل على الإمدادات والدعم عن طريق سوريا، حيث يتمتعون بعلاقات دافئة مع وحدات حماية الشعب. وفي هذا الصراع تكون الحدود بين سوريا والعراق وتركيا غير واضحة في بعض الأحيان.
أما السياق الأوسع للصراع فهو أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يدعم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التابعة لوحدات حماية الشعب في الاستيلاء على مدينة الرقة من داعش في سوريا، الأمر الذي يمكن أن يحبطه تدخلٌ تركي أكبر في العراق وسوريا.
من وجهة النظر الإقليمية تدخل الهجمات التركية في سنجار العراق وفي ديريك بسوريا في إطار نفس الصراع. ترى تركيا نفسها بأنها تقاتل حزب العمال الكردستاني في تركيا والعراق وسوريا. وبالنسبة إليها، فإن وحدات حمایة الشعب، وقوات سوريا الديمقراطية، وميليشيا YBS الأيزيدية ھي جزء من مظلة حزب العمال الکردستاني الأکبر.
في منطقة غارقة في الاضطرابات، وفي خضم هزيمة داعش التي تتحقق ببطء، والعديد من اللاعبين الذين يبحثون عن دور في شمال العراق وشرق سوريا، تأتي الضربات الجوية التركية في سنجار لتشعل مزيدا من التوتر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس