عمر الدغيم - خاص ترك برس
شهدت الأعوام ما بين 1921 - 1928م في تركيا سلسلة إجراءات وتغييرات جذرية وراديكالية قام بها مصطفى كمال أتاتورك في سياق مخطط هادف لإنشاء المجتمع المتنور ذي الطراز الغربي المنسجم مع الدولة العلمانية الحديثة (الجمهورية التركية) التي أسسها وقد كان هو وأنصار تياره أي الكماليون يرون أن هذا أصبح ضرورة حتمية لا تقبل الإهمال والإمهال متبعين بذلك سياسة وضع العربة أمام الحصان أي بدلا من إقناع المجتمع بالتدريج لتقبل المرحلة والإصلاحات الجديدة يجب سوقه بالقوة لاعتناق المبادئ وقواعد الفكر الجديد وحمله على تطبيق القوانين والالتزام بنمط العيش الحديث والمتحضر .. ولعل أشدها وقعا وتأثيرا إلغاء السلطنة 1922م ويليه إلغاء الخلافة العثمانية 1924م التي استمرت لقرون فكان من الطبيعي في المقابل أن ينتج عن هذه الأفعال رد فعل مقابل من طرف العامة والشعب وخصوصا الكتلة الدينية المحافظة وزعامتها في الأناضول ذات الطابع الصوفي في الغالب.
ومن أبرز وجوه وشخصيات المعارضة في تلك الفترة سعيد بيران وسعيد النورسي الملقب ببديع الزمان وهما كرديان مخضرمان فقد عايشا أفول الإمبراطورية والخلافة العثمانية وولادة الجمهورية التركية ونهوضها وعلاوة على الاسم والأصل الذي اشتركا فيه فقد كان لكلاهما مكانة اجتماعية كبيرة فالأول زعيم عشيرة كردية ومرشد طريقة صوفية ورثها عن والده النقشبندي والثاني عالم كبير وداعية مجدد ذاع صيته واشتهر فصار الشخصية الدينية الأولى في الأناضول وكما كان لهما دور وأعمال ونشاطات سياسية سابقة لا مجال لذكرها الآن ولكننا بصدد دراسة موقفهما من التغيير الحاصل في المجتمع والدولة الوليدة والمقارنة بينهما ..
لقد اجتمع الرجلان في الفكرة والغاية وهي الحفاظ على الوجه الإسلامي للمجتمع التركي ولدولته لكنهما اختلفا في الوسيلة والطريقة والمنهج المتبع لتحقيق ذلك فسرعان ما جمع سعيد بيران أتباعه وأنصاره وجلهم من الكرد وحشد لانتفاضة وثورة مسلحة.. الأمر الذي دفع الحكومة التركية لإعلان حالة الطوارئ في البلاد وخصوصا في الولايات والمناطق التي شملها العصيان أو التمرد كما اعتبرته ... وكان الأمر المفاجئ أنه ورغم محاولات سعيد بيران لإقناع سعيد النورسي بالانضمام إلى الثورة لإعطائها شرعية أكبر ولما لبديع الزمان من تأثير ومكانة كان الرد بالرفض القاطع بل وأدانها واعتبرها حربا بين المسلمين وتفريقا للصف وخاطب وفد سعيد بيران قائلا : " إن ما تقومون به من ثورة تدفع الأخ لقتل أخيه ولا تحقق أية نتيجة فالأمة التركية قد رفعت راية الإسلام وضحت في سبيل دينها مئات الألوف بل الملايين من الشهداء فضلا عن تربيتها ملايين الأولياء لذا لا يسل السيف على أبناء الأمة البطلة المضحية للإسلام وأنا أيضا لا أسله عليهم" وذلك رغم أنه كان من أشد المعارضين لنظام الحكم الجديد وقوانينه وإصلاحاته وصرح بذلك في خطاب له ألقاه في أنقرة عام 1922 في مجلس المبعوثين بحضور مصطفى كمال نفسه حيث وجه انتقاداته ونصائحه واستهل كلمته بقوله : " يا أيها المبعوثون إنكم مبعوثون ليوم عظيم ".
