فراس السقال - خاص ترك برس
لكلّ مِهنة أو عمل أو فَنٍّ شكليّات تابعة له ومرتبطة به، فقد تعوّدتْ أبصارنا على رؤية متلازمات من خلال حياتنا اليومية، فمثلاً المخرج السينمائي في بلادنا تجده غالباً طويل الشعر، يضع النظارة السوداء فوق رأسه. أمّا الرسّام التشكيلي فهو شخص غريب الأطوار، يُطيل شعره دون ترتيب، ويلبس ملابس لا يوجد فيها أي تناسب بالألوان، ودائماً يدخّن في الغليون، ويداه وأصابعه مصبوغة بشتى أنواع الألوان، وعندما يتكلم عن لوحاته لا تفهم منه شيئاً، لأنّه يُعبّر عنها بألفاظ وتعبيرات فلسفيّة عشوائية كلمة من الشرق وأخرى من الغرب، ولا يُلهَم الرسم إلا بمصاحبة الموسيقى الغربية والسمفونيات المنقرضة وعلى أسطوانة قديمة.
أما سائق التكسي في بلادي فهو رجل يتكلم بعشرات اللهجات والألسنة بصوته المرتفع، وصاحب نكتة ومزاح، وله طريقة في جلوسه المتكسّر وراء المقود الذي يموج في يده اليمنى بحركات فنيّة احترافية، أمّا الزينة في سياراته فهي تملأ الزجاج الأمامي والتابلو، والمرايا معلّقة في كلّ الجهات، وعنقود العنب البلاستيكي يتدلل من سقف السيارة، وسبحات الخرز تتراقص هنا وهناك، وصوت المسجل يجعل السيارة تترنح طرباً بأغاني التراث.
هذه المشاهدات لم أقصد فيها الإهانة لأيّ مهنة أو فنّ إطلاقاً، ولكن أُدوّن ما رأيته من تلك المتلازمات من حركات وأفعال وخصائص مرافقة لأصحاب هذه المهن والفنون، فقد عاينتها في مجتمعنا السوري، فكلّ سوري يدرك صحّة ما ذكرته من الأوصاف، وهناك الكثير من المتلازمات المهنية المنتشرة في كثير من المجتمعات.
أمّا ما يخصّ مهنة الصحافة والإعلام فشأنها غريب وعجيب، فالإعلامي قبل أن يَتلّبس بوظيفته الإعلامية الجديدة تجده رجلاً عادّياً، يتواصل مع النّاس جميعاً ويتقرب منهم، وبمجرد دخوله سلك الصحافة ينقلب انقلاباً جذرياً، فكأنّك لا تعرفه ولا يعرفنا، ثمّ تفاجئ بأنّه لا يردّ على الاتصالات والرسائل أيضاً، وأظنّ بعضهم يحظر أسماء أصدقائه، أمّا وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك، والتويتر) وغيرهما فيحظر ميزة المراسلة، ولا يعلن بريده لأحد، فلا يستطيع شخص مهما كان مقرّباً الوصول إليه، حتى أنّه لا يردّ أي تعليقات على منشوراته وآراء المهتمّين بها، وإن استطعت التواصل معه مرّة فلا تحلم أن يتكرر هذا التواصل مرّة أخرى، وهذا إن كان يعمل بقناة أو مجلّة إعلامية بسيطة، أمّا إن كان يعمل في موقع جيد وقناة مشهورة فحدّث ولا حرج، عندها أظنّك تستطيع الوصول إلى رئيس الجمهورية، وإلى هاتف مجلس الأمن ولا تستطيع الوصول إلى ذلك السيد الصحفي.
