ترك برس
فرضت تركيا مؤخراً قيوداً تجارية على إسرائيل تتمثل في تعليق تعاملات التصدير والاستيراد بسبب حربها على غزة، الأمر الذي انعكس سلباً على السوق الإسرائيلي بدرجة كبيرة، قبل أن تهبّ وزارة الزراعة الأميركية للبحث عن بدائل لإنقاذ المستوردين الإسرائيليين من تداعيات القيود التركية.
وشكلت تركيا على مر عشرات السنوات، صفة "الشريكة الاقتصادية المفضلة" لدى إسرائيل، بسبب القرب الجغرافي واتفاقية التجارة الحرة الثنائية الموقعة في عام 1996 والأسعار التنافسية، بإجمال واردات تقدر بـ5.3 مليار دولار (5.7 في المئة من الواردات الإسرائيلية)، وثالث أكبر موردة للمنتجات الزراعية بعد روسيا والولايات المتحدة، بما قيمته 543 مليون دولار (خمسة في المئة من إجمال واردات إسرائيل الزراعية) في عام 2023، وهو ما شكل أزمة كبيرة لإسرائيل بمجرد إعلان أنقرة مطلع الشهر الجاري حظر جميع صور التجارة مع تل أبيب، على خلفية حرب الأخيرة على قطاع غزة، بحسب تقرير لـ "إندبندت التركية".
وشهدت العلاقات التركية - الإسرائيلية توتراً خلال السنوات الـ15 الماضية، واستعادت الحليفتان السابقتان علاقاتهما الدبلوماسية الكاملة عام 2022، قبل أن تعود للتدهور مع اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وهو ما أعقبه سحب السفيرين بعد وقت قصير، وتبادل الانتقادات الحادة بصورة مستمرة.
تصعيد عقابي متبادل
وقبل حظرها الشامل، لجأت أنقرة الشهر الماضي إلى فرض قيود على تصدير مجموعة واسعة من المنتجات إلى إسرائيل لحين إعلان وقف إطلاق النار في غزة، مما دعا إسرائيل إلى التنديد بتلك القيود والتعهد بالرد على الإجراءات التي تشمل تقييد صادرات الصلب والأسمدة ووقود الطائرات.
شمل الرد الإسرائيلي تقليص العلاقات الاقتصادية التركية مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، إذ تعد أنقرة أكبر مورد لهما بنحو 18 في المئة من إجمال الواردات.
وبينما ترهن تركيا، بحسب إفادة وزير تجارتها، عمر بولات، رفع حظر التجارة بتدفق كاف للمساعدات الإنسانية إلى غزة، فإن مستوردين إسرائيليين منهمكين في البحث عن موردين جدد لبعض الواردات الزراعية، تحايلا على آثار الحظر التركي المفروض.
الطماطم التركية
وتشمل واردات إسرائيل الزراعية من تركيا المنتجات الطازجة والمعالجة، بخاصة الطماطم وزيت الزيتون والخيار والبصل والباذنجان وزيت عباد الشمس، إضافة إلى الفستق، وهو ما يؤشر إلى أهمية المنتجات التركية للسوق الإسرائيلية، في حين تقدم ورقة أميركية حديثة تقييماً دقيقاً للفراغ المتوقع إثر غياب تلك المنتجات، وإمكانية إيجاد بدائل مناسبة للتوريد.
الورقة التي أعدها الباحث جيني مورغان من وزارة الزراعة الأميركية أشارت إلى التأثير السلبي الذي يخلفه الحظر التجاري التركي بصورة كبيرة على السوق الإسرائيلية، بخاصة بعد رغبة المستوردين الإسرائيليين خلال الأشهر الستة الماضية، زيادة وارداتهم من تركيا، بسبب تعطل التجارة عبر البحر الأحمر إثر هجمات الحوثيين على السفن المارة عبر مضيق باب المندب.
