ترك برس
أكد الكاتب التصحفي التركي أرسين جليك، أن الدول والمؤسسات في النظام العالمي القائم عاجزة عن اختراق جدران الخوف التي بنتها إسرائيل، وأن الأخيرة حاصرت العديد من الدول والشعوب دون استخدام السلاح.
وقال جليك في مقال بصحيفة يني شفق إنه في ليلة 26 مايو، وقعت مأساة مروعة أمام أعيننا؛ فقد قصفت طائرات حربية إسرائيلية مخيما لنازحين فلسطينيين يعيشون في خيام، في منطقة تواجد مستودعات وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين. ما أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص حرقا في الخيام التي اشتعلت فيها النيران.
وأوضح أن أهل غزة الذين دمرت منازلهم وتشتت عائلاتهم، عاشوا هذه الفاجعة، ونجا هؤلاء اللاجئون من آلاف عمليات القصف، ونزحوا من ديارهم مرارا وتكرارا، بحثا عن الأمان بالقرب من مخازن الأمم المتحدة في رفح، والتي يفترض أن تكون آمنة.
وذلك على وجه التحديد بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا جديدا بفرض تدابير، وأمرت إسرائيل بوقف هجماتها على رفح فورا. لكن إسرائيل ردت على لاهاي بمجزرة أشد قسوة، وعرضت أدلة جديدة على الإبادة الجماعية أمام المحكمة، واستمرت في تحدي العالم بأسره. أعلنت إسرائيل من خلال حرق إخواننا أنها ستواصل الإبادة الجماعية، ولن تلتزم بأي قواعد، وأنه لا توجد منظمة تستطيع كبح جماحها. يقول الكاتب التركي.
ويضيف جليك: إن قيام إسرائيل بقتل المدنيين الذين نزحوا من ديارهم منذ ثمانية أشهر والذين يعانون من الجوع والعطش والأمراض الخطيرة واستهدافهم في الخيام التي لجأوا إليها، يعد إعلانا صريحا لنقل الحرب اجتماعيا إلى خارج حدود غزة، وجعل العالم بأسره خصما لها.
ويشير إلى أن الهجوم الذي وقع بالأمس يعد دليلا صريحا قويا على عجز "آلية القانون الدولي" عن فرض أي عقوبات فعالة. لقد تم مرة أخرى إجبار الأمم المتحدة، التي تقع على عاتقها مسؤولية حفظ النظام الدبلوماسي العالمي وإحقاق السلام وإنهاء الظلم، على الخضوع لإسرائيل. أما الاتحاد الأوروبي، فلا أثر له على الإطلاق.
فماذا سيحدث الآن؟ إن محكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة ومحادثات السلام والعقوبات الدبلوماسية كلها بلا جدوى وغير موجودة عمليا. وحتى القيود التجارية التي فرضتها الشعوب لم تكن كافية لإجبار إسرائيل على التراجع. ولم تتمكن حتى ردود الفعل الغاضبة التي تحولت إلى "كراهية لإسرائيل" في الولايات المتحدة وأوروبا من وقف الإبادة الجماعية.
وتابع المقال:
في غضون ذلك لم تعد إسرائيل تبدي أي اهتمام بحاميها ومورد أسلحتها، الولايات المتحدة. ماذا قال رئيس الوزراء الإسرائيلي القاتل نتنياهو؟ "سندخل رفح بمفردنا إذا لم تدعمنا الولايات المتحدة." وهذا ما حدث بالفعل، فقد هاجمت إسرائيل رفح وأحرقتها.
وبينما تظهر إسرائيل للعالم أن اليهود هم أكثر شعوب الأرض إفسادا، ماذا سنفعل نحن حيال ذلك؟ يجب أن نواجه الحقيقة بشجاعة ونتحدث بصراحة، يجب اتخاذ قرارات حازمة لمواجهة إسرائيل مع جرائمها ضد الإنسانية في جميع أنحاء العالم. فلنأخذ بعين الاعتبار مثلا تحذير الراحل "نجم الدين أربكان" الذي قال: "إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة"، ويبدو أنه في ميزان القوى الحالي، لا توجد دولة قادرة على إيقاف إسرائيل. أو ربما لا تملك أي دولة الشجاعة لفعل ذلك.
الأمر لا يتعلق فقط بالأسلحة. فقد حاصرت إسرائيل العديد من الدول والشعوب دون استخدام السلاح. إن درع الحصانة وعدم القدرة على المساس بها هما أقوى أسلحتها بالفعل. وعلى الرغم من وضوح كون الصهيونية منظمة إرهابية متطرفة، إلا أنه لا يزال ينظر إلى التحدث عن الإبادة الجماعية في غزة على أنه "معاداة للسامية". لهذا السبب، لم تتمكن محكمة العدل الدولية من إصدار قرارها بشأن نتنياهو إلا بإدراج قادة "حماس" في قائمة المتهمين أيضا. وما دامت الدول والمؤسسات والنظام العالمي عاجزة عن اختراق جدران الخوف التي بنتها إسرائيل، ستستمر الإبادة الجماعية في غزة. بل قد تصل إسرائيل في يوم من الأيام إلى معاقبة من يعارضون الإبادة الجماعية ويفرضون عقوبات عليها، وستجبرهم على دفع الثمن.
ما نشهده اليوم هو مشهد مروع بالنسبة لباقي دول العالم، ولنا نحن أيضا. وبينما كانت رفح تتعرض للقصف في الليلة الماضية، قمنا في "مبادرة فلسطين" بدعوة الناس الذين لا يستطيعون البقاء في بيوتهم إلى حديقة ساراتشانه. وعند الساعة الثانية فجرا جاء ما بين 300 و 500 شخص تاركين أسرتهم الدافئة وكان الغضب يتطاير من عيونهم، وترددت على ألسنتهم مطالب بـ "إيقاف إسرائيل بأيد عارية". أنا لا أتحدث هنا عن مشاعر عابرة. لم يكن الأمر لحظيا. بل كان هناك حشد من الناس يملؤهم شعور عميق بالتضامن الكامل، لقد وصلنا إلى هذه المرحلة بالفعل. وسأقولها بوضوح: إن الغضب تجاه إسرائيل التي تذبح غزة كل دقيقة يتحول إلى معاداة للسامية في جميع أنحاء العالم، وفي بلدنا أيضا. من المستحيل توقع أين ومتى سينفجر هذا السيل من الغضب. هناك موجة قادمة ستتجاوز جهود الدول والجيوش والقادة والقواعد الدبلوماسية التي لم تحقق أية نتائج على مدار 8 أشهر.
فمن ناحية، نرى جنودا إسرائيليين يضحكون وهم يلتقطون صورا تذكارية بعد حرق أطفال غزة أحياء في رفح. ومن ناحية أخرى، نرى مواطنين أتراكا صهاينة ينضمون إلى الجيش الإسرائيلي ويشاركون في الإبادة الجماعية في غزة. ومن جهة أخرى نرى إسرائيليين يتداولون على مجموعات "تيليغرام" منشورات بشعة "يمكنك استبدال كيلوغرام من لحم طفل غزاوي بكيلوغرام من لحم الدجاج". ولا يزال هناك من يرفضون انتقاد إسرائيل ويتجنبون إدانة الإبادة الجماعية.
لنفكر بصوت عال: ماذا يجب على الناس أن يفعلوا في مواجهة هذا المشهد؟ كيف يجب على بقية العالم أن يتعامل مع ما يحدث منذ ظهور "الإرهاب الصهيوني" على يد إسرائيل؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!