يقولون "الصحافة نبض المجتمع"، وقد فهمتُ من ذلك أنّ الصحافة تنشر وتتكلم باسم الشعب ونيابة عنه فهي صوته ونفَسه ولسانه، ولكن السؤال كيف لها أن تسمع صوته إن كانت جلّ العناوين البريدية التي تعلنها على مواقعها وهميّة، أو إلكترونية الرد، أو أنّها غير مراقبة من الموظفين، أو ترد مرة وتتغافل ألف، فترى المحتاج للتواصل مع تلك القناة يُفَلِّي الموقع والقناة كلمة كلمة ليجد عنوان يصل من خلاله إلى إدارة الموقع والمحررين، وبعد أن تجد عبارة (تواصل معنا) فــ 95% من العناوين لا تعمل، أو صورة بلا مضمون، فكيف ستكون الصحافة بعدها نبض الشارع والمجتمع؟!
أعرف بعض المواقع أتواصل معها (مع نُدرتها)، ولها احترام كبير في قلبي، لمهنيتها الفائقة واحترامها لعملها وجمهورها، وهذا ما لمسته وجربته مراراً، فبمجرد مراسلتهم بأيّ مادة، يردّون بداية باستلام المادة ويطلبون الانتظار للتدقيق فيها، وبعد مدّة قصيرة ترد النتيجة إما إيجابيّة أو سلبيّة، فإن كان الردّ إيجابياً بيّنوا وقت النشر، وإن كان هناك مُلاحظات نصحوا بتعديل الأخطاء إن وُجدت، ودلوا على مواطنها، وإن كان سلبياً اعتذروا بكل لباقة وأدب وتأسف، وشرحوا سبب الرفض.
وعندما يقبلون المادة وينشرونها، يرسلون رابط النشر بعبارات وأسلوب رائع، وغالباً لا تجد أخطاء في النشر كما تجدها كثيرة في باقي المواقع، وهكذا عندما تريد نشر أي مادة، فأوّل موقع تتذكر التعامل معه هو الذي يحترم من يراسله ويقدره.
إنّ الذي دعاني لأكتب هذه الكلمات سوء تعامل كثير من المواقع الإخبارية والإلكترونية مع محبيها وروادها ومراسليها، وعدم المبالاة بهم، فمنذ سنة أو أكثر وأنا أراسل عشرات المواقع الإلكترونية والقنوات والإعلاميين والصحفيين ولكن مع الأسف الذين ردّوا على رسائلي لا يتجاوزوا 10% بلا مبالغة، وأمثالي كثر لا ينتظرون الردود الإيجابية دائماً، بل يريدون الجواب فقط.
لقد ذكر لي أحد الأصدقاء قائلاً: إنّ الموقع الفلاني وغيره يعلن أنّه يستقبل المقالات والآراء على البريد المعلن في موقعه، ولكنّ الحقيقة غير ذلك، فله جماعة معيّنة يراسلونه على بريد خاص، فلا يأخذ إلا منهم، ولا يقبلون النشر من غير تلك الثلّة مهما كانت مادتك قوية ومهمة، إذا فما وظيفة ذلك البريد المعلن على المواقع والقنوات للتواصل؟!
إنّ الصحافة مهنة إنسانية رائعة، إن مُورستْ بحرفية وشفافية وصدق، وإنّ المحبين المتابعين لتلك المواقع والقنوات لهم حقوق عليها، فيجب عليها الترحيب بكل من يتواصل معها، وسماع الجميع واحترامه، والردّ بالتي هي أحسن، حتى ولو كان ردّاً سلبياً، المهم ألا يتركوا السائل بخبر كان، وتلك القنوات رصيدها ونجاحها مرتبط بأصوات محبيها ومتابعيها، فإن وجدت نفسها غير مؤهّلة لذلك فلتغلق بابها، فكما يقول أهلّ الشام: (افتحْ بابَك وافتخر، أو سُدّه وانستر). كما أرجو من جميع الأخوة الإعلاميين الذين تَصدّوا لهذا العمل الطيّب، أن يكونوا صوت النّاس ونبضهم حقيقة وصدقاً، لا شعارات برّاقة خالية المضمون جوفاء، فالشعوب عندما وجدوا أنّ حكامهم أغلقوا الأبواب في وجوههم، لجؤوا لإيصال أصواتهم للعالم عبر صوت الحقّ والعدالة، صوت المظلوم والحريّة، إنّه صوت الصحافة الحقيقية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس