
ترك برس
حذر الكاتب والمحلل السياسي التركي إسماعيل ياشا، من مغبة تقديم الإدارة السورية الجديدة تنازلات لميليشات "قوات سوريا الديمقراطية - قسد"، التي يقودها تنظيم "حزب العمال الكردستاني - بي كي كي"، شمالي سوريا.
وأكد ياشا أن مشكلة "قسد" الآن تهدد حاضر سوريا ومستقبلها، ووحدة أراضيها، أكثر من أن تهدد تركيا، وأن أنقرة تسعى إلى مساعدة دمشق في حل تلك المشكلة؛ لأن تركيا قادرة على حماية أمنها القومي، سواء داخل أراضيها أو خارجها.
ولفت في مقال بصحيفة "عربي21" إلى أن تقديم الإدارة السورية الجديدة في هذه المرحلة أي تنازلات لـ"قسد"، تلبية لضغوط دول أخرى، فإن الآخرين، وعلى رأسهم الدروز، سيطالبون بذات التنازلات.
وأضاف: "كما أن ذلك قد يدفع فصائل أخرى، إلى الانسحاب من وزارة الدفاع السورية التي دخلت تحت مظلتها، لتطالب حصتها من الكعكة والامتيازات على غرار "قسد" والدروز".
وفيما يلي نص المقال:
دعا زعيم حزب العمال الكردستاني ومؤسسه، عبد الله أوجلان، قادة التنظيم الإرهابي، إلى عقد مؤتمر عام لإعلان إلقاء السلاح وحل التنظيم وكافة الجماعات التابعة له. ولفت أوجلان في رسالته التي تمت قراءتها في مؤتمر صحفي الخميس الماضي، إلى أن حزب العمال الكردستاني تأسس في القرن العشرين في ظروف الحرب الباردة التي كان يتم فيها إنكار الواقع الكردي وقمع الحريات بما فيها حرية التعبير، وأن تلك الظروف اليوم لم تعد موجودة.
أوجلان في قراءته الموجزة التي قدَّمها في رسالته للماضي والحاضر، أشار إلى أن حزب العمال الكردستاني أكمل عمره، ولم يعد لوجوده معنى بعد انهيار الاشتراكية الواقعية والإصلاحات التي أنهت حقبة إنكار الهوية الكردية، وفتحت المجال أمام حرية التعبير. كما أعلن رفضه لفكرة الانفصال والفيدرالية والحكم الذاتي، مشددا على ضرورة إقامة مجتمع ديمقراطي. وبعبارة أخرى، دعا أوجلان الأكراد إلى النضال الديمقراطي بعيدا عن استخدام السلاح للدفاع عن حقوقهم في البلاد التي يعيشون فيها.
ردود قادة التنظيم الإرهابي على نداء أوجلان كانت مرتبكة، وتشير إلى أن هناك محاولات للتنصل من الاستجابة لدعوة مؤسس التنظيم. وقال القادة المتواجدون في معقل حزب العمال الكردستاني بجبال قنديل في شمال العراق، إنهم يعلنون وقف إطلاق النار، وطالبوا بإطلاق سراح أوجلان ليقود هو نفسه عملية إلقاء السلاح. كما قال زعيم قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مظلوم عبدي، إن دعوة أوجلان تعني حزب العمال الكردستاني، ولا تشمل تنظيمه.
تركيا قضت على خطر الإرهاب الانفصالي داخل حدودها إلى حد كبير، من خلال العمليات العسكرية المكثفة التي استهدفت الإرهابيين، كما قامت بإصلاحات ديمقراطية لرفع سقف الحريات. وبالتالي، يمكن القول بأن دعوة أوجلان موجهة بالدرجة الأولى إلى الإرهابيين المتواجدين في شمال العراق وشمال شرق سوريا، لسحب ورقة حزب العمال الكردستاني من أيدي القوى الدولية والإقليمية، وإفشال مشاريعها التقسيمية. وبالتالي، لا معنى لتلك الدعوة إن لم تشمل جميع الجماعات التابعة لحزب العمال الكردستاني بما فيها حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردي و"قسد" في سوريا.
الحكومة التركية ترى أن دعوة أوجلان موجهة إلى "قسد" أيضا، فيما يقول حزب المساواة والديمقراطية للشعوب "ديم" الموالي لحزب العمال الكردستاني، إنه لا يستطيع أن يقول شيئا أكثر مما هو مكتوب في رسالة أوجلان. وأما النائب سري ثريا أوندر، الذي زار أوجلان في سجنه بجزيرة إمرالي ضمن وفد "ديم"، يؤكد أن دعوة أوجلان تشمل جميع الجماعات التابعة لحزب العمال الكردستاني بما فيها حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردي و"قسد". ولإنهاء هذا اللغط قد يوجّه أوجلان إلى "قسد" رسالة أخرى أكثر وضوحا.
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، أكد أنه إذا لم تُنَفَّذ الوعود المتعلقة بحل التنظيم الإرهابي وإلقاء السلاح، واستمر التلاعب ومحاولات التضليل بتغيير الأسماء والتصرف وفق الأهواء، فإن تركيا ليست مسؤولة عن النتائج، كما شدد وزير الدفاع التركي ياشار غولر، على أن أنقرة لن تسمح لعرقلة عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني. وترى القيادة التركية أن هناك أجهزة استخبارات عديدة تضغط على قادة حزب العمال الكردستاني كيلا يستجيبوا لدعوة أوجلان.
الولايات المتحدة لا تقف وحدها وراء مشروع "قسد"، بل هناك قوى إقليمية تدعم التنظيم الإرهابي ضد تركيا. وكان رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات في الرياض، لواء الاستخبارات السعودي المتقاعد أنور عشقي، دعا في مؤتمر في تل أبيب عام 2015، إلى العمل لتقسيم تركيا والعراق وإيران لإيجاد كردستان الكبرى، "من أجل تخفيف المطامع الإيرانية والعراقية والتركية"، حسب قوله، وجدد ذات الدعوة عام 2018. كما زار الوزير السعودي ثامر السبحان، ريف الرقة في تشرين الأول/ أكتوبر 2017 ودير الزور في تموز/ يوليو 2019 لدعم "قسد". وإضافة إلى ذلك، ما زالت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية، مثل قناتي العربية وسكاي نيوز، تدافع عن مشروع "قسد" حتى بعد سقوط نظام الأسد.
مشكلة "قسد" الآن تهدد حاضر سوريا ومستقبلها، ووحدة أراضيها، أكثر من أن تهدد تركيا. وتسعى أنقرة إلى مساعدة دمشق في حل تلك المشكلة؛ لأن تركيا قادرة على حماية أمنها القومي، سواء داخل أراضيها أو خارجها، وأن لديها خططا بديلة، بخلاف سوريا التي تواجه اليوم تحديات جسيمة. وإن قدمت الإدارة السورية الجديدة في هذه المرحلة أي تنازلات لـ"قسد"، تلبية لضغوط واشنطن أو الرياض أو غيرهما، فإن الآخرين، وعلى رأسهم الدروز، سيطالبون بذات التنازلات، كما أن ذلك قد يدفع فصائل أخرى، إلى الانسحاب من وزارة الدفاع السورية التي دخلت تحت مظلتها، لتطالب حصتها من الكعكة والامتيازات على غرار "قسد" والدروز.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!