حمزة تكين - خاص ترك برس
تحاول الإدارة الأمريكية اليوم التعامل مع تركيا على أنها دولة تابعة لها، تخضع لها، تأتمر بأوامرها، تأخذ بتوجيهاتها، ككثير من الدول حول العالم.
عنجهية أمريكية قد تكون نافعة مع تلك الدول، ولكن ما نحن متأكدون منه أن هذا الأسلوب الأرعن في التعامل مع الدول لا يمكن ولا بأي حال من الأحوال أن ينفع اليوم مع تركيا الجديدة التي تخلصت من القيود والسلاسل الغربية في الانتخابات الأخيرة يوم 24 حزيران/يونيو الماضي.
قد تكون أمريكا ـ حسب مفهومها ـ محقة بطريقة تعاملها اليوم مع تركيا، ظنا من واشنطن أن أنقرة مازالت تُحكم بعلقية عبّاد المناصب وعبّاد المال وعبّاد الأشخاص، ولكن هيكهات، على أمريكا أن تعيد حساباتها جيدا حفاظا على مصالحها مع تركيا.
أزمات كثيرة شهدتها العلاقات التركية الأمريكية خلال الفترة القصيرة الماضية، ونحن اليوم بصدد الأشد منها، فأن تقوم الولايات المتحدة بفرض عقوبات ـ أصلا هي عقوبات واهية ـ على وزيري العدل والداخلية التركيين مهددة بمزيد من العقوبات، مدعية أن هذه الخطوات هي من أجل راهب أمريكي اعتقل في تركيا بعد أن ثبتت أنشطته التجسسية وتعامله مع منظمات إرهابية مثل PKK و"غولن".
من يظن أن القضية هي الراهب، فظنه جانب الواقع والحقيقة كثيرا، القضية أعمق من ذلك بكثير، القضية أن واشنطن وحلفاءها ـ من المقربين لتركيا والأبعدين ـ لا يريدون أن يعايشوا النهضة التركية الحقيقية بعد 100 عام من الخنوع والذل والهوان، لا يريدون أن يكون القرار التركي مستقلا داخليا وإقليميا ودوليا، لا يريدون أن تكون تركيا ضمن مصاف الدول العشرة الأولى في العالم، لا يريدون حزبا اسمه حزب العدالة والتنمية، لا يريدون زعيما اسمه رجب طيب أردوغان، لا يريدون إسلاما حقيقيا يعلو ويسمو رغم كل خططهم لتشويه حقيقة هذا الدين الحنيف.
واشنطن فرضت عقوبات على الوزيرين، وهما أصلا لا يملكان أي أموال لا منقولة ولا غير منقولة، لا في أمريكا ولا في أي مكان خارج حدود الجمهورية التركية، فهما ليسا من عباد المليارات وعبّاد الأشخاص والدول، وبالتالي هذه الخطوة تؤكد على التردد الكبير والحذر الأكبر من جانب الإدارة الأمريكية في التعامل مع تركيا، رغم كل عنجهية وكبر تلك الإدارة.
على الإدارة الأمريكية وحلفائها وخاصة من الذين تظهر عليهم ملامح الإسلام، أن يدركوا حقيقة ـ لأجلهم ولأجل كرامتهم ـ أنهم اليوم أمام تركيا جديدة لا يمكنها بأي شكل من الأشكال أن تتراجع ولو خطوة واحدة عن مشروعها الاستراتيجي داخليا وإقليميا ودوليا، فأي تراجع هو بمثابة انتحار كلي وقتل للحاضر والمستقبل، ونحن لم نعهد على القيادة التركية الحديثة بقيادة رجب طيب أردوغان أي تراجع في ملفات أخطر من هذه الملفات بكثير.
وبالتالي فإن المدافعة عن تركيا بوجه هذا العدوان الأمريكي الجديد، واجب يفرضه الشعب التركي بمواليه ومعارضيه على قيادته السياسية التي أعلنت أنها ستلبي هذا الواجب ولن تسمح لأي قوة في الإقليم والعالم من لف حبل المشنقة على رقبة تركيا الجديدة.
