
ترك برس
تناول مقال للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، الوحشية غير المسبوقة التي مارستها إسرائيل على مدار خمسة عشر شهرًا في غزة بدعم من القوى الأنجلوساكسونية.
وأكد الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق أن المقاومة الفلسطينية، وخاصة في غزة، فضحت النظام العالمي القائم على الهيمنة الغربية، مشيرا إلى التواطؤ الغربي في دعم الإبادة الجماعية.
وحلل الكاتب الدوافع وراء هذا النهج الوحشي، متتبعًا الجذور الاستعمارية للصهيونية والاستعمار الاستيطاني. وفي ظل صمود الفلسطينيين، يتساءل المقال عن مستقبل النظام الدولي القائم على القوة الغربية، ويؤكد أن فلسطين باتت نقطة تحول في الوعي العالمي.
وفيما يلي نص المقال:
على مدار خمسة عشر شهراً، شهدنا واحدة من أكثر الاعتداءات وحشية في تاريخ الإنسانية، فقد أظهرت إسرائيل الصهيونية، بدعم من القوى الأنجلوسكسونية والألمان والهولنديين، وحشية لا يمكن أن تُسجل إلا في الكتب المقدسة، على الأراضي الفلسطينية التاريخية. وفي الواقع، سبق لإسرائيل أن أظهرت هذه الوحشية مرات عديدة منذ عام 1948، لكن الأحداث لم تبقَ محط اهتمام الرأي العالمي لفترات طويلة كما حدث اليوم. كان الصهاينة ينفذون عمليات الإبادة بسرعة مروعة، مستخدمين الأسلحة التي تُسلّم لهم بسهولة، ومع حجب إعلامي غير مسبوق، ثم كان كل ما يتبقى هو طمس هذه الجرائم أو تقليل أهميتها. ولكن للمرة الأولى، فشلوا في تحقيق أهدافهم بسبب المقاومة الأسطورية لأهل غزة. لقد ضربوا غزة الصغيرة جوًا لعدة أيام وأسابيع وأشهر، ومع تزايد فشلهم في تحقيق أهدافهم تصاعدت وحشيتهم، ولكن فلسطين ظلت في صدارة جدول الأعمال الدولي. وبهذا انكشف النظام العالمي المتمركز حول الأنجلوسكسونيين بكل وضوح.
وكلما زادت مقاومة الفلسطينيين، زادت حدة الوحشية الصهيونية، مما أدى إلى زعزعة أسس العالم القائم على الهيمنة الأنجلوساكسونية. لقد دعم نخبة هذا العالم إسرائيل لتواصل وحشيتها، وبدا واضحا أنهم يحاولون تقويض النظام القائم على القواعد. ولكن حتى وقت قريب، كانت الحضارة الغربية تُقدم للعالم أجمع كنموذج يحتذى به. ولا بد أن هناك سببًا لاختيارهم الهمجية عن قصد. إذن لماذا؟ يجب طرح هذا السؤال مرارًا وتكرارًا. وإذا كانت الإجابات تركز على مفاهيم مثل عار الهولوكوست، وديون أوروبا لليهود، أو قوة رأس المال اليهودي العالمي، فيمكننا أن نكون على يقين من أننا لسنا في المكان الصحيح. لأن الإجابات غير صحيحة، بل هي تشويه متعمد. وللأسف هذه الإجابات منتشرة على نطاق واسع وتسمم البشرية جمعاء منذ الحرب العالمية الثانية. لذلك، فإن الكلمات التي يمكننا قولها لأجل الحقيقة في مواجهة الدعايات التي تصيب عقول البشرية جمعاء بالشلل، قد تؤدي إلى إحداث نهضة جديدة. وأنا أؤمن بأننا بحاجة ماسة إلى ذلك.
وحتى الأمس القريب كانت فضائل الحضارة الغربية تُعرض كنموذج للبشرية جمعاء. ولكن المشكلة الأساسية التي نواجهها اليوم ليست أن شخصاً مثل ترامب، الذي بدا وكأنه خرج من أفلام المافيا، أصبح رئيسًا للولايات المتحدة. فالرؤساء السابقون، ومن قبلهم أيضاً، لم يكونوا مختلفين عن ترامب. ورئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، يُعد من المؤيدين للوحشية بقدر ترامب، ففي المنتدى الوطني لمكافحة معاداة السامية الذي عقد في أوتاوا، لم يرَ أي مانع في إعلان نفسه صهيونيًا. ومن المهم أن نذكر أن ترودو قد أدلى بهذه العبارة التي تنطوي على تهديد بعد أن أكدت المحاكم الدولية جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة في غزة. وفي الوقت الذي كان رئيس الوزراء الكندي يهدد الفلسطينيين، ظهر وزير الخارجية الأمريكي بصليب مرسوم على جبهته. وينبغي أن نلاحظ أنه رغم التوترات بينهما، إلا أنهما استخدما نفس اللغة ضد الآخرين.
إنني أتعمد استخدام مصطلح "الهمجية"، فالمصطلح الذي نشأ من النظام الاستعماري كان يُستخدم لوصف أولئك الذين كانوا يُعتبرون خارج نطاق حضارة الغرب. وكان يُستخدم لوصف "الآخرين" الذين لا يندرجون تحت النظام القائم على القوانين والقواعد الخاصة بالحضارة الغربية. وكان لهذا المصطلح أنماط مختلفة مثل "البدائي" و"غير المدني" و"نصف المدني". ومع ذلك لا أريد اللجوء إلى تعبير مبسط يُشير إلى أن هؤلاء هم الهمج بالفعل بناءً على أفعالهم. إن مفهوم الهمجية يُذكّرنا بأن الأنجلساكسونيين قد بدؤوا في تدمير النظام الدولي القائم على القواعد بعد الحرب العالمية الثانية. ووفقًا لمعايير الحضارة الغربية، أصبحوا يُصنفون ضمن "الهمج". ولا يمكننا أن نختزل تاريخ كندا القصير في مفاهيم مثل "عار الهولوكوست" أو "دين أوروبا لليهود". وعندما يعلنون أنهم شاركوا في إبادة جماعية، لا يُتوقع منا أن نعتقد أنهم انحنوا أمام قوة رأس المال اليهودي. وبالنسبة للكنديين أيضًا، يعتبر الفلسطينيون في نفس فئة السكان الأصليين لأمريكا الشمالية. ولكن بعد المقاومة الاستثنائية التي استمرت خمسة عشر شهرًا، ولأول مرة لم يتمكنوا من تصنيف الفلسطينيين كإرهابيين.
ورغم التنافس الهائل بينهم، فإن العامل الرئيسي الذي يجعلهم يواجهون الفلسطينيين بهوية صهيونية هو الاستعمار الاستيطاني الأنجلوساكسوني. ففي الماضي كانوا قادرين على إدانة الفلسطينيين أو أي حركة وطنية أخرى. ولكن للمرة الأولى، وبعد أن قدم الفلسطينيون نموذجًا فريدًا من النضال والتضحية من أجل الوطن، اتحد العالم حول القضية الفلسطينية. وحتى في الرأي العام للدول التي ذكرناها، لاقى نضال الفلسطينيين من أجل وطنهم صدى واسعًا. فردوا بغضب، وفرضوا حظرًا، وبدأوا في تجريد المشاركين في المظاهرات المؤيدة لفلسطين من حقوقهم. إن مستقبل النظام الدولي المرتكز على الغرب أصبح الآن غامضاً. وهذا يظهر إيمانهم العميق بعدم مساواتهم مع "الآخرين".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!