ترك برس
زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس العاصمة التركية أنقرة في الرابع عشر والخامس عشر من أغسطس/آب الجاري، لإلقاء خطاب في البرلمان تلبية لدعوة رئيسه نعمان قورتولموش، وذلك ردا على خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأميركي.
الدبلوماسي التركي وآخر سفير تركي بدمشق، عمر أونهون، تساءل في مقال له حول تأثير زيارة عباس لأنقرة على العلاقات بين الحكومة التركية وحركة حماس التي كان رئيس مكتبها السياسي السابق، إسماعيل هنية، مدعواً للخطاب نفسه في البرلمان قبل اغتياله في طهران.
وفيما يلي النص الكامل لمقال "أونهون" والذي نشره موقع "المجلة":
بغض النظر عن الحزب السياسي الذي يحكم تركيا، وبعيدا عن جودة أو سوء العلاقات مع إسرائيل، فإن تركيا وقفت دائما إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعمت حل الدولتين.
ومع ذلك، تميزت سياسات أردوغان بنهج مختلف إلى حد ما، أبرز ما فيه كانت مشاعره الدافئة حيال حركة "حماس"، حتى وإن كان ذلك على حساب العلاقات مع إسرائيل وبعض الدول الأخرى في المنطقة والغرب. فحكومة أردوغان، بالإضافة إلى المراكز المحافظة الأخرى في تركيا، لا تصف "حماس" بالإرهابية، بل تعتبرها منظمة تحرير تسعى لاستعادة أراضيها الواقعة تحت الاحتلال.
كما يشير أردوغان ومسؤولوه في كثير من الأحيان إلى "حماس" باعتبارها حزبا سياسيا شرعيا فاز في الانتخابات التي أجريت في غزة عام 2006، لكنه أُقصي من الحكم رغم هذا الفوز.
واتخذت تركيا عددا من الخطوات العملية، بما في ذلك سحب سفيرها من تل أبيب (مع بقاء السفارة نشطة)، وتعليق التجارة الخارجية مع إسرائيل، وتقديم طلب رسمي للمشاركة في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. ومع ذلك، تشعر تركيا بأن جهودها في الدفاع عن الفلسطينيين ومساهماتها لم تلق التقدير الكافي.
ويمكن القول إن سياسات حكومة أردوغان أثارت استياء عباس، بالإضافة إلى بعض الدول الإقليمية التي لا تتفق مع "حماس" بسبب روابطها مع "الإخوان المسلمين" وعلاقاتها القريبة مع إيران. ومع ذلك، ورغم الاستياء المتبادل، لم يتوقف الزعيمان عن التواصل بين الحين والآخر. إذ استمر عباس في لقاء الرئيس التركي، حتى وإن لم تكن هناك حميمية حقيقية بينهما، ولم يعارض كذلك محاولات تركيا للمساهمة في تحقيق المصالحة الفلسطينية.
أما عباس نفسه فهو واقع بين المطرقة والسندان. حيث كان متحفظا في ردود أفعاله وإداناته لإسرائيل لأسباب مختلفة، منها علاقاته المتوترة مع "حماس"، والحاجة إلى الحفاظ على علاقته مع إسرائيل والجهات الفاعلة الأخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
وفي اليوم الأول من زيارته يوم 14 أغسطس، أجرى محمود عباس محادثات ثنائية مع الرئيس أردوغان، وفي 15 أغسطس، ألقى كلمة أمام البرلمان التركي الذي اجتمع في جلسة استثنائية ليوم واحد لاستضافته (برغم العطلة السنوية). كما حضره ممثلون عن دول أجنبية ومنظمات دولية، بالإضافة إلى الفلسطينيين الجرحى الذين جاءوا من غزة إلى تركيا للعلاج، والذين تواجدوا في البرلمان أثناء إلقاء عباس لخطابه.
خطاب عباس على الأقل ينقل رسائل التضامن الفلسطيني وطالب بوقف إسرائيل للحرب واستئناف مفاوضات السلام التي تؤدي إلى "حل الدولتين". وتمنح زيارة عباس أردوغان الفرصة لإظهار أن سياساته الفلسطينية لا تستند فقط إلى "حماس"، وسيحرص على زيادة وتعزيز هيبته في تركيا والدول الإسلامية باعتباره الداعم الثابت للفلسطينيين.
لكن زيارة عباس لن تكون على حساب العلاقات مع "حماس". فمن المحتمل تواجد ممثلون عن "حماس" في أنقرة وفي البرلمان خلال زيارة عباس، ولكن ليس كجزء من الوفد الرسمي وبالتأكيد ليس في شخص رئيس المكتب السياسي الجديد يحيى السنوار.
قد لا تكون علاقات تركيا مع السنوار وثيقة كما كانت مع هنية، فالعلاقات مع "حماس" تحت قيادة السنوار، الذي يُعد المهندس الرئيس لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول والمعروف بقربه من إيران، ستكون أكثر تعقيدا وعرضة للاستغلال والانتقاد.
وتصنف إسرائيل أي شخص ينظر حتى ولو نظرة نحو "حماس" كداعم للإرهاب، لكنها هي نفسها تنغمس حاليا في حرب مرعبة. وحولت سياسات نتنياهو، إلى مرتكب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. ويسعى اليمين المتطرف والمتدينون المتشددون إلى إنشاء إسرائيل وفقا لقناعاتهم، على الرغم من معارضة الكثير من الإسرائيليين واليهود لهم.
هذا الجزء من إسرائيل يعميه الغضب، حيث يجري تبرير تعذيب المعتقلين الفلسطينيين وحتى اغتصابهم من قبل وزراء اليمين المتطرف وأنصارهم، باعتباره رادعا فعالا. وعلى الصعيد الدولي، يسعى نتنياهو إلى تحويل الوضع إلى صراع بين "محور الشر" إيران- "حزب الله"- "حماس" من جهة، وإسرائيل والغرب من جهة أخرى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!