استمر الحراك المسلح لسعيد بيران وأنصاره الذين بلغ عددهم على أكثر تقدير 20000 رجل عدة أشهر ولكن لسوء حظهم فقد تمكن الجيش التركي من محاصرتهم من الشرق والجنوب الشرقي وقطع الطرق عليهم وأغلق المنافذ ثم شن هجمات قوية على مناطق تمركز مسلحي التمرد وقلص من مجالهم الجغرافي إلى أن انتهى الأمر بالقبض على سعيد بيران وقادته الآخرين وحوكموا وأعدموا في 30 أيار من عام 1925 م.
لم يحدث التمرد المسلح الذي قاده سعيد بيران وبعض زعماء العشائر تهديدا وخطرا ضد الدولة بقدر ما أنه وعلى العكس يمكننا أن نعتبر أنه خدم القادة السياسيين في تلك الفترة وأصحاب السلطة من رجالات التيار القومي والعلماني وأعطاهم فرصة ومبررا للشروع بإجراءات وإصدار قرارات أكثر تشددا وصرامة فقد وفر التمرد المادة الإعلامية والدعائية المطلوبة في ذلك الوقت لإثارة النعرة الطورانية عند الأتراك القوميين بوصفها وتصويرها لتمرد سعيد بيران بأنه تمرد قومي كردي يهدف إلى إقامة دولة للأكراد وتقسيم الجمهورية التركية المنشأة حديثا فهو بالتالي ضد سيادة الأمة التركية على أرضها وحقها التاريخي ..
ومن ناحية أخرى فقد استغل الحدث لتعزيز مبدأ العلمانية دستوريا وقانونيا وتشريعه فقد أصدر مجلس العموم في البرلمان التركي في 25 فبراير تعديلًا للمادة (1) من قانون العقوبات عن خيانة الوطن والذي نص على : "منع تكوين المنظمات السياسية على أُسس دينية، وكذلك استخدام الدين في سبيل تحقيق الأهداف السياسية، واعتبار الأشخاص القائمين بمثل هذه الأعمال أو المنتسبين إلى مثل هذه التنظيمات خونة".
كم أنه لم يشفع لسعيد النورسي رفضه الانضمام إلى حركة سعيد بيران فقد قضى فيما بعد ثلاثين عاما في السجن والمنفى في عدة مدن تركية أشهرها بارلا وقسطموني وضيق عليه وعلى طلبته وتلاميذه الذين عرفوا بطلبة النور وسيق إلى محاكم مختلفة بتهم ودعاوى شتى أبرزها العمل ضد النظام العلماني وتسييس الدين ومحاولة تأسيس حزب ديني ووصل بعضها إلى اتهامه بادعاء النبوة ولكن لم تستطع أي محكمة أن تثبت هذه التهم أو أن تدينه مما كان يضطرهم في كل مرة أن يخلوا سبيله ولكن مع الحجر عليه وعزله عن الناس ونفيه إلى أماكن شتى ولكن بديع الزمان استمر في تأليف رسائل النور التي بدأ في كتابتها بريعان شبابه وهي تفسير للقرآن الكريم من وجهة نظره رد فيها على دعاوى الملحدين والمشككين وأكد فيها على صلاحية تطبيق المبادئ القرآنية في شتى المجالات والصعد وفي كل زمان ومكان وعمل طلابه بكل جد وإخلاص رغم الصعاب والعقبات الكثيرة على نسخها ونشرها في أنحاء الأناضول وإيصالها لكافة فئات الشعب التركي ..
ولخصت رسائل النور فكر بديع الزمان سعيد النورسي ومنهجه فقد كانت دعوته للناس بالحكمة والموعظة الحسنة وركزت على القيم العقائدية والأخلاقية الإسلامية كالعدالة والرحمة والحرية والصدق وواجهت حملة التغريب الشديدة والمفاجئة ومحاولة فصل الدين لا عن الدولة فقط بل عن الحياة في زمنه ..
وقد نرى بشكل جلي أثر هذه الرسائل وثمرة هذه الشجرة التي زرعها النورسي بصبر ونضال وكفاح طويل هو وطلبته في المجتمع التركي بكل طبقاته وبكافة فئاته ولا يمكن نكران أنها ساهمت في الحفاظ على جزء كبير من الكتلة المحافظة والمتدينة وتحصين الكثير من الشباب المسلم والنساء أيضا إلى يومنا هذا ... وإذا كانت الأحزاب المحافظة واليمينية في تركيا وعلى رأسها العدالة والتنمية تحوز على الأغلبية في كل الانتخابات التي جرت وأخرها انتخابات 24 حزيران فإن الفضل بعد الله يعود إلى الجماعة النورية أتباع سعيد النورسي وغيرها من الجماعات والطرق الصوفية التي استطاعت أن تحافظ على الصبغة الإسلامية لدي الشعب التركي ولعبت دورا كبيرا في تعزيز القيم الدينية ومفاهيم العقيدة في أوساط أهالي الأناضول بشتى انتماءاتهم ونتج عن ذلك كتحصيل حاصل أغلبية شعبية محافظة تنتخب الإرادة السياسية التي تعكس رغبتها وإرادتها وتوصل الممثل الحقيقي للشعب والأمة إلى السلطة وتملكه مقاليد الحكم .