لا يمكن لتركيا إيقاف خططها التي تجعلها قوة مُستَهابة في الإقليم والعالم.. لا يمكن لتركيا أن تقدم على هذه الخطوة مهما بلغت الضغوط ومهما بلغت التحديات ومهما كانت الصعوبات، نعم المكائد ستزداد والحرب ستستعر ضد تركيا ولكن تركيا اليوم أما خيار من اثنين: إما أن تتابع وتنتصر وإما أن تتراجع وتنتحر.
أوراق الضغط التي تمتلكها تركيا لمواجهة العنجهية الأمريكية المدعومة من الحاقدين المتآمرين، أوراق كثيرة في السياسة والعسكر والصناعة والاقتصاد، والكل سيرى هذه الأوراق ورقة تلو ورقة يوم لا ينفع اعتذار وندم.
ما يحصل اليوم من هجوم متعدد الاتجاهات ضد تركيا، ليس بالأمر السلبي، بل هجوم سيقوي الجبهة الداخلية وبالتالي سيقوي حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان داخليا، وسيعزز صوابية النهج التركي في الخارج وبالتالي سيزيد الدعم الخارجي لتركيا والرئيس أردوغان، دعم خارجي نسبته الساحقة ستكون من طرف الشعوب لا الحكومات.
عليكم أن تفهموا أن الدعوة التركية بقيادة الرئيس أردوغان، ليست دعوة نابعة من فراغ، بل هي جزء من الدعوة الأعظم التي يزيد عمرها عن 1400 عام، وبالتالي دعوة حق لا دعوة باطل، دعوة تطور لا دعوة تخلف، دعوة إنسانية حقيقية لا دعوة بيانات وكذب، دعوة نصرة للمظلوم لا دعوة ظلم وإجرام، دعوة وحدة لا دعوة تفرقة، دعوة خير لا دعوة شر، دعوة علم لا دعوة جهل، دعوة تحرر لا دعوة عبودية، دعوة توزيع الثروات لا عدوة كنز المليارات، دعوة إيمان لا دعوة كفر... ولن تهزم هذه الدعوة بعد هذا النهوض الذي انتظرناه 100 عام.
يكفي تركيا أن حقيقة منهجها الصائب أصبحت واضحة وضوح الشمس عند الشعوب الحرة الصادقة، وإنه لأمر كاف مهما اشتد سواد نظارات العميان من اللاهثين على السلطة والمال وعبادة أمريكا.
على حلفاء أمريكا أولا، أن يدركوا حقيقة تركيا الجديدة التي لا تشكل لهم أي تهديد بل هي الداعم الأقوى لهم حال سيرهم في الطريق الصحيح، عليهم أن يعلموا جيدا أن أي مؤامرات ضد تركيا لن تنتهي بما يفرحهم، فليرحموا أنفسهم وليرحموا شعوبهم.
وعلى أمريكا ثانيا، أن تدرك حقيقة تركيا الجديدة وبالتالي عليها أن تضبط تصرفاتها معها رأفة بمصالحها مع أنقرة وحفاظا على تحالفها مع أنقرة، وإلا فإن واشنطن ستكون هي الخاسر الأكبر لا أنقرة.
تركيا اليوم في موقع تعامل منه الجميع بندية تامة، وعلى الجميع أن يدرك هذه الحقيقة، وأن لا يعامل تركيا على أنها تابعة له، أو أنها عاجزة عن الرد وتحصيل الحقوق.
على أمريكا أن تعلم جيدا أن تركيا لم تعد تلك تركيا التي كانوا يركلونها بأرجلهم خلال العقود الماضية، تركيا لم تعد مقيدة بقيودهم التي فرضوها عليها قبل 100 عام، تركيا لم تعد تستجدي الآخرين كي تبقى على قيد الحياة، تركيا لم تعد الداعم لـ"إسرائيل"، تركيا لم تعد كبقية الدول التابعة لأمريكا... فتركيا اليوم ليست ولاية أمريكية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس