
ترك برس
تناول تقرير للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، التحولات الجذرية في مسار تنظيم حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" الإرهابي وتنظيماته المتفرعة، خاصةً في ضوء دعوة زعيمه عبد الله أوجلان لإلقاء السلاح، والتغيرات الجيوسياسية التي أضعفت المشروع الانفصالي في كل من تركيا وسوريا.
واستعرض التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق المفاوضات الجارية بين ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية - قسد"، التي يقودها "بي كي كي"، والحكومة السورية، ومحاولات فرض مشروع الفيدرالية بدعم خارجي، وسط رفض تركي وسوري واضح.
ويحلل التقرير أيضًا تقلص النفوذ الأميركي في سوريا، وتبدل مواقف الأطراف الإقليمية، مما يضع "قسد" وقنديل أمام خيارات محدودة في بيئة سياسية متغيرة. وفيما يلي نص التقرير:
لقد اضطر تنظيم "بي كي كي" الإرهابي إلى إلقاء السلاح، وهناك أسباب كثيرة لذلك، غير أن العاملين الأساسيين يمكن تلخيصهما كالآتي:
أولًا: إن هذا التنظيم بكل تفاصيله، من خطابه الأيديولوجي إلى بنيته التنظيمية، كان نتاج الحرب الباردة؛ أي أنها كيان لا ينتمي إلى العصر الراهن وقد استنفد عمره الافتراضي. (ساهم في ذلك أيضًا تحول مراكز الصراع العالمي من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى).
ثانيًا: اكتسبت تركيا خبرات وقدرات كبيرة في مكافحة الإرهاب، وانتقلت إلى استراتيجية تجفيف منابع الإرهاب واستهداف قياداته مباشرةً، مما ضيق الخناق على التنظيم إلى حد كبير.
وفي هذا السياق، جاءت دعوة إمرالي إلى "إلقاء السلاح وحلّ التنظيم" لتؤكد أن القراءة الراهنة للواقع السياسي كانت صائبة. وكما تتابعون التطورات، فقد تم إجراء الزيارة الرابعة إلى إمرالي. كما التقى وفد حزب "DEM" بالرئيس أردوغان، ثم بوزير العدل يلماز تونج، لبحث مطالب تتعلق بالتشريعات وشروط إمرالي.
كانت الأجواء إيجابية، وكان يُتوقع أن يعقد التنظيم مؤتمرًا يُعلن فيه إلقاء السلاح. غير أن قيادة التنظيم العليا ما زالت تُبدي مقاومة. فقد صرّحت اللجنة التنفيذية لتنظيم "بي كي كي" الإرهابي أمس قائلة: "لم يصلنا شيء ملموس يمكن أن يحقق ما نُص عليه في بيان 27 فبراير". كما طُرح مطلب بأن يدير عبد الله أوجلان المؤتمر بعد تأمين شروط "العيش والعمل بحرية"، وتم الإشارة إلى شهر مايو كموعد محتمل.
من الواضح أن أي تغيير جذري في شروط إمرالي دون أن يسبقه تخلي التنظيم عن السلاح، سيثير استياءً شعبياً. وإذا ما نجح قنديل في تجاوز شهر مايو بالمماطلة، فستفقد أجندة الحل السياسي زخمها وحيويتها.
تقليص الأهداف في سوريا
أما في سوريا قد أتاحت الساحة السورية للتنظيم فرصة لإعادة تشكيل نفسه بما يتناسب مع روح العصر. وكان "قسد"، بدعم من الولايات المتحدة، يحلم بإنشاء ممر إرهابي هناك، ولكن مع الإطاحة بنظام الأسد، اضطُر التنظيم إلى تقليص أهدافه. وفي العاشر من مارس، تم توقيع اتفاق بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، ينصّ على اندماج "قسد" ضمن الدولة السورية، مع الاعتراف بوحدة الأراضي السورية. ومع ذلك، لا تزال كيفية تنفيذ هذا الاندماج غير واضحة. وبعد أربعة أيام من هذا الاتفاق زار هاكان فيدان ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالين دمشق في 14 مارس، وعرضا أولويات ومخاوف أنقرة.
نحن الآن نقترب من تلك اللحظة الحاسمة. دعونا نلخص المشهد الراهن على النحو التالي:
أولًا: محاولات إسرائيل لعرقلة هذا المسار باءت بالفشل. فالولايات المتحدة بدأت في تقليص وجودها العسكري في سوريا وقد أبلغت كلًا من إسرائيل و"قسد" بأنها ستتحول من الدور العسكري إلى الدور السياسي هناك.