نستطيع أن نختم بالقول إن السيف ليس في كل الحالات أصدق إنباء من الكتب وقد " ينجز النور مالم تنجز النار" وبإسقاط هذا على ما نعيشه اليوم وأخص الربيع العربي وثوراته ومع علمنا بأن الشعوب العربية الثائرة حملت السلاح مجبرة لا مختارة ومع يقيننا بحقها المشروع في الدفاع عن نفسها إلا أننا نجد أن الطغاة قد استفادوا من جر الثورات من الطور السلمي إلى المسلح وأعطاهم مبررات أكبر للزيادة في القمع والوحشية وأدخلوا الشعوب الثائرة في متاهات كثيرة ورهنوا قرارها للجهات الداعمة وروجوا لسلعة اليوم وموضة العصر (الحرب على الإرهاب) عدا عن الأضرار والتي لا حصر لها على كافة المستويات والصعد التي لحقت بالحاضنة المدنية للثورة .. فهل لنا أن نعي من خلال التجربة وما مرت به ثورات الربيع العربي من تقلبات أن الحراك السلمي المصحوب بإصلاح الفرد والمجتمع فكريا وأخلاقيا وتهيئة الأرضية المناسبة لهذا الحراك وتغيير العقلية التي ترعرت خلال عقود من حكم أنظمة الفساد والإفساد شرط أساسي لاستمرار الكفاح ضد أكل أشكال الطغيان والاستبداد وجزء لا يتجزأ من عملية الانتقال إلى دولة ديمقراطية ومدنية تضمن حرية وكرامة مواطنيها .
شهدت الأعوام ما بين 1921 - 1928م في تركيا سلسلة إجراءات وتغييرات جذرية وراديكالية قام بها مصطفى كمال أتاتورك في سياق مخطط هادف لإنشاء المجتمع المتنور ذي الطراز الغربي المنسجم مع الدولة العلمانية الحديثة (الجمهورية التركية) التي أسسها وقد كان هو وأنصار تياره أي الكماليون يرون أن هذا أصبح ضرورة حتمية لا تقبل الإهمال والإمهال متبعين بذلك سياسة وضع العربة أمام الحصان أي بدلا من إقناع المجتمع بالتدريج لتقبل المرحلة والإصلاحات الجديدة يجب سوقه بالقوة لاعتناق المبادئ وقواعد الفكر الجديد وحمله على تطبيق القوانين والالتزام بنمط العيش الحديث والمتحضر .. ولعل أشدها وقعا وتأثيرا إلغاء السلطنة 1922م ويليه إلغاء الخلافة العثمانية 1924م التي استمرت لقرون فكان من الطبيعي في المقابل أن ينتج عن هذه الأفعال رد فعل مقابل من طرف العامة والشعب وخصوصا الكتلة الدينية المحافظة وزعامتها في الأناضول ذات الطابع الصوفي في الغالب.
ومن أبرز وجوه وشخصيات المعارضة في تلك الفترة سعيد بيران وسعيد النورسي الملقب ببديع الزمان وهما كرديان مخضرمان فقد عايشا أفول الإمبراطورية والخلافة العثمانية وولادة الجمهورية التركية ونهوضها وعلاوة على الاسم والأصل الذي اشتركا فيه فقد كان لكلاهما مكانة اجتماعية كبيرة فالأول زعيم عشيرة كردية ومرشد طريقة صوفية ورثها عن والده النقشبندي والثاني عالم كبير وداعية مجدد ذاع صيته واشتهر فصار الشخصية الدينية الأولى في الأناضول وكما كان لهما دور وأعمال ونشاطات سياسية سابقة لا مجال لذكرها الآن ولكننا بصدد دراسة موقفهما من التغيير الحاصل في المجتمع والدولة الوليدة والمقارنة بينهما ..
