ترك برس

رأى الخبير والمحلل السياسي التركي سليمان سيفي أوغون، أن تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي (بي كي كي) لن ينصت للدعوات الموجهة له مؤخرا بشأن إلقاء السلاح، لأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل، لن توافق على ذلك.

وأشار أوغون في مقال بصحيفة يني شفق إلى أن الهجوم الأخير على شركة "توساش" التركية للصناعات الدفاعية يعكس مسارين رئيسيين؛ "أولهما أن تنظيم بي كي كي الإرهابي لا ينوي التخلي عن السلاح، والثاني أن هناك أطرافًا خارجية تؤثر على مسار التنظيم وتعمل على استمراره في العمليات العسكرية. ورغم أن التفسيرين يلتقيان في نقطة واحدة تؤدي إلى النتيجة نفسها، فإن إغفال أحدهما قد يُفقد التحليل العميق المطلوب لفهم أبعاد الموقف".

وذكر أن المنطقة شهدت تغييرات جذرية عقب أحداث "الربيع العربي"، خاصة في العراق وسوريا، حيث أثرت هذه التطورات على تمركز ونفوذ تنظيم بي كي كي الإرهابي خارج الحدود التركية. ويجدر بالذكر أن هذه المناطق لم تكن جديدة على التنظيم، بل كانت معقله منذ فترة طويلة؛ إذ أقام زعيم التنظيم عبد الله أوجلان سنوات عديدة في سوريا، محاطاً بعدد كبير من المقاتلين التابعين له، كما أن جبال قنديل تُعد إحدى أهم قواعده الرئيسية.

وأوضح أنه على الرغم من الانتشار الخارجي للتنظيم، إلا أن له العديد من المعسكرات داخل تركيا، وكانت هجماته تُوجه بشكل مباشر نحو الداخل التركي، مستهدفة المواقع العسكرية والمدنية.

وتابع المقال:

بعد عام 2012، أعاد تنظيم بي كي كي الإرهابي تنظيم صفوفه وتركّز نشاطه في العراق وسوريا، حيث خاض معركة ضد تنظيم داعش، الذي يوصف بأنه كيان مصطنع. أسهم قتال تنظيم بي كي كي الإرهابي ضد داعش وهزيمته له في رفع مستوى الاعتراف الدولي به وتعزيز مكانته. وعُرضت على الرأي العام العالمي عدة وثائقيات، حيث جرت مقارنة صورة مقاتلي داعش، أولئك الذين كانت تُعرفهم اللحى الطويلة والوحشية وبيع النساء في أسواق الرقيق، بصورة مقاتلات تنظيم بي كي كي اللواتي بدا وكأن "الربيع قد جاء إلى جبالهن"، بشعرهن المتطاير وغسلهن في ينابيع الطبيعة وابتساماتهن ذات الأسنان البيضاء.

كما ظهر في هذه الوثائقيات مقاتلون رجال من بي كي كي الإرهابي، يظهرون بتفانٍ واحترام للطبيعة لدرجة أنهم لا يلقون سجائرهم على الأرض حفاظًا على البيئة. تم التركيز على العلمانية واحترام الطبيعة والمرأة، مع إيلاء اهتمام خاص للطائفة الإيزيدية، التي تعرضت بشدة لبطش داعش، وجذبت هذه الرموز حساسيات الطبقة الوسطى العالمية. وبهذا الشكل، تم نزع الصورة النمطية القديمة التي كانت مرتبطة بنهج بي كي كي الستاليني الصارم، وأعيد تقديم التنظيم بشكل أقرب إلى الوسطية المعاصرة.

نحن ندرك تماماً أن من "عمّد" تنظيم بي كي كي الإرهابي هم الأوساط الأمريكية والأوروبية. إلا أننا نرى اليوم بوضوح أكبر أن المعمّد الأساسي، والأكثر عمقاً، هو إسرائيل، التي تروّج عبر قنوات مثل كنيسة "القيامة" للقس برونسون، المعروف لدينا، لفكرة أن الأكراد يمثلون "القبيلة الثالثة عشرة المفقودة."

لم يكتفِ تنظيم بي كي كي العلماني بمحاربة داعش، بل رفع لواء مكافحة كافة أشكال الإسلام السياسي بما يتماشى مع القيم الغربية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين. (ما الفرق فعلياً بين داعش والإخوان المسلمين؟ ألم يكن أيمن الظواهري يوماً تلميذاً متطرفاً لسيد قطب؟).

وفي تركيا، ظهر أيضاً نظام ذو توجه إسلامي سياسي، مما جعل الصراع بين بي كي كي وتركيا يبدو كجزء من التوتر بين العلمانية والإسلامية. وفي تلك الفترة، برز زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، الشاب الكاريزمي، صلاح الدين دميرتاش، الذي تم تقديمه وفقاً لنفس المبادئ. سعى دميرتاش عبر ما أسماه "التوجه التركي" إلى إقامة تحالف بين الطبقة الوسطى التركية والكردية ضمن تيار يساري علماني مستوحى من حركة "ووك"، بأبعاد علمانية ونيو-باجانية. ويبدو أنه حقق نجاحاً لا يستهان به في هذا الإطار.

ومع ذلك، انهارت هذه العملية التجميلية و"التعميد" خلال أزمة الخنادق، حيث سقط على الأقل الجانب التركي من العملية، بينما لا تزال أركانها قائمة في العراق وسوريا.

بعد 7 أكتوبر، بدأت النزعة التوسعية الإسرائيلية تتسارع، فاتحةً مجالات جديدة أمام الحركة الكردية. ويبدو أن عملية التسلح والسعي نحو تشكيل الدولة تقترب من مرحلتها الأخيرة في الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم بي كي كي الإرهابي. ومن السذاجة أن نفترض أن إسرائيل، التي لم تستطع دخول لبنان، ستتمكن من فتح جبهة مباشرة ضد تركيا. لكن احتمال إنشاء دولة كردية تفصل تركيا عن الشرق الأوسط وتحرك الأكراد داخل تركيا لإشعال حرب أهلية بين الأتراك والأكراد، هو احتمال لا ينبغي تجاهله.

لكن، هل تنفيذ هذا السيناريو بهذه السهولة؟ في الواقع، سيكون على داعمي هذا المشروع إقناع روسيا أولاً، ورغم أن الأمر ليس مستحيلاً، إلا أنه ليس سهلاً أيضاً. أما فيما يخص إيران، ومع الأخذ في الاعتبار العداء المستمر بينها وبين إسرائيل، فإن فكرة إقناعها غير واردة تماماً. والخيار الوحيد المتاح ربما هو محاربة الجماعات المدعومة من إيران والعمل على طردها من سوريا. وباختصار، هذا يعني مواجهة مباشرة بين حزب الله وبي كي كي، فهل يحدث ذلك؟ سنرى.

ما يمكننا التأكد منه تقريباً هو أن تنظيم بي كي كي الإرهابي لن يلقي السلاح، ولن توافق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل على ذلك. كاريزما عبد الله أوجلان لن تكون كافية لتغيير هذا التحالف. وعليه، يبدو من غير المعقول أن نعتقد أن الدولة التركية غير مدركة لهذا الواقع الواضح، بناءً على المعطيات المتاحة.

من الواضح أن هذا المسعى غير مجدٍ. لكن توجيه دعوة لعبد الله أوجلان وحزب "Dem" يشير إلى خطوة مختلفة، وربما يوحي بانطباع عن إعادة فتح مسار للحل، وهو أمر لا يعرف أبعاده سوى المطلعين مباشرة على مجريات الأمور. سنترقب بفضول متابعة التطورات.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!