ترك برس
توقع الخبير والمحلل السياسي التركي يحيى بستان، أن تشهد فترة حكم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أربع تطورات بارزة تهم تركيا بشكل مباشر، بعضها إيجابي والبعض الآخر سلبي.
وفي تقرير تحليلي نشرته صحيفة يني شفق، أشار بستان إلى أن شهر أبريل/نيسان شهد نشاطًا ملحوظًا في كواليس العلاقات بين أنقرة وواشنطن، حيث بدأت بوادر تهدئة تظهر بين البلدين.
ووفقا للكاتب، تمثلت هذه الإشارات في ملفات مثل عضوية السويد في حلف الناتو والمفاوضات حول صفقة مقاتلات أف-16. كما بدأ مسؤولون دبلوماسيون واستخباراتيون من الجانبين مناقشة مستقبل التنظيمات الإرهابية في سوريا. وكان من المنتظر أن تتوج هذه التطورات بلقاء قمة يجمع قادة البلدين.
في هذا السياق، تم التخطيط لاجتماع في البيت الأبيض، حيث كان من المتوقع أن يلتقي الرئيس رجب طيب أردوغان بالرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة في مايو. لكن أنقرة أبلغت فريق بايدن أن الزيارة لن تتم بسبب ازدحام جدول أعمالها.
ورد فريق بايدن بطلب تحديد موعد جديد لعقد اللقاء. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي ينشغل فيها الرؤساء عادة بحملاتهم الانتخابية قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات، بالإضافة إلى قمة الناتو المزمع عقدها في يوليو والتي ستكون مزدحمة بالمناقشات، كانت واشنطن ترى ضرورة عقد اللقاء قبل يوليو. يقول بستان.
"رغم ذلك، لم تقدم أنقرة جدولًا زمنيًا جديدًا للقاء. ووفقًا لتحليل أجرته تركيا حول الانتخابات الأمريكية، كانت التوقعات تشير إلى أن دونالد ترامب هو الأوفر حظًا للفوز".
اجتماع هاكان فيدان بعيدًا عن الأنظار
أشار بستان إلى أن توقع فوز ترامب كان مزيجًا من قراءة مستقبلية ورغبة سياسية. فرغم العلاقات المتقلبة بينهما، كان الرئيسان أردوغان وترامب على معرفة جيدة ببعضهما البعض، وتمتعا بعلاقة شخصية قوية لدرجة تبادل أرقام الهاتف الخاصة. إضافة إلى ذلك، كان موقف ترامب من العلاقات مع أنقرة يختلف تمامًا عن موقف بايدن. فبينما كان لدى الديمقراطيين قائمة طويلة من القضايا العالقة مع تركيا، كان ترامب ينظر إلى ملفي "تنظيم بي كي كي الإرهابي" ومنظومة "إس-400" كأعباء يجب التخلص منها أكثر من كونها أزمات أساسية.
وتابع الكاتب تقريره:
السياسة التي اتبعها بايدن تجاه غزة، إلى جانب التوقعات بخسارة الديمقراطيين للانتخابات، دفعت أنقرة إلى تبني موقف انتظاري: "لِننتظر حتى الخامس من نوفمبر". وعلى الرغم من أن أنقرة حافظت على علاقات دافئة مع فريق بايدن، إلا أن استثمارها الاستراتيجي الحقيقي كان في ترامب. وتأكيدًا لهذا التوجه، عقد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان اجتماعًا بعيدًا عن الأنظار مع ريتشارد غرينيل، الذي كان يُشاع أن ترامب يخطط لتعيينه وزيرًا للخارجية، وذلك خلال قمة الناتو التي انعقدت في واشنطن في يوليو.
وجاءت توقعات أنقرة صحيحة، حيث فاز ترامب في الانتخابات. وعقب ذلك، صرح الرئيس أردوغان قائلاً: "أهنئ صديقي ترامب"، ثم أجرى الزعيمان مكالمة هاتفية. والآن يبقى السؤال: ماذا ستكون الخطوات القادمة؟
سينتكوم (القيادة المركزية الامريكية) قد تضغط على ترامب
من المتوقع أن تشهد فترة حكم ترامب أربع تطورات بارزة تهم تركيا بشكل مباشر، بعضها إيجابي والبعض الآخر سلبي.
أولًا: العلاقة التي تربط الولايات المتحدة بتنظيم بي كي كي الإرهابي كانت بالفعل موضع نقاش بين البلدين. كما ذكرت في مقال سابق (السيناريو الذي ينتظر "بي كي كي" في سوريا، أكتوبر 2024): "إذا فازت هاريس، فقد تُنفذ خطة الانسحاب بشكل تدريجي، أما إذا فاز ترامب، فستتسارع العملية." فريق ترامب ذكر بوضوح في وثيقة السياسة الخارجية التي أعدها قبل الانتخابات: "علينا إعادة النظر في الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لتنظيم واي بي جي/بي كي كي."