لقد اجتمع الرجلان في الفكرة والغاية وهي الحفاظ على الوجه الإسلامي للمجتمع التركي ولدولته لكنهما اختلفا في الوسيلة والطريقة والمنهج المتبع لتحقيق ذلك فسرعان ما جمع سعيد بيران أتباعه وأنصاره وجلهم من الكرد وحشد لانتفاضة وثورة مسلحة.. الأمر الذي دفع الحكومة التركية لإعلان حالة الطوارئ في البلاد وخصوصا في الولايات والمناطق التي شملها العصيان أو التمرد كما اعتبرته ... وكان الأمر المفاجئ أنه ورغم محاولات سعيد بيران لإقناع سعيد النورسي بالانضمام إلى الثورة لإعطائها شرعية أكبر ولما لبديع الزمان من تأثير ومكانة كان الرد بالرفض القاطع بل وأدانها واعتبرها حربا بين المسلمين وتفريقا للصف وخاطب وفد سعيد بيران قائلا : " إن ما تقومون به من ثورة تدفع الأخ لقتل أخيه ولا تحقق أية نتيجة فالأمة التركية قد رفعت راية الإسلام وضحت في سبيل دينها مئات الألوف بل الملايين من الشهداء فضلا عن تربيتها ملايين الأولياء لذا لا يسل السيف على أبناء الأمة البطلة المضحية للإسلام وأنا أيضا لا أسله عليهم" وذلك رغم أنه كان من أشد المعارضين لنظام الحكم الجديد وقوانينه وإصلاحاته وصرح بذلك في خطاب له ألقاه في أنقرة عام 1922 في مجلس المبعوثين بحضور مصطفى كمال نفسه حيث وجه انتقاداته ونصائحه واستهل كلمته بقوله : " يا أيها المبعوثون إنكم مبعوثون ليوم عظيم ".
استمر الحراك المسلح لسعيد بيران وأنصاره الذين بلغ عددهم على أكثر تقدير 20000 رجل عدة أشهر ولكن لسوء حظهم فقد تمكن الجيش التركي من محاصرتهم من الشرق والجنوب الشرقي وقطع الطرق عليهم وأغلق المنافذ ثم شن هجمات قوية على مناطق تمركز مسلحي التمرد وقلص من مجالهم الجغرافي إلى أن انتهى الأمر بالقبض على سعيد بيران وقادته الآخرين وحوكموا وأعدموا في 30 أيار من عام 1925 م.
لم يحدث التمرد المسلح الذي قاده سعيد بيران وبعض زعماء العشائر تهديدا وخطرا ضد الدولة بقدر ما أنه وعلى العكس يمكننا أن نعتبر أنه خدم القادة السياسيين في تلك الفترة وأصحاب السلطة من رجالات التيار القومي والعلماني وأعطاهم فرصة ومبررا للشروع بإجراءات وإصدار قرارات أكثر تشددا وصرامة فقد وفر التمرد المادة الإعلامية والدعائية المطلوبة في ذلك الوقت لإثارة النعرة الطورانية عند الأتراك القوميين بوصفها وتصويرها لتمرد سعيد بيران بأنه تمرد قومي كردي يهدف إلى إقامة دولة للأكراد وتقسيم الجمهورية التركية المنشأة حديثا فهو بالتالي ضد سيادة الأمة التركية على أرضها وحقها التاريخي ..
ومن ناحية أخرى فقد استغل الحدث لتعزيز مبدأ العلمانية دستوريا وقانونيا وتشريعه فقد أصدر مجلس العموم في البرلمان التركي في 25 فبراير تعديلًا للمادة (1) من قانون العقوبات عن خيانة الوطن والذي نص على : "منع تكوين المنظمات السياسية على أُسس دينية، وكذلك استخدام الدين في سبيل تحقيق الأهداف السياسية، واعتبار الأشخاص القائمين بمثل هذه الأعمال أو المنتسبين إلى مثل هذه التنظيمات خونة".