صادرات زراعية إلى إسرائيل
وتمثل الطماطم أكبر الصادرات الزراعية التركية إلى إسرائيل، إذ تستورد إسرائيل 91 في المئة من استهلاكها الطماطم من تركيا، إضافة إلى زيت الزيتون البكر الذي تستورده بنسبة 66 في المئة من تركيا أيضاً، وزيت عباد الشمس بنحو 25 في المئة، علاوة على أنواع معينة من الأسماك، مثل القاروص (62 في المئة)، والفيليه (80 في المئة)، والدنيس (45 في المئة)، وسيكون من الصعب تحقيق زيادة سريعة في الإنتاج الإسرائيلي لبعض المنتجات الزراعية، إذ قد يستغرق الأمر أشهراً أو سنوات لسد الفجوات بصورة كافية، وفق تقييم الورقة الأميركية.
وتنصح وزارة الزراعة الأميركية تل أبيب باستيراد حاجاتها من الطماطم من الأردن، وتعويض غياب زيت الزيتون البكر التركي بآخر إسباني وإيطالي وأردني وفرنسي وأميركي، علاوة على اعتماد أوكرانيا ورومانيا والأردن وفرنسا والولايات المتحدة كموردين بديلين للأتراك في توريد زيت عباد الشمس، إضافة إلى استيراد أصناف أسماك القاروص والفيليه والدنيس من قبرص وإسبانيا واليونان والسنغال والإمارات.
بدائل أوروبية
وبحسب الورقة الأميركية يمكن أيضاً لإسرائيل تعويض غياب بعض أنواع الحلويات التركية من إسبانيا والصين والولايات المتحدة وألمانيا، إضافة إلى الذرة التي يمكن استيرادها من أوكرانيا وروسيا والبرازيل ورومانيا والأرجنتين والمجر، والمعكرونة من إيطاليا وتايلاند والصين والمملكة المتحدة وألمانيا وروسيا.
وأدى الصراع بين إسرائيل و"حماس" إلى إعادة تقييم مخزون تل أبيب الطارئ من الحبوب بسبب تعطل إنتاج الأراضي قرب غلاف غزة، مما دفعها أخيراً إلى البحث عن مزيد من الواردات للمخزون الذي عادة ما كانت تحصل على معظمه محلياً، وسط تقديرات بمواصلة التطلع بصورة متزايدة إلى موردين خارجيين، ومع أزمة الشحن عبر البحر الأحمر وارتفاع كلفته كان على الحكومة والصناعة التكيف مع الزيادة في أسعار السلع الزراعية.
الحبوب في منأى عن الأزمة
ولم يكن لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر وطوابير الانتظار في قناة بنما أي تأثير يذكر في شحنات الحبوب الإسرائيلية، إذ تصل معظمها من الساحل الشرقي للأميركيتين عبر البحر المتوسط إلى الموانئ الإسرائيلية مباشرة من دون عبور قناة بنما أو البحر الأحمر، لكن سيكون من الصعب استيراد الماشية المغذية التي تأتي في الأساس من أستراليا، بسبب عدم القدرة على الشحن عبر البحر الأحمر، وهو ما يمكن أن يؤثر في واردات إسرائيل من الأعلاف الزراعية واستهلاكها على المدى القريب.
بصورة عامة، سيخلف الفراغ التركي في السوق الإسرائيلية أزمة ملموسة على المدى القريب، ما لم تسارع تل أبيب في البحث عن بدائل أخرى لن تكون سهلة بالنظر إلى اضطراب الشحن وخطورة الإبحار في البحر الأحمر بسبب صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة التي تستهدف السفن الإسرائيلية أو تلك المرتبطة بها أو تلك التي تستهدف موانئها، وفي المقابل ستتضرر أنقرة من فقدان شريك تجاري وسوق استهلاكية لصادراتها الفترة المقبلة، فيما لا يعرف على نحو دقيق المدى الزمني المتوقع لهذا الحظر التجاري المتبادل، وكيف سترمم العلاقات التجارية مرة أخرى بعد انتهاء حرب غزة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!