لكن هذا الموقف يحمل وجهين: الوجه الأول إيجابي ويشير إلى احتمال تقليص الدعم الأمريكي للتنظيم. أما الوجه الآخر، فيتمثل في إمكانية ضغط القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم) على الرئيس الأمريكي للحفاظ على الوجود الإرهابي في سوريا من خلال تغيير الاسم والشكل ليصبح كيانًا سياسيًا عبر ما يسمى الانتخابات المحلية. علينا متابعة الأحداث لمعرفة ما سيحدث.
ثانيًا: خطة ترامب لأوكرانيا تبدو واضحة إلى حد كبير. سيتم إجبار زيلينسكي على الجلوس على طاولة المفاوضات مع روسيا. وإذا شاركت أوكرانيا في محادثات السلام، فستتمكن من الحصول على مساعدات من الولايات المتحدة. ستكون خطوط الحرب الحالية الأساس للمفاوضات. قد تؤدي هذه الخطة إلى إنشاء طاولة مفاوضات في أوكرانيا، ما سيخفف الضغط الذي تتعرض له تركيا بسبب علاقاتها مع روسيا، خاصة في ظل العقوبات المفروضة. وزير الخارجية هاكان فيدان كان قد صرح سابقًا: "هدفنا الخروج من "قانون مواجهة خصوم أمريكا من خلال العقوبات "CAATSA"، ونحن نعمل على صيغ إبداعية لتحقيق ذلك." وهذا تطور إيجابي. أما الجانب السلبي، فهو أن تطبيع العلاقات بين واشنطن وموسكو قد يؤدي إلى ترك تركيا وحيدة في مواجهة تصعيد روسي أكثر عدوانية في سوريا. أما الجانب السلبي، فيكمن في أن تطبيع العلاقات بين واشنطن وموسكو قد يترك تركيا وحيدة في مواجهة روسيا أكثر عدوانية في سوريا.
ازدياد الثقل النوعي لأنقرة داخل الاتحاد الأوروبي
ثالثًا: يعمل الاتحاد الأوروبي منذ عام على التحضير لاحتمالية عودة ترامب إلى السلطة. يسعى الاتحاد إلى تحقيق "الاستقلال الاستراتيجي" عبر تعزيز الصناعات الدفاعية، وإنشاء مظلة نووية جديدة وهيكل قيادة خاص. وفي خضم هذا التحول الكبير، تسعى بروكسل إلى شراكة وثيقة مع أنقرة. وقد زاد الثقل النوعي لتركيا داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما يتجلى في عدة خطوات مهمة خلال العام الماضي، مثل مشروع "درع السماء الأوروبية"، ومشاركة تركيا في تطوير مقاتلات "يوروفايتر"، ورفع العقوبات المفروضة عليها، وتحسن العلاقات بين أنقرة وأثينا.
رابعًا: كان ترامب هو المهندس الرئيسي لما يسمى بـ"تحالف الكرة الأرضية"، الذي يهدف إلى تحقيق مصالحة بين دول الخليج وإسرائيل، وضمان أمن تل أبيب، وتطويق إيران. استمر بايدن في تطبيق هذه السياسة بنفس الأهداف، ولكن بطرق مختلفة. استغلت إسرائيل أحداث السابع من أكتوبر لتعزيز استراتيجياتها، التي شملت ضم غزة، وإنشاء مناطق عازلة في لبنان وسوريا، وإخراج إيران من سوريا، والقضاء على القدرات النووية لطهران.
اغتيال ترامب لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في عام 2020 كان بمثابة البداية لمحاولات إخراج إيران من سوريا. وعلى الرغم من إعلان ترامب أنه "سينهي الحرب"، إلا أن طبيعة هذا السلام تظل غير واضحة وتثير تساؤلات. ومن المتوقع أن يواصل ترامب دعمه المطلق لإسرائيل إذا عاد إلى السلطة. ويبدو أن خطوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بإقالة وزير الدفاع يوآف غالانت قبل يوم واحد فقط من الانتخابات الأمريكية، وتعيين وزير الخارجية المتشدد كاتس بديلًا له، تحمل دلالات مقلقة. (هناك اعتقاد بأن الولايات المتحدة ستنتقم يومًا من نتنياهو الذي أضرّ بصورتها عالميًا، وربما يتم ذلك على يد ترامب، لكن هذا موضوع آخر.)
هناك العديد من الأمور التي يمكن الحديث عنها بشأن فترة حكم ترامب المقبلة. ومع ذلك، يمكن إنهاء النقاش الآن بالتأكيد على نقطة أساسية: من المتوقع أن يسعى أردوغان وترامب إلى عقد لقاء شخصي قبل اتخاذ أي قرارات حاسمة تتعلق بالقضايا المهمة. اللقاء الذي تم تأجيله مع بايدن قد يتحقق خلال الأشهر القادمة مع ترامب، إذ أن هناك ملفات كثيرة تنتظر النقاش.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!