ترك برس
يرى الكاتب والمحلل السياسي التركي كرم ألكن، أن نموذج رعاية النظام العالمي الذي تأسس في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وطوال فترة الحرب الباردة، تجاوز الآن تاريخ انتهاء صلاحيته.
ويقول ألكن في مقال بصحيفة ديلي صباح إنه عند النظر في مفهوم المفارقة التاريخية، يمكن أن تنشأ تفسيرات متنوعة. ويتبنى هذا المقال تعريف المفارقة التاريخية بأنها "تداخل العصور المختلفة، وعدم مواكبة حقائق الحياة المعاصرة، والإصرار على الاعتماد على عادات عفا عليها الزمن".
ويؤكد أنه من وجهة نظر الغرب أو التحالف الأطلسي المعروف باسم الشمال العالمي، فقد تجلت هذه المتلازمة المحددة على مدى السنوات الخمس الماضية.
"وقد تجاوز نموذج رعاية النظام العالمي الذي تأسس في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وطوال فترة الحرب الباردة، الآن تاريخ انتهاء صلاحيته".
وأضاف: من المفهوم ظهور عالم متعدد الأقطاب مع مراكز قوة متميزة، لكن الاعتماد المستمر للشخصيات المهيمنة من الشمال العالمي على فهمٍ عفا عليه الزمن للنظام الاقتصادي السياسي العالمي، يشير إلى "متلازمة المفارقة التاريخية".
وللتوضيح أكثر، عززت السنوات الخمس والعشرون الأولى بعد الحرب الباردة، وحتى عام 2005، تصور العالم الأحادي القطب الدائم. ومع ذلك، فإن السنوات اللاحقة ولغاية عامنا هذا، تؤكد على الدور الذي لا غنى عنه للجنوب العالمي وممثليه الأقوياء والاقتصادات النامية الناشئة، في المعادلة العالمية.
ويمكن ملاحظة هذا التحول في مختلف المنظمات الدولية المتعددة الأطراف، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة العمل الدولية. وحتى المؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تواجه ضغوطاً متزايدة، ما يشكل تحدياً للنفوذ الذي كان مهيمناً ذات يوم لشمال العالم. إن فرصة الهيمنة في هذه المنظمات، والمشاركة الإدارية، وفرض الآراء أو الإجراءات من جانب واحد من قبل الشمال العالمي، لم تعد قابلة للتطبيق.
وفي مواجهة مشهد عالمي واضح المعالم، يصبح استيعاب هذا الواقع من وجهة نظر الشمال العالمي أمراً مهماً لغرض إعادة تشكيل السياسات والأساليب الدولية. ومع ذلك، فإن تبني موقف ينكر هذه الحقيقة الأساسية، يلخص متلازمة المفارقة التاريخية. وفق الكاتب.
وتابع ألكن: يستلزم هذا الواقع العالمي إعادة تقييم السياسات والأساليب الدولية من منظور الشمال العالمي، والإصرار على موقف يرفض هذه الحقيقة الأساسية التي تجسد متلازمة المفارقة التاريخية. ولابد من الاستجابة لتحذيرات الدول المحورية صانعة الألعاب وخاصة تركيا، التي تدعو إلى إقامة شبكة حوار قوية بين الشمال العالمي والجنوب العالمي.
إن متلازمة المفارقة التاريخية لا تعيق فقط النظر في المقترحات التي تعالج تهديدات مثل تغير المناخ العالمي والأمن العالمي لإمدادات الغذاء والطاقة وشبكة سلسلة التوريد العالمية، ولكنها تؤدي أيضاً إلى تفاقم أبعاد هذه التهديدات.
على سبيل المثال، نجحت مبادرة ممر الحبوب في البحر الأسود في تركيا بالتعاون مع الأمم المتحدة، في تجنب أزمة غذائية محتملة، لكن الاضطرابات منذ يوليو/تموز أدت إلى انخفاض بنسبة 40% في شحنات المواد الغذائية من البحر الأحمر، ويعزى ذلك إلى التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط وتركيا، فضلاً عن الصراع الدائر في غزة.
أما في الاقتصاد العالمي المستقبلي، حيث من المتوقع أن يصل إجمالي عدد سكان أفريقيا إلى 4.4 مليار نسمة، وهو ما يمثل 39% من سكان العالم عام 2100، فإن النفوذ المتزايد لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا في النظام الاقتصادي السياسي العالمي يتطلب إعادة هيكلة النظام العالمي، ويتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لكي يتمكن الشمال العالمي من التغلب على المفارقة التاريخية، ويلعب دوراً بناء في عملية إعادة الهيكلة هذه. ويهدد الفشل في القيام بذلك، بالانحدار المستمر في النظام العالمي وتفاقم التحديات التي يواجهها الشمال العالمي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!