ترك برس
يرى الكاتب والمحلل السياسي التركي مراد يشيلطاش، أن عودة ظهور الجماعات المسلحة غير الحكومية يدفع الدول إلى تبني استراتيجيات عسكرية جديدة رداً على الاتجاه الإرهابي المتزايد في الشرق الأوسط.
ويقول يشيلطاش إن التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط أدت إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار، مع تزايد احتمال نشوب الصراع يوماً بعد يوم، بالرغم من عام 2023 شهد فترةً من التطبيع النسبي في الشرق الأوسط.
وبحسب مقال للكاتب نشرته صحيفة ديلي صباح، "تحاول بلدان المنطقة التقليل إلى أدنى حد من احتمالات نشوب الصراعات، وبالفعل قطعت شوطاً طويلا في تطوير الإمكانات المشتركة".
ويؤكد أنه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت هناك محادثات سلام بين المملكة العربية السعودية والحوثيين لإنهاء الحرب في اليمن، وكانت السعودية وإسرائيل على وشك تحديد موعدٍ للتطبيع، وكانت هناك عملية تطبيع تقدمية أخرى بين تركيا وإسرائيل. ولكن بعد ذلك التاريخ، تغير هذا الاتجاه الجيوسياسي الإقليمي بشكل كبير.
وسادت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، بيئة استراتيجية تنافسية غير تصادمية في الشرق الأوسط من حيث وجود جهات فاعلة غير حكومية مسلحة. وكان هناك تسارع تنازلي في اتجاه المواجهة في سياق الشرق الأوسط، بما في ذلك المنظمات الإرهابية.
وبمعنى آخر، كان الوضع ثابتاً نسبياً في تعبئة هذه الجهات الفاعلة. ومع ذلك، بدأت عملية تعبئة جديدة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول. وأصبحت حماس وحزب الله والميليشيات المتطرفة والمنظمات الإرهابية مثل تنظيم بي كي كي الإرهابي وفروعها السورية وميليشيات واي بي جي والجماعات المدعومة من إيران في العراق والحوثيين في اليمن، جزءاً من عملية تعبئة جديدة.
والآن، نشهد مرة أخرى إعادة تعبئة الجهات المسلحة غير الحكومية والمنظمات الإرهابية عبر منطقة جغرافية واسعة، تمتد من لبنان إلى اليمن.
تصاعد عدم الاستقرار الإقليمي
ويشير يشيلطاش إلى أن تنظيم بي كي كي الإرهابي، أظهر من خلال الهجمات التي شنها شمال العراق الشهر الماضي، أنه يسعى للاستفادة من حالة عدم الاستقرار الإقليمي الناشئة حديثاً.
ودفعت الهجمات الإرهابية تركيا إلى إطلاق حملة عسكرية شاملة في العراق وسوريا. ومن المرجح أن تقوم أنقرة بحملة عسكرية واستخباراتية ودبلوماسية أكثر كثافة ضد أذرع التنظيم في سوريا والعراق للحفاظ على تفوقها في الحرب ضد الإرهاب.
وبعد الهجمات الإرهابية في إيران، أدت هجمات طهران على شمال العراق وباكستان إلى هيمنة الاتجاهات الأمنية العسكرية والصراعات الجيوسياسية بالنسبة لإيران أيضاً. كما أدت الغارات الجوية الأمريكية ضد أنشطة الحوثيين في البحر الأحمر إلى تحويل المشكلة في اليمن إلى صراع نشط. أما إعادة الولايات المتحدة للحوثيين إلى قائمة الإرهاب فقد أنذر بتدمير عملية السلام في اليمن.
وتابع الكاتب:
النقطة الثالثة هي أنه كان هناك تغيير كبير في السياسات الإقليمية للدول من خارج المنطقة، مقارنة بما كانت عليه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، فقد حولت الولايات المتحدة تركيزها إلى أوكرانيا والصين، في حين أولت الصين المزيد من الاهتمام للشرق الأوسط باعتباره لاعباً سياسياً واقتصادياً.
ومن وجهة نظر الدول الأوروبية، كان هناك تفاهم على أن أوكرانيا تمثل قضية أمنية ذات أولوية أعلى بكثير من الشرق الأوسط. ومن ناحية أخرى، حاولت روسيا الحفاظ على اهتمامها بالشرق الأوسط، بسبب الحرب المستمرة في أوكرانيا، وعملت على تعميق علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع دول الخليج.
وتشير تطورات الشهرين الماضيين إلى عكس الاتجاه الإقليمي، ما دفع الولايات المتحدة إلى إعادة تأكيد وجودها في المنطقة من أجل أمن إسرائيل، منهيةً المناقشات حول تغيير المشاركة الاستراتيجية لها في هذه البقعة الجغرافية، والتي كانت تسعى إليها منذ بعض الوقت. وفقدت أوروبا تركيزها على أوكرانيا، وتحولت الصين إلى لاعب فاعل بعد التطورات.
التحول في الصراعات العسكرية في الشرق الأوسط والاتجاهات الجيوسياسية
وتشير هذه التطورات إلى تغير كبير في الصراعات العسكرية والاتجاهات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. أولها موجه نحو إيران. فبعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أصبح من الممكن تصنيف إيران على أنها إحدى الدول الأكثر أهمية في محور الصراع.
وذلك لأن الولايات المتحدة وإسرائيل استهدفتا إيران من حيث ديناميكيات المواجهة، والتي أصبحت واضحة في سياق حماس وحزب الله والميليشيات والحوثيين. ووجهة النظر السائدة في الولايات المتحدة هي أن إيران هي المشكلة الحقيقية، وهذا قد يدفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوات أكثر صرامة ضد إيران.
وإذا ما استغلت إيران الاضطرابات التي تشهدها المنطقة للانتقال إلى مرحلة جديدة في برنامجها النووي واتخاذ خطوة جذرية نحو التسلح النووي، فقد تغير بشكل كامل التطورات المحتملة في القضية الإيرانية.
إن عودة ظهور الجهات المسلحة غير الحكومية والمنظمات الإرهابية مثل بي كي كي وداعش، وإعادة تسارع اتجاه الإرهاب في الشرق الأوسط، يدفعان البلدان التي تواجه تهديد الإرهاب نحو مشاركة عسكرية مختلفة.
ومن المرجح أن تؤدي مثل هذه العملية إلى عسكرة بيئة الصراع في المنطقة، بدليل أن العديد من الدول زادت عملياتها واشتباكاتها العسكرية في المنطقة. وتعد عمليات تركيا شمال العراق وسوريا، وعمليات الأردن في سوريا وعمليات إيران في العراق وسوريا والعمليات الأمريكية في سوريا والعراق واليمن، من بين أهم العمليات.
ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن القضية الأكثر أهمية هي إضعاف مصداقيتها في الردع العسكري. وبينما تستمر الهجمات ضد الولايات المتحدة في العراق، توقفت التجارة البحرية بالرغم من الحماية العسكرية الأمريكية والغارات الجوية ضد الحوثيين. وهذا يضع ضغوطاً خطيرة على الردع الأمريكي.
وفي الختام، فإننا نشهد حالياً مرحلةً أصبح فيها المشهد الأمني في الشرق الأوسط أكثر عسكرة بشكل تدريجي. وإذا استمر العدوان الإسرائيلي على غزة، فمن المحتمل أن يتصاعد الصراع ويمتد إلى المنطقة بأكملها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!