ترك برس
أكد الإعلامي التركي طه قلينتش، أنه لا يمكن بناء سوريا مستقرة وصحية اجتماعياً إلا من خلال إنشاء مظلة اجتماعية غير مسمومة بالطائفية.
وقال الكاتب في مقال بصحيفة يني شفق إنه بعد أن انتهى حكم البعث الديكتاتوري الجائر في سوريا الذي دام 61 عامًا، أصبحت المرحلة التالية تتطلب عملية إعمار شاملة في كافة المجالات.
وذكر أن أول ما يتبادر إلى الذهن في هذه العملية هو بالطبع إزالة آثار الحرب وإعادة بناء البلاد على الصعيد المادي.
وغني عن القول إن تركيا ستستخدم جميع إمكانياتها المتاحة في هذا السياق، وستبذل كل جهدها لمساعدة جارتها على النهوض مجددًا. وفقا للكاتب.
وأضاف: "بالتالي، يمكن القول إن الجزء الأكثر سهولة من عملية الإعمار سيكون في إصلاح المظاهر المادية للبلاد. ولكن هناك أيضًا حاجة ماسة إلى "الإعمار الروحي والثقافي والاجتماعي"، وهو أمر يتطلب تخطيطًا أوسع وجهودًا مكثفة".
وتابع المقال:
بدأ حكم حزب البعث في سوريا بانقلاب عسكري في 8 مارس 1963، وفي عام 1970 شهد مرحلة جديدة من خلال انقلاب داخلي نظمه حافظ الأسد ضد أصدقائه في الحزب. وكانت تلك المرحلة التي سميت بـ"الحركة التصحيحية" في التاريخ الرسمي السوري، بداية للأعوام الأكثر دموية وألماً في البلاد، حيث شهدت مجازر وسجنا وتعذيبًا، كما أدى انضمام بعض الشخصيات من طبقة العلماء إلى صفوف النظام إلى تعزيز حكم الأقلية النصيرية في سوريا، مما حول حياة عامة الشعب إلى جحيم. وكان مذبحة حماة عام 1982 وما خلفته من صدمة في الوعي الجماعي للسوريين عميقة إلى درجة أن السنة المسلمين، الذين يشكلون الأغلبية، لم يتمكنوا من معارضة النظام بأي شكل من الأشكال حتى اندلاع الربيع العربي.
كانت العقيدة النصيرية التي تؤلِّه الإمام علي عقيدة ضالة حتى من قبل الشيعة أنفسهم حتى سبعينيات القرن الماضي. ولكن بعد أن أصدر القائد الشيعي اللبناني موسى الصدر فتوى تقر بأن النصيرية فرع من فروع الشيعة، تمكن حافظ الأسد من تقديم نفسه كمسلم، ومن ثم، شكل حافظ الأسد تحالفًا قويًا مع بعض علماء السنة طوال فترة حكمه، ولم يتدخل في العقيدة السنية في سوريا. بل على عكس ما هو معمول به في الممارسات الشيعية، كان يتعمد إظهار نفسه كمسلم سني عند الصلاة في جميع مناسباته العلنية، من خلال وضع يديه فوق السرة بدلا من إسبالهما.
أما في عهد بشار الأسد، الذي كانت شخصيته أضعف من شخصية والده، فقد بدأت إيران في تنفيذ مشروع التشيع في سوريا تدريجياً، حيث قاموا بتوسيع الأضرحة والمقامات التي يُزعم أنها تخص آل البيت وأحفادهم، وزيادة عددها، وأنشأوا العديد من المزارات والمقامات الجديدة التي ليس لها أي أساس تاريخي. وتحولت منطقة السيدة زينب في دمشق إلى منطقة شيعية أشبه بولاية مستقلة تابعة لإيران. ونقل عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة من أفغانستان والعراق ولبنان إلى هناك خلال الحرب الأهلية تحت ذريعة "حماية حرم السيدة زينب".
بعد الحرب، وخاصة بعد تهجير السكان المحليين من حلب، بدأت تطبيقات "استراتيجية" جديدة في المساجد والمرافق السنية التي كانت تابعة لهم لقرون؛ حيث تسارعت عمليات بناء حسينيات جديدة. وأصبحت التصميمات والرموز الشيعية هي السائدة في مشاريع الترميم.
وبالطبع كان تغيير التركيبة الديمغرافية في سوريا أمراً حاسماً لتحقيق هدف تشييع بلاد الشام، ولم يتم إهمال هذا أيضًا. وقد تم ذلك من خلال منح الجنسية السورية للشيعة الأجانب وتوطينهم في المناطق التي هجرها السنة عبر المراسيم التي وقعها بشار الأسد واحدة تلو الأخرى. وفي الوقت نفسه، تم تطبيق هذا المشروع في العديد من مدن العراق، وخاصة بغداد، وكان الهدف منه خلق سوريا ذات أغلبية نصيرية شيعية في المستقبل. وفي هذا السياق فإن استهداف إسرائيل لمباني السجل المدني والجوازات والمخابرات في دمشق مؤخراً يهدف إلى طمس الأدلة على التغييرات الديمغرافية وتحديد حجم الدمار الذي تسببت فيه سياسة البعث. وهناك ادعاءات جادة بأن ماهر الأسد شقيق بشار الأسد قد زود إسرائيل بالمعلومات عن هذه الأهداف.
إن إحدى أهم القضايا التي ستواجه الحكومة السورية الجديدة، هي إصلاح الدمار الذي تحدثت عنه، والذي اقتصرت على ذكر جزء منه، فلا يمكن بناء سوريا مستقرة وصحية اجتماعياً إلا من خلال إنشاء مظلة اجتماعية غير مسمومة بالطائفية.
أنا الآن في مصر في زيارة قصيرة لمدة ثلاثة أيام. وسأتحدث في مقالي القادم عن انطباعاتي عن مصر. وبعد ذلك سأعود إلى الحديث عن الأحداث التي تشهدها بلاد الشام الآن.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!