ترك برس
أشار الكاتب والخبير التركي قدير أوستون، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حقق إنجازًا تاريخيًا نادرًا في السياسة الأمريكية، إذ أصبح ثاني رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يُنتخب لفترتين غير متتاليتين، وهو إنجاز تحقق لأول مرة في أواخر القرن التاسع عشر.
وقال أوستون في مقال بصحيفة يني شفق إنه بعد انتخابات 2020، كان يُعتقد أن ترامب سينضم إلى قائمة الرؤساء الذين خدموا لفترة واحدة فقط، وأن مسيرته السياسية قد انتهت. ومع ذلك، بفضل دعمه القوي من القاعدة الجمهورية وأخطاء الديمقراطيين الاستراتيجية، شق طريقه مجددًا إلى الرئاسة.
ووفقا للكاتب، دخل ترامب التاريخ السياسي الأمريكي باعتباره أول رئيس مدان جنائيًا. وبعد أداء القسم يوم الاثنين، وقع عددًا كبيرًا من الأوامر التنفيذية، مما أوضح جديته في تنفيذ تغييرات كبيرة خلال فترته الثانية دون أي مجال للشك.
وتابع المقال:
كانت فترة ترامب الأولى بمثابة مفاجأة غير متوقعة للبلاد ولترامب نفسه. فقد استغل حالة التشتت داخل الحزب الجمهوري، وأزاح حوالي 16 مرشحًا واحدًا تلو الآخر ليصبح المرشح الرسمي للحزب، في خطوة تشبه الثورة. ومع ذلك، أثارت اتهامات بتدخل روسيا في الانتخابات جدلاً واسعًا، مما ألقى بظلاله على شرعية فوزه وشكل تحديًا كبيرًا خلال فترة رئاسته.
واجه ترامب مقاومة شديدة خلال فترته الأولى من داخل حزبه الجمهوري، ومن وسائل الإعلام الرئيسية، ومن الكونغرس، ومن البيروقراطية في واشنطن. وقد اضطر إلى تسليم إدارة الوزارات إلى كوادر تقليدية من الحزب الجمهوري، لكنه لم يتمكن من العمل معهم لفترات طويلة بسبب الأزمات المستمرة والخلافات.
في فترته الأولى، لم يتمكن ترامب من فرض أجندة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" بالكامل على حزبه أو على البلاد. كما أن سوء إدارته لجائحة كورونا، باستثناء الإنجاز المتمثل في تطوير اللقاحات بسرعة، أدى إلى تعريض فرص إعادة انتخابه للخطر.
من بين إنجازاته الأكثر دوامًا كانت تعييناته في المحكمة العليا، والتي أرضت المحافظين، لكنها تسببت في إثارة جدل كبير حول قضية الإجهاض، مما أوقعه في مشاكل جديدة.
أخطاء بايدن
عندما تسببت سوء إدارة جائحة كورونا في فقدان حياة مئات الآلاف من المواطنين الأمريكيين، اتجه الناخبون إلى بايدن. ورغم أنه لم يكن المرشح المثالي للديمقراطيين، إلا أنه برز كقائد مؤقت قادر على توحيد مختلف الفئات.
بعد أحداث 6 يناير والقضايا القانونية التي فُتحت ضد ترامب، ظن الجمهوريون والديمقراطيون أن تلك القضايا ستُنهي مستقبله السياسي، وبدأوا التحضير لمرحلة ما بعد ترامب. لكن ترامب أثبت مهارته في لعب دور الضحية السياسية. تأخر إجراءات المحاكم واستمرار حالة الشك حول القضايا القانونية عززت الشعور بأنها ذات دوافع سياسية، مما زاد من تعاطف الناخبين معه.
عندما أصبحت ترشيحات ترامب أكثر جدية، قرر بايدن التراجع عن وعده بأن يكون قائدًا مؤقتًا وأعلن ترشحه مجددًا، مما أفقد الديمقراطيين فرصة اختيار مرشح جديد عبر الانتخابات التمهيدية. في النهاية، وجد بايدن نفسه مضطرًا للاستمرار في الترشح، لكن أدائه السيئ في المناظرات مع ترامب كشف للجميع عن المشاكل الناتجة عن تقدمه في العمر، وهي قضايا كانت مخفية عن الإعلام لفترة طويلة.
لم يكتف بايدن بعدم تمهيد الطريق لمرشح ديمقراطي آخر في الوقت المناسب، بل زاد من قوة ترامب من خلال إدارته السيئة لقضايا مثل التضخم، وأمن الحدود، والمساعدات لأوكرانيا، وأزمة غزة، مما منح ترامب أوراقًا قوية ضدّه.