كم أنه لم يشفع لسعيد النورسي رفضه الانضمام إلى حركة سعيد بيران فقد قضى فيما بعد ثلاثين عاما في السجن والمنفى في عدة مدن تركية أشهرها بارلا وقسطموني وضيق عليه وعلى طلبته وتلاميذه الذين عرفوا بطلبة النور وسيق إلى محاكم مختلفة بتهم ودعاوى شتى أبرزها العمل ضد النظام العلماني وتسييس الدين ومحاولة تأسيس حزب ديني ووصل بعضها إلى اتهامه بادعاء النبوة ولكن لم تستطع أي محكمة أن تثبت هذه التهم أو أن تدينه مما كان يضطرهم في كل مرة أن يخلوا سبيله ولكن مع الحجر عليه وعزله عن الناس ونفيه إلى أماكن شتى ولكن بديع الزمان استمر في تأليف رسائل النور التي بدأ في كتابتها بريعان شبابه وهي تفسير للقرآن الكريم من وجهة نظره رد فيها على دعاوى الملحدين والمشككين وأكد فيها على صلاحية تطبيق المبادئ القرآنية في شتى المجالات والصعد وفي كل زمان ومكان وعمل طلابه بكل جد وإخلاص رغم الصعاب والعقبات الكثيرة على نسخها ونشرها في أنحاء الأناضول وإيصالها لكافة فئات الشعب التركي ..
ولخصت رسائل النور فكر بديع الزمان سعيد النورسي ومنهجه فقد كانت دعوته للناس بالحكمة والموعظة الحسنة وركزت على القيم العقائدية والأخلاقية الإسلامية كالعدالة والرحمة والحرية والصدق وواجهت حملة التغريب الشديدة والمفاجئة ومحاولة فصل الدين لا عن الدولة فقط بل عن الحياة في زمنه ..
وقد نرى بشكل جلي أثر هذه الرسائل وثمرة هذه الشجرة التي زرعها النورسي بصبر ونضال وكفاح طويل هو وطلبته في المجتمع التركي بكل طبقاته وبكافة فئاته ولا يمكن نكران أنها ساهمت في الحفاظ على جزء كبير من الكتلة المحافظة والمتدينة وتحصين الكثير من الشباب المسلم والنساء أيضا إلى يومنا هذا ... وإذا كانت الأحزاب المحافظة واليمينية في تركيا وعلى رأسها العدالة والتنمية تحوز على الأغلبية في كل الانتخابات التي جرت وأخرها انتخابات 24 حزيران فإن الفضل بعد الله يعود إلى الجماعة النورية أتباع سعيد النورسي وغيرها من الجماعات والطرق الصوفية التي استطاعت أن تحافظ على الصبغة الإسلامية لدي الشعب التركي ولعبت دورا كبيرا في تعزيز القيم الدينية ومفاهيم العقيدة في أوساط أهالي الأناضول بشتى انتماءاتهم ونتج عن ذلك كتحصيل حاصل أغلبية شعبية محافظة تنتخب الإرادة السياسية التي تعكس رغبتها وإرادتها وتوصل الممثل الحقيقي للشعب والأمة إلى السلطة وتملكه مقاليد الحكم .
نستطيع أن نختم بالقول إن السيف ليس في كل الحالات أصدق إنباء من الكتب وقد " ينجز النور مالم تنجز النار" وبإسقاط هذا على ما نعيشه اليوم وأخص الربيع العربي وثوراته ومع علمنا بأن الشعوب العربية الثائرة حملت السلاح مجبرة لا مختارة ومع يقيننا بحقها المشروع في الدفاع عن نفسها إلا أننا نجد أن الطغاة قد استفادوا من جر الثورات من الطور السلمي إلى المسلح وأعطاهم مبررات أكبر للزيادة في القمع والوحشية وأدخلوا الشعوب الثائرة في متاهات كثيرة ورهنوا قرارها للجهات الداعمة وروجوا لسلعة اليوم وموضة العصر (الحرب على الإرهاب) عدا عن الأضرار والتي لا حصر لها على كافة المستويات والصعد التي لحقت بالحاضنة المدنية للثورة .. فهل لنا أن نعي من خلال التجربة وما مرت به ثورات الربيع العربي من تقلبات أن الحراك السلمي المصحوب بإصلاح الفرد والمجتمع فكريا وأخلاقيا وتهيئة الأرضية المناسبة لهذا الحراك وتغيير العقلية التي ترعرت خلال عقود من حكم أنظمة الفساد والإفساد شرط أساسي لاستمرار الكفاح ضد أكل أشكال الطغيان والاستبداد وجزء لا يتجزأ من عملية الانتقال إلى دولة ديمقراطية ومدنية تضمن حرية وكرامة مواطنيها .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس