ترك برس
رأى الخبير والمحلل السياسي التركي قدير أوستون، أن فوز دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية يمثل ترسيخًا لانتصار الشعبوية القومية، وتأكيدًا على توجه السياسة الخارجية الأمريكية نحو شعار "أمريكا أولاً".
وأشار أوستون في تقرير بصحيفة يني شفق إلى أن ترامب عاد إلى الرئاسة مجددًا، بعد أن استعاد جميع الولايات المتأرجحة التي خسرها لصالح بايدن قبل أربع سنوات، مما جعله يفتح آفاقًا جديدة في التاريخ السياسي الأمريكي.
وقال إن ترامب، الذي رفض نتائج انتخابات 2020 وأطلق شرارة اقتحام الكونغرس في السادس من يناير، واجه مرتين محاولات لعزله من منصبه. ومع ذلك، لم يكتف بإثبات خطأ من اعتقدوا أن مسيرته السياسية انتهت وأنه سيُهمش وينسى، بل دخل التاريخ كأول رئيس أمريكي مدان جنائيًا.
وأضاف: "يُمثل هذا الانتصار لترامب ترسيخًا لانتصار الشعبوية القومية، وتأكيدًا على توجه السياسة الخارجية الأمريكية نحو شعار "أمريكا أولاً".
وتابع التقرير:
بايدن لم يفي بوعوده
بعد انتخابات 2020، أظهر ترامب هيمنة واضحة داخل الحزب الجمهوري، متحديًا الأصوات التي دعت إلى تجاوز "الترامبية"، حيث أكد من خلال أدائه في الانتخابات التمهيدية أن الحزب بات ملكًا له. قاد ترامب حملة ركزت على سياسات بايدن الاقتصادية والهجرة، ونجح في استغلال التساؤلات حول القوة الذهنية والبدنية لمنافسه. خلال مناظرة تلفزيونية مع ترامب، كشفت نقاط ضعف بايدن الذهنية بشكل جلي، ما دفعه إلى الانسحاب من السباق، تاركًا لكمالا هاريس وقتًا ضيقًا للتأثير في مسار الانتخابات.
في عام 2020، عرّف بايدن نفسه بأنه "زعيم لفترة انتقالية"، ولكنه لم يلتزم بهذا الوعد وأصر على الترشح مرة أخرى، مما أعاق بروز جيل جديد من السياسيين داخل الحزب الديمقراطي. اعتقاد بايدن بأنه الشخص الوحيد القادر على هزيمة ترامب دفعه إلى الاستمرار في السباق حتى أصبح الانسحاب خيارًا حتميًا. كما أن دعمه المالي والسياسي لسياسة التطهير العرقي في فلسطين خلق انقسامًا خطيرًا داخل الحزب. أطلق الجيل الشاب على بايدن لقب "جو الإبادي"، منتقدين سياساته بحدة، لا سيما في ظل ابتعاده عن الظهور العلني خلال العام الأخير، مما أتاح لترامب فرصة استغلال السخط الشعبي تجاه الوضع الاقتصادي وإبقائه محور النقاش العام.
ترشيح هاريس
تم إقناع بايدن من قِبل قيادات بارزة في الحزب الديمقراطي، مثل نانسي بيلوسي وباراك أوباما، بالتنحي عن السباق، مما أدى إلى نقل حملته الانتخابية إلى كمالا هاريس دون اللجوء إلى الانتخابات التمهيدية. لو أُتيح خلال المؤتمر الحزبي فرصة ظهور مرشحين آخرين، لكان بالإمكان إما ظهور مرشح أقوى أو تعزيز شرعية ترشح هاريس كرئيسة للحزب. إلا أن الانطباع بأن الحزب وجه ضربة لبايدن، إلى جانب المعارضة الداخلية المرتبطة بقضية فلسطين، حالا دون توحيد صفوف الحزب الديمقراطي حول هاريس بشكل قوي. كما أن استياء بايدن من إبعاده وتسريب ذلك للإعلام، إلى جانب محاولات تقليص ظهوره بسبب احتمالية ارتكابه أخطاء، سلّط الضوء على المشكلات الناتجة عن تسليم ترشيح الحزب لهاريس.
في مواجهة ترامب، المعروف بحسه السياسي القوي وقدرته على توجيه هجمات شرسة ضد خصومه باستخدام جميع الوسائل المتاحة، لم يكن مفاجئًا أن تظهر هاريس غير قادرة على مجاراة هذا التحدي. ومع ذلك، فشلها في الحفاظ على الزخم الذي حصلت عليه خلال الصيف حتى موعد الانتخابات كشف عن ضعف استراتيجيتها السياسية. لم تتمكن هاريس من إبراز أي تمايز واضح عن بايدن فيما يتعلق بالاقتصاد أو قضايا الإبادة الجماعية، ووجدت نفسها تتأرجح بين التركيز على خطاب معادٍ لترامب وبين تقديم رسالة أمل إيجابية للمستقبل. بعبارة أخرى، بينما حاولت تحفيز النساء والشباب بالخوف من عودة ترامب، فشلت في تقديم وعود مقنعة حول الاقتصاد والهجرة للناخبين من الطبقات المتوسطة والدنيا.
ورغم أن احتمالية كونها أول امرأة سوداء تتولى الرئاسة أعطاها فرصة للحديث عن العنصرية والتمييز الجنسي، إلا أن مشكلتها الكبرى كانت في عجزها عن تقديم رؤية واضحة لمستقبل يختلف عن عهد بايدن. وكما أظهرت نتائج الانتخابات، لم تنجح هاريس سوى في جذب أصوات بعض النساء الجمهوريات المتعلمات من الفئة العمرية فوق 65 عامًا، بينما لم تستطع منع ترامب من زيادة شعبيته بين مختلف الفئات الديموغرافية.
ترامب، رغم خطابه المناهض للهجرة، تمكن من جذب المزيد من أصوات اللاتينيين. ورغم دعمه المعلن لإسرائيل، حصد أصواتًا إضافية من المسلمين. وحتى رغم خطابه العنصري، زاد من شعبيته بين الناخبين السود. كان على هاريس أن تستفيد من تركيز ترامب على الرسائل الاقتصادية، لكنها فشلت في استخلاص الدروس الضرورية من ذلك، ما ساهم في تفوقه.
سياسة ترامب الخارجية
عودة ترامب إلى السلطة ستُحدث تأثيرات دائمة على مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي. فبنهجه المشكك تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والأمم المتحدة، والتحالفات والاتفاقيات متعددة الأطراف في آسيا، لن يكون مفاجئًا أن يواصل تبني شعار "أمريكا أولًا" كإطار موجه لسياسته الخارجية. يسعى ترامب إلى تقليص الأعباء المالية التي تتحملها بلاده، مع زيادة مطالبته حلفاءها بتقاسم أوسع للأعباء، مع التشكيك في الركائز الأساسية للنظام الدولي الذي أنشأته ورعته الولايات المتحدة.
ترامب، الذي تعهد بإنهاء الحرب في أوكرانيا، يُتوقع أن يتخذ خطوات استباقية لعقد مفاوضات سريعة مع روسيا، خاصة مع موقفه المعروف بمعارضة تقديم المساعدات لكييف. لم يعد من المحتمل أن يوافق الكونغرس على تقديم مليارات الدولارات كمساعدات مجانية. من المحتمل أن يؤدي ضغط ترامب على أوكرانيا للقبول باتفاقية سلام إلى تلبية بعض المطالب الرئيسية لروسيا على الأقل في المرحلة الأولى. كما قد يشير هذا إلى انتهاء سياسة العزل القائم على العقوبات المفروضة على روسيا.
من جهة أخرى، من المتوقع أن تعود سياسات الضغط على إيران والصين، مع إعطاء الأولوية لـ"الحلفاء التقليديين" في الشرق الأوسط، مثل إسرائيل، السعودية، مصر، وتركيا. وفي هذا السياق، قد تُتاح لإسرائيل مساحة أكبر لمواصلة سياساتها المتعلقة بالاحتلال والضم في فلسطين دون عوائق تُذكر.
إن إنهاء الشعب الأمريكي لحكم إدارة بايدن-هاريس يُمكن قراءته ليس فقط كرد فعل على التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، بل أيضًا كرفض للخطاب المتعالي والنخبوي الذي تبناه الديمقراطيون. تفضيل الناخبين للقضايا الاقتصادية على خطاب ترامب، الذي غالبًا ما يُوصف بالعنصرية ومعاداة المرأة والأجانب، يُعتبر رسالة واضحة للنخب الديمقراطية التي تعتمد على السياسات الهوياتية وتُهمش الطبقات الشعبية الأقل تعليمًا.
ورغم أن الوقت لا يزال مبكرًا لمعرفة ما إذا كان الديمقراطيون قد استوعبوا هذا الدرس، إلا أنه من الواضح أن هذا الواقع أتاح لترامب فرصة ذهبية لإعادة تشكيل السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة وفقًا لشعبوية "أمريكا أولًا". في السنوات الأربع المقبلة، ومع غياب ضغوط إعادة الانتخاب وعدم وجود معارضة قوية من الكونغرس خلال العامين الأولين على الأقل، سيحظى ترامب بفرصة مثالية لتنفيذ وعوده الجذرية وتحقيق رؤيته في تحويل الولايات المتحدة إلى "أمريكا ترامب".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!