فترة ترامب الثانية
يعود ترامب إلى السلطة في ولايته الثانية بدعم أوسع وأكثر استقرارًا مقارنة بفترته الأولى. فريق عمله وكابينته يتمتعان بمستوى عالٍ من الجاهزية، في حين يسيطر الجمهوريون على مجلسي الكونغرس. الإعلام التقليدي أصبح أكثر تقبلًا له، بينما تتسابق شركات التكنولوجيا الكبرى التي تدير وسائل التواصل الاجتماعي للتقرب منه. على الجانب الآخر، فقد الديمقراطيون جزءًا كبيرًا من حماسهم لمعارضته، ولم تعد بيروقراطية واشنطن تمتلك رفاهية تأخير تنفيذ سياساته أو اعتباره رئيسًا مؤقتًا. إذا لم تطرأ تغييرات كبيرة تقلب هذه المعادلات قبل انتخابات منتصف المدة في عام 2026، فإن ترامب سيكون لديه فرصة لتنفيذ أجندة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" بعوائق أقل خلال العامين المقبلين.
الخطاب القوي الذي ألقاه في حفل تنصيبه، بالإضافة إلى الأوامر التنفيذية الواسعة التي أصدرها منذ اليوم الأول، يشيران بوضوح إلى أنه لن يتردد في تطبيق سياساته ولن يسعى لإرضاء خصومه. حتى حق المواطنة المكتسب بالولادة، والذي يحظى بحماية دستورية، لم يسلم من سياساته، حيث أعلن حالة طوارئ وطنية على الحدود المكسيكية، مما فتح الباب أمام عمليات ترحيل واسعة النطاق.
كما هو الحال في فترته الأولى، يرفض ترامب الالتزام بالاتفاقيات الدولية، حيث انسحب من اتفاقية باريس للمناخ وعضوية منظمة الصحة العالمية. علاوة على ذلك، فرض رسومًا إضافية بنسبة 25% على كندا والمكسيك، مما يؤكد رغبته في إعادة إحياء حقبة الحماية الاقتصادية.
يسعى ترامب في فترته الثانية إلى إعادة جميع الخطوات التي اتخذها خلال فترته الأولى والتي ألغيت في عهد بايدن، بل ويتطلع إلى المضي قدمًا بشكل أعمق. فقد أظهر جديته في استعادة السيطرة على قناة بنما، كما يمارس ضغوطًا لشراء غرينلاند، وهي خطوة قد تهز القيم الأساسية للنظام الدولي بشكل جذري. من المحتمل أن ينسحب ترامب من سوريا، وقد يتخذ خطوات في القضية الفلسطينية بما يتماشى مع رغبات إسرائيل. وعلى غرار فترته الأولى، قد يعيد سياساته القائمة على ممارسة الضغوط على إيران والصين للتوصل إلى اتفاقيات. وبفضل إدراك قادة العالم أنه لم يعد "رئيسًا مؤقتًا"، قد تحاول واشنطن إنهاء الحرب في أوكرانيا، لكن من المتوقع أن تصطدم في النهاية بالحقائق الجيوسياسية.
بدء ترامب فترته الرئاسية الثانية بثقة كبيرة وبدعم سياسي واسع سيساعده على تحقيق نتائج ملموسة سواء داخليًا أو خارجيًا. ومع ذلك، إذا استنزف رأسماله السياسي سريعًا أو فشل في إدارة أزمة كبيرة، فقد يعجز عن الحفاظ على شعبيته المرتفعة ومعدلات تأييده الحالية.
من جهة أخرى، لن يتمكن الديمقراطيون من تشكيل معارضة قوية ضد ترامب ما لم يتعافوا ويوحدوا صفوفهم حول قائد حقيقي، وهو أمر لا يبدو وشيكًا. وإذا تمكن ترامب من الحفاظ على رأسماله السياسي حتى عام 2026، واستمرت سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز ثقته بشكل كبير، وربما يفتح الباب أمام نقاش حول تعديل دستوري يسمح له بالترشح لفترة رئاسية ثالثة.
ورغم أن هذا الاحتمال ضعيف للغاية، إلا أنه ليس من المستبعد أن يسعى ترامب لإضافة إنجاز جديد إلى سلسلة السوابق التي أرسى قواعدها في السياسة الأمريكية حتى الآن.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!