ثانيًا: بعد تحذير ترامب لـ"نتنياهو" بضرورة "التحلي بالعقلانية"، تراجع نتنياهو إ عن التدخل في الملف السوري. وهناك حوار قوي يجري حاليًا بين واشنطن وأنقرة بشأن سوريا. ويبدو أن "قسد"، على غرار إسرائيل، بدأت تتقبل هذه الحقائق وتتخذ موقفها بناء عليها.
عرض قسد لإسرائيل
ثالثًا: كشفت وسائل الإعلام الغربية أن "قسد" سعت إلى بناء علاقة مع إسرائيل شبيهة بعلاقتها مع الولايات المتحدة، واللافت أن إسرائيل رفضت هذا العرض. ومن جهة أخرى، بات معروفًا أن واشنطن تسعى إلى دمج سوريا في "تحالف التطبيع العربي مع إسرائيل". وفي ظل تنامي الشرعية الدولية للنظام السوري مؤخرًا، لم يبقَ أمام "قسد" (وربما حتى قنديل) سوى خيار واحد لإيجاد حليف إقليمي محتمل وهو إيران. وأعتقد أن هذا هو المقصود بتصريح الرئيس أردوغان في 15 أبريل ـ والذي لم ينل نصيبه الوافي من الاهتمام ـ حين قال "فيما يتعلق بسوريا على بعض الأطراف أن تدرك قيمة الصداقة التركية بدلًا من اختبار صبرها، وعليها أن تتصرف كدول، لا كتنظيم."
رابعًا: رغم كل ذلك، لا تزال هناك مماطلة في تنفيذ اتفاقية الشَرع ومظلوم عبدي. إذ تسعى "قسد" إلى تشكيل تحالف أوسع قبل الشروع في المفاوضات، ويتضح أن هناك خطة تدريجية يجري تنفيذها. وهذا المخطط يُنفذ بشكل تدريجي، دعونا نتحدث عن تفاصيله.
التلويح بورقة الفيدرالية
بعد فرار بشار الأسد من سوريا بيومين فقط في 10 ديسمبر 2024، جمعت الولايات المتحدة قسد مع الأكراد المقربين من بارزاني. وكان الهدف من ذلك تشكيل كتلة من الأطراف الكردية لإجلاس "قسد" على طاولة المفاوضات مع دمشق. ولم تُخفِ"قسد" نيتها في طرح مطالب الفيدرالية وعدم إلقاء السلاح خلال عملية الاندماج هذه. وخلال هذه الفترة، كثف المسؤولون الأمريكيون من مساعيهم الدبلوماسية بين سوريا وأربيل. وفي هذه اللقاءات، تم التوصل إلى اتفاق بين "قسد" والمجلس الوطني الكردي المقرب من بارزاني يقضي باقتراح إقامة نظام حكم فدرالي يستند إلى مبدأ اللامركزية في سوريا خلال المفاوضات مع دمشق (18 مارس).
وفي نهاية الأسبوع، عُقد مؤتمر موسع حول هذا الموضوع في مدينة القامشلي، بمشاركة شخصيات من تركيا، وشمال العراق، وسوريا. وفي البيان الختامي للمؤتمر، تقرر اقتراح "اللامركزية/الفيدرالية" على حكومة دمشق، وتشكيل وفد تفاوضي لهذا الغرض.
التدخل الخارجي في سوريا سيُحدث أزمة
وفي هذا الإطار، شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على موقف أنقرة الرافض "لكل أشكال التقسيم العرقي والديني والطائفي" في سوريا. وفي خطوة لافتة، أصدرت الحكومة السورية بيانًا رسميًا، انتقدت فيه "قسد" بشكل علني لأول مرة، مؤكدة أن "التصريحات والتحركات التي صدرت مؤخرا تهدد وحدة البلاد وسلامة أراضيها". كما حذرت دمشق من أن "قسد" تسعى إلى تغيير ديموغرافي في شمال سوريا، وتهدد النسيج الاجتماعي هناك، وأشارت إلى أن "قسد"، خلافًا لما نصت عليه الاتفاقات، تمنع مؤسسات الدولة من العمل في المناطق التي تسيطر عليها.
وهناك مشكلتان أخريان لا تقلان خطورة عن سابقتيهما:
أولًا: تسعى قسد إلى فرض مشروع الفيدرالية، وهو قضية مصيرية تمس مستقبل سوريا– عبر سياسة الأمر الواقع، دون الرجوع إلى إرادة الشعب السوري.
ثانيًا: تقوم قسد بتشكيل عناوين التفاوض بالتنسيق مع أطراف خارجية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وأربيل، مما يعزز في دمشق شعورًا قويًا بوجود تدخل أجنبي. وهذا المسار قد يفتح الباب أمام مرحلة خطيرة، تنذر باندلاع صراعات جديدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!