د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا
قررت أجهزة الأمن والاستخبارات الأميركية رفع مستوى الحماية المقدمة للمرشح الديمقراطي جو بايدن. السبب هو حتما تقدمه على منافسه دونالد ترامب في عمليات الفرز ودعم أصوات المندوبين التي تزيد من حظوظه في الفوز بالانتخابات الرئاسية.
لن يتغير كثيرا مضمون رسالة التهنئة التي ستبعثها أنقرة إلى البيت الأبيض لتهنئة الرئيس الجديد سواء أكان الفائز دونالد ترامب أم جو بايدن. لكن أنقرة تستعد حتما وبشكل أكبر لسيناريوهات اقتراب بايدن من الدخول إلى البيت الأبيض.
إذا ما تمسك الرئيس الديمقراطي بكل ما وعد به وأشار إليه في العلاقات التركية الأميركية ولم يذهب وراء القاعدة السياسية المعتمدة كثيرا في العلاقات بين الدول "وعود الليل يبددها بزوغ الفجر" وما قيل خلال الحملات الانتخابية سيكون مختلفا حتما عما سيقال وهو في منصب الرئاسة فمع بايدن ستكون العلاقات التركية الأميركية أمام امتحان جديد يختلف كثيرا عن أسلوب ترامب – أردوغان اللذين نجحا في بناء علاقات شخصية حالت دون انفجار الأزمات والذهاب نحو القطيعة الكلية.
بايدن منذ البداية كان واضحا أنه سيصعد مع تركيا في ملفات ثنائية وإقليمية بالغة السخونة والحساسية تقود العلاقات نحو انسداد ومواجهة أوسع بين شريكين استراتيجيين تحت سقف حلف شمال الأطلسي والمنظومة الغربية الأوروبية.
بين ما سيقوله بايدن كما وعد خلال حملته الانتخابية: أوقفوا عمليات التنقيب عن الغاز في المياه القبرصية واليونانية. لا عمليات عسكرية تركية جديدة في شمال سوريا حيث تصر واشنطن على تفعيل مشروع كردي مشابه للحالة العراقية. العقوبات ضد تركيا قادمة وعليها حسم موقفها في صفقة صواريخ إس 400 الروسية. لا يوجد أي تعديل على خطة إبعاد أردوغان عن الحكم من خلال دعم قوى المعارضة بالوسائل الديمقراطية!
أعلنت أنقرة أنها لن تميز بين مرشح وآخر في السباق الانتخابي الرئاسي وأنها ستكون جاهزة للعمل مع الرئيس الذي سيختاره الشعب الأميركي. هل سيكون بمقدورها أن تنفذ فعلا ما تقوله حول حماية مسار العلاقات الاستراتيجية بين شريكين وحليفين قديمين مع بايدن الذي يهدد ويتوعد؟
الواقع على الأرض يقول شيئا مغايرا.
هل يحتاج بايدن مثلا إلى تركيا كلاعب إقليمي مؤثر إلى جانبه في التعامل مع ملفات إقليمية شائكة أم أنه سيواصل ما بدأه ترامب من بناء اصطفافات جديدة لا مكان لإيران وتركيا فيها؟
قد يكون بايدن يقدم خدمة استراتيجية مهمة لأنقرة إذا ما قرر تنفيذ وعد مراجعة العلاقات بين واشنطن وطهران في تفعيل اتفاقية مجموعة 5+1 النووية مع إيران. ستتحرر تركيا أكثر من القيود التجارية والمالية الأميركية. . لكن بايدن نفسه هو الذي قد يقود عملية تنفيذ عقوبات "كاتسا" ضد تركيا بسبب شراء وتفعيل منظومة صواريخ إس 400 الروسية.
رسائل الرئيس التركي قبل أيام من مدينة صامصون المطلة على البحر الأسود كانت تعني واشنطن بقدر ما كانت موجهة لباريس: فشلوا في فرض الوصاية، فشلوا في تحريك الإرهاب الذي يضعونه
تحت أجنحتهم، فشلوا في المحاولة الانقلابية، فشلوا بلعب ورقة المقاطعة والعقوبات، فشلوا في خطط محاربتنا اقتصاديا".
أقلام تركية تبالغ في الرهان على أزمة سياسية دستورية شعبية أمنية في الداخل الأميركي على ضوء الانسداد الحاصل في مكاتب فرز الأصوات.. بعضها يبالغ في رسم المشهد عندما يتحدث عن أزمة أكبر تقود إلى تراجع النفوذ والثقل العالمي للولايات المتحدة. الرسائل التي تعني واشنطن في كل ذلك هي أن أنقرة لن تعطي أميركا ما تريده على حساب مصالحها ونفوذها وأهدافها الإقليمية. أردوغان أراد أن يستعد باكرا لاحتمال وصول بايدن.
وصف بايدن الرئيس التركي خلال حملته الانتخابية بـ "المستبد الواجب إيقافه عند حده من خلال دعم قوى المعارضة التركية للوصول إلى الحكم". المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين رد عليه وقتها بالقول إن ما يردده بايدن "ينم عن الجهل المطلق والغطرسة والنفاق.. أيام توجيه التعليمات لتركيا قد ولّت".
أوباما كان يدعو دائما لعدم الإصغاء لما يقوله بايدن نائبه في البيت الابيض الذي يبالغ في التصعيد والتهديد لكن بايدن هو الرئيس هذه المرة وعلى البعض احترام ما يقول ويريد.
بيل كلينتون الرئيس الأميركي الأسبق يقول أمام البرلمان التركي في كانون الأول عام 1999 "لا يحق لأي كان أن يحاول رسم معالم مستقبلكم". بايدن في أيار 2020 "علينا أن نناقش كيف ومع من ستأخذ السياسة الخارجية التركية شكلها في المرحلة المقبلة".
فريق عمل أوباما القديم ووصوله إلى مواقع حساسة في الإدارة الجديدة قد يكون الفرصة الوحيدة لإنقاذ العلاقات التركية الأميركية مع بايدن والعكس سيكون صحيحا في حال وصول المنشقين عن ترامب والملتحقين بفريق عمل بايدن إلى مواقع مؤثرة في رسم السياسات فالانتقام سيكون هدفهم.
هل بمقدور أنقرة اليوم أن تردد مثل العديد من العواصم أن الفائز لا يعنيها كثيرا لأن علاقاتها مع أميركا محمية بعقود من التعاون الاستراتيجي؟ هل هناك تطابق مصالح تركية أميركية إقليمية في ملفات ساخنة وحساسة تعني الطرفين؟
بايدن يحب تركيا عندما تعود إلى بيت الطاعة بدون تمرد وعصيان وأنقرة تقول إنها تغرد خارج السرب منذ سنوات وهي لن تعود إلى العقود الغابرة.
الخدمة الأهم التي قد يقدمها بايدن لأنقرة في حال وصوله إلى البيت الابيض هو تشجيعها على الإسراع في بحث خيارات إقليمية جديدة تأخذ بعين الاعتبار حماية مصالحها على أكثر من جبهة وفي أكثر من مكان. يبدو أن واشنطن لم تطلع بعد على قرار تركيا تسديد ديون الصومال المتراكمة لدى الصندوق الدولي والتي تصل قيمتها إلى 30 مليون دولار.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس